قال الخبير السياسي والاستراتيجي محمود محيي الدين، إن الانتصارات العسكرية في حياة الشعوب قليلة، فهي تدل على تحرر الشعوب من كل أنواع القيود السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية لتذهب الدولة بأبنائها وخيرة شبابها إلى أتون المعركة غير مبالين بالحياة من أجل شرف وعظمة وحضارة الوطن وخلق مستقبل لأبنائه في عالم لا يعترف بغير القوة في الصراعات الدولية . وأكد محيي الدين، عبر تصريحات خاصة ل“,”البوابة نيوز“,”، أن حرب أكتوبر المجيدة مثلت هذه القيمة فعبرت بالمصريين من حالة اليأس والهزيمة والانكسار والضياع للقيم وللشرف وللتاريخ والحضارة إلى عالم وآفاق آخرى تمثلت في الرجاء بالمستقبل والتقدم إنسانيًا وثقافيًا واجتماعيًا لمصاف الأمم القوية في إرادتها وقدرتها على تخطي الصعاب . وأوضح الخبير السياسي والاستراتيجي، أن قيمة أكتوبر تجلت في حالة من الترابط المجتمعي لشعب رفض الهزيمة ورفض الانكسار وتعاهد مع قادته على النصر والخروج من الأزمة إلى الانطلاق نحو مستقبل واعد تَمحي فيه آثار الهزيمة وتحل مكانها نشوة وقيم الانتصار، مؤكدًا أن قيمة النصر كانت في الترابط، وهو ما أدركه الغرب أن قوة المصريين في اشتعال جذوة الترابط والوحدة المجتمعية النابعة من وحدة الثقافة، والتي أدت إلى وحدة الهدف وهو الانتصار . وأشار محيي الدين، إلى أن الجيش المصري ما هو إلا إفراز مُجتمعي لقيم الترابط ووحدة الهدف “,”مصر“,”، فلقد كان من أهم شعارات ومدلولات هذا الترابط هو صدق الهدف الجامع لمجمل الثقافة المصرية وترجمها الجيش في شعارين الأول “,”الله الوطن“,”، والثاني “,”النصر أو الشهادة“,”. وتابع الخبير السياسي والاستراتيجي، قائلًا: “,”إنني أقف دومًا أمام مدلول هذين الهدفين، فقيمة الله الخالق الباقي لاشك فيها، وقيمة الوطن بعد الله تجسيد لمفهوم الترابط والوحدة المجتمعية وأنه لا تنازل ولا تفريط في حبات رماله، أما الشعار الثاني فيجسد الوسيلة للوصول إلى الله والوطن، إ ما بالنصر لله والوطن، أو الشهادة في سبيل الله والوطن.. يا الله، إنني أعجز أمام عظمة هذين الشعارين أو المدلولين لأنهما التجسيد الحقيقي لوجود المصريين على ضفاف النيل، وهما سر عظمة مصر أغلى الأوطان“,” . وأكد محيي الدين، أن حرب أكتوبر كانت ثورة بكل المقاييس من أجل رفعة الوطن والنهوض به من كبوة الهزيمة إلى آفاق النصر، متسائلًا: “,”هل استفدنا من هذا النصر بالقدر الكافي، وهل استثمرنا هذا النصر ثقافيًا واجتماعيًا وعلميًا؟“,”. ولفت محيي الدين، إلى أن ثورة أكتوبر قادها خيرة أبناء مصر من القوات المسلحة وخلفهم حائط صلب هو الشعب المصري الذي لم يكن ليرضى بديلًا عن النصر، حيث استمرت جذوة النصر داخل القوات المسلحة واستمرت في التطور وتشكيل عقيدة أكتوبر العسكرية لتصب في قلب العقيدة العسكرية المصرية، واستمرت الأجيال داخلها تدرس وتعلم الأجيال قيمة ومدلول هذا النصر العظيم . وأوضح محيي الدين، أن العالم أجمع اعترف ببطولات الجيش المصري وابتكاراته وتضحياته على الجبهة، التي أضحت تدرس هذه البطولات في المعاهد العسكرية العالمية وأصبحت كبرى الجيوش في العالم تنشد التدريب المشترك مع الجيش المصري لتتعلم منه وتنقل الخبرة، والتي ظهرت جليًا في حرب تحرير الكويت، حيث أثبت الجيش استيعابه التام لمُجمل الخبرات السابقة، وأهمها حرب أكتوبر التي أثبت للعالم وقتها أن جيل أكتوبر مازال يحيا داخل العسكرية المصرية، داحرين كل الأفكار الصهيونية التي زايدت أنها ستحارب مصر بعد نهاية الخدمة لكل من شارك في أكتوبر. وأشاد محيي الدين، بدور الجيش المصري الذي حوّل انتصار أكتوبر إلى قيمة عملية وعقيدة قتالية، وليس مجرد ذكرى للنصر، مُعتبرًا أن الجيش هو عنوان ثورة المصريين على الظلم والاستعمار والاحتلال والفساد، لأنه قيمة وقامة وعمود خيمة المصريين أن الجيش المصري هو الدرع والسيف . الزعيم الراحل أنور السادات أطلق شعلة النصر والنور والأمل داخل المجتمع المصري حينما أصر على استعادة باقي الأرض بالسلام وفتح مصر على العالم وتسامح وتصالح مع كل الأفكار الرجعية، لعلهم يعتبرون من قيمة وقامة النصر الذي حققه الشعب بجيشه العظيم، إلا أن قوى الظلام كانت أكبر، وتم تغييب رمز النصر عن المشهد بالاغتيال يوم ذكرى النصر وفي وسط جنوده، مشددًا على أنه مشهد لا يغيب ولا يجب أن يغيب، لأن مصر تاهت وفقدت ثقافة أكتوبر واستطاع الأعداء أن يضيعوا جذوة النصر وإرباك مصر في الداخل والإقليم وأصبحت أكتوبر ذكرى نحتفل بها فقط يوم الذكرى . وتساءل محيي الدين، قائلًا: “,”أين السياسيون والمثقفون؟ وأين كانت الدولة المصرية على مدار ثلاثين عاماً؟“,”، مشيرًا إلى انشغالنا بتوفير المعايش اليومية والتعايش الإقليمي وتصدير العمالة للخارج، التي عادت إلينا بثقافات وهابية هي ما أعاقت إعادة بناء مصر، مشيرًا إلى ما ورد على لسان أحد أهم منظريها، وهو يشكك في حديث الرسول المصطفى “,”إننا خير أجناد الارض“,” الذي يُعد أكبر دليل على تضافر جهود الكثيرين في الداخل والخارج على إطفاء جذوة أكتوبر والدخول في متاهات مع معتنقي الظلام . واستطرد محيي الدين، قائلًا: “,”عندما أراد الشعب أن يمحو الفساد في يناير ويونيو وجد أن قواته المسلحة مازالت على العهد حاضرة بجنودها في المشهد تدافع عن آماله وطموحاته وتقف ضد المتربصين بهذا الشعب العظيم وهذا الوطن الغالي لتدحض مخططات الغرب في التقسيم واللعب بورقة تفجير المجتمع من الداخل، التي واجهها الشعب بكل قوة واستطاع أن يخرج مناصري هذه الأفكار في الداخل تحت ستار الدين من المشهد إلى غياهب السجون . واختتم محيي الدين، تصريحاته، مطالبًا بأن نُعيد التفكر في قيمة وعظمة نصر أكتوبر لتكون منهجًا للمستقبل وأبرزها العبور فوق الآلام التي أصابتنا من محاولة تفتيت الترابط المجتمعي إلى نصر عظيم لهذا الوطن .