أوكرانيا.. إصابة 11 في قصف روسي مكثف على كييف    وزير الطيران المدني يشارك في الاجتماع الوزاري للمفوضية الأفريقية    المالية: هدفنا الالتزام الطوعي بالضرائب وأوقفنا مؤقتًا حملات التهرب مع علمنا بالمخالفين    قطع الكهرباء لمدة 5 ساعات غدًا السبت عن عدة مناطق في 3 محافظات    محافظ الإسكندرية يكلف التنفيذيين ب «التواجد الميداني» لمواجهة تقلبات الطقس    نانسي عجرم عن أغنية أنا مصري وأبويا مصري: استقبلوني كنجمة كبيرة ورصيدي أغنيتان فقررت رد التحية    رئيس مؤتمر «تبرع حياة مصر»: نُنظم حملات توعية لتثقيف المواطنين بالتبرع بالأعضاء    مجانًا.. القنوات الناقلة مباشر لمباراة الأهلي وسموحة في نهائي سوبر اليد.. والمعلق    كمال الدين رضا يكتب: حق مصر    الجزائر.. اندلاع 17 حريقا في عدة ولايات    «الأهلي مكسبش بفارق كبير!».. وائل القباني ينفجر غضبًا بسبب تصريحات مصطفى عبده    حماية المستهلك: ضبط 11.5 طن لحوم فاسدة يُعاد تصنيعها قبل وصولها للمواطن منذ بداية نوفمبر    الدبلوماسي والسياسي مروان طوباس: «قوة الاستقرار الدولية» وصاية جديدة على فلسطين    مادورو يوجه نداء للشعب الأمريكي وسط تصعيد عسكري غير مسبوق    رئيس الجامعة اليابانية يستقبل نقيب صحفيي الإسكندرية والوفد المرافق    ميسي يحمل قميص "إلتشي".. ما علاقته بمالك النادي؟    حجر رشيد.. رمز الهوية المصرية المسلوب في المتحف البريطاني    تامر عبدالحميد: الأهلي كان الأفضل في السوبر.. وبيزيرا وإسماعيل وربيع أفضل صفقات الزمالك    خبر حقيقي.. مؤلف «كارثة طبيعية» يكشف سبب فكرة العمل    بعد حلقة أمنية حجازي .. ياسمين الخطيب تعتذر ل عبدالله رشدي    السيطرة على حريق شب داخل سيارة ملاكي أعلى كورنيش المعادي    طوارئ بالبحيرة لمواجهة سوء حالة الطقس وسقوط الأمطار الغزيرة.. فيديو وصور    وداع موجع في شبين القناطر.. جنازة فني كهرباء رحل في لحظة مأساوية أمام ابنته    كلماتها مؤثرة، محمد رمضان يحول نصائح والده إلى أغنية بمشاركة المطرب إليا (فيديو)    أقارب مرشح في الانتخابات يطلقون النار.. والداخلية تتحفظ على السلاح    «مينفعش لعيبة الزمالك تبقى واقعة على الأرض».. جمال عبد الحميد ينفجر غضبًا بسبب صور مباراة نهائي السوبر    جامعة المنيا تنظم ورشة عمل لأعضاء هيئة التدريس حول طرق التدريس الدامجة    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    «احترمي خصوصياتهم وبادري بالود».. 7 نصائح ضرورية لتعزيز علاقتك بأقارب زوجك    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سرّ الصلاة على النبي يوم الجمعة    هل ثواب الصدقة يصل للمتوفى؟.. دار الإفتاء توضح    هنا.. القنوات المجانية الناقلة لمباراة مصر وأوزبكستان اليوم 14 نوفمبر 2025 في بطولة العين الودية    ابتلاع طفل لخاتم معدنى بالبحيرة يثير الجدل على مواقع التواصل.. اعرف التفاصيل    أمراض بكتيرية حولت مسار التاريخ الأوروبي: تحليل الحمض النووي يكشف أسباب كارثة جيش نابليون في روسيا    المركز الأفريقى لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي ل«مرض السكر»    العثور على حطام طائرة إطفاء تركية ووفاة قائدها    مصرع 3 أشخاص وإصابة 4 في حادث تصادم سيارتين بالكيلو 17 غرب العريش    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    رسميًا بعد تطويرها.. موعد افتتاح حديقة الحيوان بالجيزة وخطة تجديدها وربطها بالأورمان    بن غفير يتباهى بالتنكيل بمواطنين فلسطينيين داخل إسرائيل    محافظ بورسعيد يبحث استعدادات إجراء انتخابات مجلس النواب 2025    أول تعليق من «الأطباء» على واقعة إصابة طبيب بطلق ناري خلال مشاركته في قافلة طبية بقنا    بين ابتكار الآسيويين ومحاذير الخدع التسويقية.. هل يهدد الذهب الصيني الجديد سوق الاقتصاد؟    التفاصيل الكاملة لمشروع جنة مصر وسكن مصر.. فيديو    سعر الموز والتفاح والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025    كيف بدأت النجمة نانسي عجرم حياتها الفنية؟    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    تفاصيل محاكمة المتهمين بالتنمر على الطفل جان رامز على مواقع التواصل    الإمارات تعلن نتائج تحقيقات تهريب العتاد العسكري إلى السودان    إنجلترا تواصل حملة الانتصارات مع توخيل وتعبر صربيا بثنائي أرسنال    أذكار المساء يوم الجمعة – حصنك من الشر والهم والضيق    اليوم.. أوقاف الفيوم تفتتح مسجد"الرحمة"بمركز سنورس    القانون يحدد شروطا للتدريس بالمدارس الفنية.. تعرف عليها    نتنياهو يربط التعامل مع أحمد الشرع بهذا الشرط    إيران تطالب الأمم المتحدة بمحاسبة واشنطن وتل أبيب على ضرباتها النووية في يونيو    4 أبراج «بيجيلهم اكتئاب الشتاء».. حسّاسون يتأثرون بشدة من البرد ويحتاجون للدفء العاطفي    الشيخ خالد الجندي: كل لحظة انتظار للصلاة تُكتب في ميزانك وتجعلك من القانتين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حيثيات رفض «اتهام ضابط بالتعذيب»: المدعي فشل في تقديم أي دليل
نشر في البوابة يوم 11 - 01 - 2016

أرست محكمة القضاء الادارى بالاسكندرية - الدائرة الأولى بالبحيرة - برئاسة المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، اليوم الإثنين، مبدأ جديد فى قضايا التعذيب التى يرتكبها بعض ضابط الشرطة ضد المواطنين.
وأكدت المحكمة، إن التعذيب جريمة وخطأ شخصى جسيم للضابط يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة بصورة بشعة يستوجب التعويض من ماله الخاص وليس من مال الوزارة لخرقه احكام الدستور فضلا عن محاكمته جنائيا والزام وزير الداخلية باحالة من يثبت فى حقه التعذيب لمجلس تأديب لمحاكمته تأديبيا .
كما اكدت أن التعذيب بجميع صوره واشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته حقوق الانسان، وان مفهوم الأمن تحول فى الفكر الحديث من منظور ضيق قاصر على الشرطة إلى شراكة مع الجمهور، فالإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق الجرائم المكتشفة ما يقتضى ضرورة التعاون بينهما.
وقالت المحكمة ان التعذيب نظرا لخطورة اثاره على مستقبل الضابط فانه يلزم اقامة الدليل عليه ورفضت تعويض المواطن لعجزه عن تقديم الدليل ولحصول الضابط على قرار من النيابة العامة بالحفظ.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة اولا : فى الدعوى الاصلية : بقبول الدعوى شكلا وبرفض طلب المدعى أبو الخير يسين احمد أبو الخير الزام وزير الداخلية بتعويضه عما ذكره من تعرضه للتعذيب على يد الضابط محمد احمد زايد رئيس مباحث ايتاى البارود انذاك لحفظ النيابة العامة المحضر الادارى رقم 5397 لسنة 2004 إداري ايتاي البارود لعدم كفاية الادلة وعدم ثبوت دليل التعذيب والزمته مصروفاتها.
ثانيا: وفى الدعوى الفرعية المقامة من وزير الداخلية ضد الضابط المذكور بعدم قبولها والزمت الادارة مصروفاتها.
وقالت المحكمة، إن اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة اعتمدتها الجمعية العامة للامم المتحدة بالقرار 39/46 المؤرخ في 10 ديسمبر 1984، والتى دخلت حيز النفاذ فى 26 يونيو 1987 تقرر تعزيز احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومراعاتها على مستوى العالم، ومراعاة منها المادة 5 من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكلتاهما تنص على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ، ومراعاة منها ايضا لاعلان حماية جميع الاشخاص من التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ،الذي اعتمدته الجمعية العامة .
وأشارت المحكمة إلي أن مصر قد أقرت الاتفاقية وفقاً للقرار الجمهوري 154 في 6 أبريل 1986 ونُشرت في الجريدة الرسمية المصرية في 7 يناير 1988 ودخلت حيز النفاذ في 25 يوليو 1986 وأصبحت من ثم قانونا من قوانينها.
وأضافت المحكمة، إن المشرع الدستورى المصرى جعل الكرامة حق لكل انسان ولم يجز المساس بها ، والزم الدولة باحترامها وحمايتها وجعل التعذيب بجميع صوره واشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لتعلقها بحقوق الانسان والزم الدولة بان كل من يقبض عليه او يحبس او تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا اكراهه ولا ايذاؤه بدنيا او معنويا ولا يكون حجزه او حبسه الا فى اماكن مخصصة لذلك لائقة انسانيا وصحيا وجعل كل مخالفة لاى من تلك الالتزامات الدستورية جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون بل منح للمتهم حق الصمت واهدر كل قول يثبت انه صدر من محتجز تحت وطأة شئ مما تقدم او التهديد بشئ منه ولا يجوز التعويل عليه.
كما أوضحت المحكمة ، ان المشرع الدستورى جعل الشرطة فى خدمة الشعب وولاؤها له وتكفل للمواطنين الطمأنينة والامن وتسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية .
وذكرت أن الفقه اللاتيني قد ذهب إلى أن الخطأ الشخصي المتصل بالوظيفة الإدارية يأخذ إحدى صورتين : فإما أن يكون خطأ عمدياً ، وإما أن يكون خطأ جسيماً بحيث يصل إلى حد خرق أحكام الدستور أو ارتكاب جريمة تقع تحت طائلة قانون العقوبات ، وفي الحالتين يسأل الموظف من ماله الخاص ، ويستوجب مسئوليته الشخصية ، وتتمثل الصورة الأولى في الخطأ العمدي faute intentionnelle la وغايته البحث عن اتجاه نية الموظف إلى إلحاق الأذى بالغير ، كاشفاً بذلك عن شخصية مرتكبه الضعيفة ونزواته الهزيلة وعواطفه المتهاترة باغياً من تصرفه تحقيق مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتية وأغراضه الخاصة التي لا تتعلق بالصالح العام بأي صلة و لا ترتبط بأي علاقة مع الخدمة الوظيفية ، فتقوم مسئوليته الشخصية ويلتزم بالتعويض من ماله الخاص عن الاضرار التي اصابت الغير ، اما الخطأ الجسيم faute lourde la فهو الخطأ الذي يجاوز المخاطر العادية للوظيفة ، ولا يمكن قبوله أو ايجاد عذر لارتكابه ، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة للموظف غير المتوسط ، ويعد الخطأ جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الايذاء ام لا ، وفي تلك الحالة يخطئ الموظف خطأ قانونيا جسيما ، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة ، ويمثل ذلك التجاوز انحرافا حقيقيا للسلطة في الدرك الاسفل منها ، وهو ما يستوجب مسئولية الموظف الشخصية ، ويسأل عنه الموظف في ماله الخاص .
واشارت المحكمة ، في حكمها الى 14 مرجعا علميا لفقهاء فى فرنسا وحكمين للقضاء الادارى المصرى ابان العصر الملكى وتسعة احكام حديثة لمجلس الدولة الفرنسى .
واكدت المحكمة ، ان ارتكاب رجل الشرطة جريمة التعذيب الواقع على احد المواطنين تعد خرقا دستوريا وجرما جنائيا واثما تأديبيا وتشكل خطأ شخصياً من جانبه تستوجب مسئوليته عن التعويض المطالب به من ماله الخاص باعتبار ان التعذيب ينال من الكرامة الانسانية وان ارتكابه لهذا الخطأ الجسيم يجاوز المخاطر العادية للوظيفة ، وان التعذيب لا يمكن قبوله أو ايجاد عذر لارتكابه ولا يمكن التسامح فيه خاصة بعد ان ثار الشعب على كل مظاهر الاستبداد بثورتيه فى 11 يناير 2011 و30 يونيه 2013 ، ولا يمكن التسامح فيه حتى بالنسبة لرجل الشرطة غير المتوسط ، ويعد الخطأ فى حالة التعذيب جسيما بصرف النظر عما إذا كان مرتكب الخطأ قد توافر لديه نية الايذاء ام لا ، وذلك بتجاوز حدود سلطاته الشرعية بصورة بشعة ، ويمثل ذلك التجاوز منه انحرافا حقيقيا للسلطة في الدرك الاسفل منها وهو المنوط به بان يكفل للمواطنين الطمأنينة والامن والسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة ويلتزم بما يفرضه عليه الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، وهو ما يستوجب المسئولية الشخصية لرجل الشرطة ، ويسأل عنه في ماله الخاص .
فضلا عما يؤدى اليه التعذيب من نتائج فادحة تتمثل فى ايذاء الشعور العام للمواطنين وما يترتب على ذلك من عدم استقرار الحياة فى المجتمع وتعارضه مع اصل من الاصول القانونية الذى تمليه الطمأنينة العامة وما تقضى به ضرورة إستقرار الحقوق و الروابط الإجتماعية إستقراراً ثابتاً ، و لذلك تعتبر المخالفة القانونية فى هذه الحالة خطيرة و جسيمة ومن ثم وجب اعتبار خطأ رجل الشرطة فى تلك الحالة خطأ شخصياً يستوجب مسئوليته عن التعويض من ماله الخاص.
واضافت المحكمة ان الضابط الذى يرتكب التعذيب على أحد المواطنين بمناسبة وظيفته فان هذا التعذيب بجميع صوره واشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم مهما طال الزمان لمخالفته اصلا من الاصول المتعلقة بحقوق الانسان ، لذا فانه يتحمل قيمة التعويض من ماله الخاص وليس من مال وزارة الداخلية باعتبار ان التعذيب يمثل خطأ شخصيا يتجاوز حدود المخاطر العادية للوظيفة الامنية وخرقا دستوريا لما اولاه المشرع الدستورى لاول مرة فى الدستور المعدل لعام 2014 من الزام العاملين بجهاز الشرطة بحماية حقوق الانسان .
وتابعت المحكمة ، انه يتوجب احالته الى القضاء الجنائى لمحاكمته جنائيا عن واقعة التعذيب بحسبانه سلوكا ماديا وفقا لنموذج التجريم يخرج عن قيم المجتمع المحروسة من المشرع متصلا بالركن المعنوى عن علم ووعى بالملابسات التى تحيط بهذا السلوك ، فضلا عن وجوب قيام وزارة الداخلية بمحاسبته تأديبيا عن هذا الفعل الذى يخرج خروجا صارخا عن مقتضيات واجبات ضابط الشرطة المنوط به كفالة الطمأنينة والامن للمواطنين والسهر على حفظ النظام العام والاداب العامة والالتزام بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات والاحترام لحقوق الانسان وحرياته الاساسية.
ومن حيث أن المشرع قرر فى قانون هيئة الشرطة انه يجب على الضابط مراعاة احكام هذا القانون وتنفيذها وعليه كذلك ان يحافظ على كرامة وظيفته طبقا للعرف العام وان يسلك فى تصرفاته مسلكا يتفق والاحترام الواجب لها كما انه بموجب هذا القانون يسرى على اعضاء هيئة الشرطة مالا يتعارض مع هذا القانون من الاحكام الواردة فى قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وفى قانون التأمين الاجتماعى ولما كان قانون هيئة الشرطة خلا من تنظيم المسئولية المدنية للضابط عن خطئه الشخصى فانه يتعين سريان المبدأ الوارد في نظام العاملين المدنيين بالدولة الذى حدثت الواقعة محل النزاع فى ظله ومن بعده قانون الخدمة المدنية – وهو الشريعة العامة الواجبة التطبيق – أن الموظف لا يسأل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي .
وأكدت المحكمة فى حكمها التاريخى ان مفهوم الأمن فى الفكر الحديث تحول من منظور ضيق كان قاصرا على جهاز الشرطة إلى نظرة اعم واشمل جعلت منه مسئولية قومية يشارك فيها كل أفراد المجتمع اذ اضحى مفهوم الأمن شراكة بين كل أجهزة الدولة وكافة قطاعات الجمهور وتعتبر العلاقة بين الشرطة والجمهور من أهم القضايا الأمنية لان مساهمة الجمهور في حفظ الأمن وتعاونه مع الشرطة يعد من مقتضيات الفاعلية لكشف الجريمة خاصة أن الإحصاءات العالمية تؤكد أن عدد الجرائم المقترفة يفوق إلى حد كبير عدد الجرائم المكتشفة الامر الذى يبرز أهمية وضرورة التعاون الوثيق بين الشرطة والجمهورفي تحقيق الأمن وما يقتضيه ذلك من وجوب اتسام العلاقة بينهما بالحميمية بدلا من افتقارها إلى التفاهم والتعاون وسوء الظن اذ يجب على رجال هيئة الشرطة المنوط بهم حماية ارواح واموال المواطنين عدم الاعتداء بالتعذيب او بما من شأنه ان ينال من كرامة الانسان لان القيام بذلك يبث الكراهية فى نفوس المواطنين تجاه رجال الشرطة بحسبانهم المنوط بهم اغداق حمايتهم وليس اقتراف تعذيبهم او النيل من كرامتهم فرجل الشرطة حينما يخطئ أويسلك مسلكًا معيبًا فانه يؤدي إلى انعكاسات سلبية على علاقته مع المواطنين ويجب مواجهتها بحسم وردعها بالكيفية التي تتناسب مع خطورتها لان الاصل أن الشرطة تؤدى وظيفتها في خدمة الشعب باعتباره واجبا دستوريا يبلور رسالة الشرطة في علاقاتها بالشعب لهذا كان لزامًا أن تكون ممارستها تحت إشراف السلطة القضائية ضمانا لعدم إساءة استخدامها .
وذكرت المحكمة انه نظرا لخطورة الاثار المترتبة على التعذيب لمستقبل الضابط فانه يلزم اقامة الدليل عليه ولما كان المدعى نسب الى الضابط محمد احمد زايد رئيس مباحث ايتاى البارود انذاك انه قام بتعذيبه اعتبارا من 18/5/2004 حتى يوم 21/5/2004 وانه حررعن هذه الواقعة المحضر رقم 5397 لسنة 2004 إداري ايتاي البارود وذكر فى عريضة دعواه ان النيابة العامة قامت بحفظ هذا المحضر بتاريخ 7/2/2005 لعدم كفاية الادلة وقد كلفته المحكمة على مدار عدة جلسات ان يقدم بكافة طرق الاثبات ما يفيد تعرضه للتعذيب وصرحت له باستخراج صورة رسمية من التقرير الطبى الذى قدم صورة ضوئية منه غير ممهورة بخاتم الجمهورية او بأى خاتم للمستشفى الا انه لم يقدم هذا او ذاك مما لا تطمئن معه المحكمة لهذه الورقة المرسلة واذ استقرت محكمة النقض على ان أمر الحفظ الذي تصدره النيابة العامة بعد قيامها بأي إجراء من إجراءات التحقيق هو في صحيح القانون أمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية بمجرد صدوره حجيته في مواجهة كافة الخصوم في الدعوى، ومقتضى هذه الحجية امتناع العودة إلى الدعوى إلا في الحالات وبالكيفية التي قررها الشارع في المواد 210، 211، 213 من قانون الإجراءات الجنائية، ولو جاء الأمر في صيغة الحفظ الإداري، وسواء كان مسبباً أم لم يكن. كما أن الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية له قوة الأمر المقضي به يمتنع معه تحرك الدعوى الجنائية من بعد صدوره ما لم تظهر أدلة جديدة قبل انقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة أو يصدر النائب العام قراراً بإلغاء الأمر خلال المدة المنصوص عليها في المادة 212 من قانون الإجراءات الجنائية.
وأشارت المحكمة ان ادعاء المدعى انه قد تعرض للتعذيب على يد الضابط المذكور دون ان يقيم الدليل عليه وعجز عن اثبات دعواه رغم تكليفه بذلك عدة جلسات حال ان النيابة العامة قد حفظت المحضر المشار اليه لعدم كفاية الادلة فان ادعاءه - والحال كذلك- يكون مرسلا وينتفى معه ركن الخطأ فى جانب وزارة الداخلية بحسبانها المتبوع المسئول عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى ثبت فى حقه وكان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها وهو ما خلت الاوراق من ثبوته وتنهار معه باقى اركان المسئولية , ويضحى طلب المدعى بالزام وزارة الداخلية بالتعويض قائما على غير اساس سليم من الواقع او القانون مما يتعين معه الحكم برفض الدعوى .
وذكرت المحكمة انه لا يحاج فى هذا المقام ماذكره المدعى من ان قرار النيابة العامة بالحفظ فيه اجحاف بحقوقه , ذلك انه كان بامكانه التظلم منه لدى النائب العام وفقا للاجراءات المقررة قانونا ، فضلا عن ان المستقر عليه في قضاء المحكمة الإدارية العليا وقضاء محكمه النقض أنه لا يجوز التعويض عن أعمال السلطة القضائية سواء الأحكام الصادرة في الدعاوى الجنائية أو التأديبية وكذلك الإجراءات المتعلقة بعمل النيابة العامه بوصفها قرارات قضائية ينحسر عنها وصف القرارات الادارية فإجراءات التحقيق والمحاكمة وما تبعه يعتبر من قبيل الأعمال القضائية التي لا يجوز المطالبة بالتعويض عنها .
وأما عن دعوى الضمان الفرعية المقامة من وزير الداخلية بصفته ضد الضابط المذكور لتحميله فى ماله الخاص ما عساه ان تحكم به المحكمة فى الدعوى الاصلية فقالت المحكمة ان المستقر عليه فى قضاء الادارية العليا والنقض أن دعوى الضمان الفرعية هى دعوى مستقلة بكيانها عن الدعوى الأصلية ولا تعتبر دفاعاً ولا دفعاُ فيها وإن لكل منها ذاتيتها واستقلالها بما ينبنى عليه أنه يجوز للمضرور أو طالب الضمان أن يطعن فى الحكم الصادر فى الدعوى الأًصلية استقلالا دون انتظار الفصل فى طلب الضمان ، كما أن المادة (120) من قانون المرافعات لم تلزم المحاكم بالفصل فى الدعوى الأصلية بطلب التعويض وفى طلب الضمان فجاءت صياغته بأن يقضى فى طلب الضمان وفى الدعوى الأصلية بحكم واحد كلما أمكن ذلك وإلا فصلت المحكمة فى طلب الضمان بعد الحكم فى الدعوى الأصلية واذا كانت الجهة الإدارية المدعية فى هذه الدعوى تبتغى الحكم بإلزام المدعى عليه ( الضابط ) لتحميله فى ماله الخاص ما عساه ان تحكم به المحكمة فى الدعوى الاصلية ، ولما كان ما تقدم وكانت المحكمة قضت برفض الدعوى الاصلية فى هذه الدعوى ، ومن ثم فلا يوجد ثمة نزاع ثائر فى الدعوى الفرعية بينها وبين المدعى عليه فيها ومن ثم فقد انتفى النزاع بينهما ، الامر الذى تقضى معه المحكمة بعدم قبول هذه الدعوى الفرعية لانتفاء النزاع فيها
وذكرت المحكمة ان المشرع الدستورى كذلك ارتقى بالحماية الدستورية للحرية الشخصية او حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وجعل كل اعتداء على احداهما وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم , واجاز للمضرور اقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر والزم الدولة ان تكفل تعويضا عادلا لمن وقع عليه الاعتداء ومنح المشرع الدستورى للمجلس القومى لحقوق الانسان الحق فى ابلاغ النيابة العامة عن اى انتهاك لهذه الحقوق وله ان يتدخل فى الدعوى المدنية منضما الى المضرور بناء على طلبه .
واشارت المحكمة أن القاعدة التقليدية في مجال قيام مسئولية الإدارة على أساس ركن الخطأ قد حرصت على التمييز والتفرقة بين الخطأ المرفقي أو المصلحي la faute de la service الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى المرفق العام ذاته ، وبين الخطأ الشخصي faute personnelle la الذي ينسب فيه الإهمال أو التقصير إلى الموظف ذاته ، ففي الحالة الأولى تقع المسئولية على عاتق الإدارة وحدها و لا يسأل الموظف عن اخطائه المصلحية والإدارة هي التي تدفع التعويض ، وفي الحالة الثانية تقع المسئولية على عاتق الموظف شخصياً ، فيسأل الموظف عن خطئه الشخصي وينفذ الحكم قي أمواله الخاصة .
واختتمت المحكمة حكمها ان نظرية الخطأ الشخصى من ابتداع القضاء الإداري لضمان حسن سير المرفق العامة بانتظام وإطراد ، وحتى لا يحجم عمال تلك المرافق عن القيام بواجباتهم الوظيفية خشية المسئولية عن كل ما يقع منهم من أخطاء بمناسبة تسيير المرافق العامة ، فقامت هذه النظرية على أساس التفرقة بين الخطأ الشخصي بمعاييره وضوابطه المحددة ، وبين الخطأ المرفقي الذي يقع من عامل معرض للخطأ والصواب وبمناسبة تسيير المرافق العامة ، وقد كان القضاء الإداري المصري سباقاً عن المشرع في خلق وابتداع تلك النظرية ، و قد لحقه المشرع المصري إذ قنن هذه النظرية بالنص عليها بداءة في المادة (58) من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1964 ، ثم بالمادة (55/3) من القانون رقم 58 لسنة 1971 ، و بالمادة (78) من نظام العاملين المدنيين بالدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بأن نص على أن " لا يسأل العامل مدنياً إلا عن خطئه الشخصي " واخيرا بمقتضى المادة 55 من القانون رقم 18 لسنة 2015 باصدار قانون الخدمة المدنية والتى جرها نصها على انه : " ولا يسأل الموظف مدنيا الا عن خطئه الشخصى " .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.