ما إن كدنا نصل طهران حتى انطلقت بنا سيارة روسية الصنع في اتجاه الجنوب قاصدة، -حسبما أخبرنا به المرافق- مدينة قم المقدسة التي كان من المفترض أن نقضى فيها 10 أيام كاملة. وضعنا رحالنا في فندق صفا القريب من مقام السيدة المعصومة، الذي يقصده كثير من العراقيين الذين يسعون إلى إكمال حجيجهم إلى مرقد الإمام الرضا في مشهد «وسط خراسان» بزيارة مرقد أخته فاطمة المعصومة، التي وضعت على بابها مقولة ينسبها الشيعة إليه تقول «من زارنى ولم يزر قبر أختى فقد جافانى». كان اللقاء الأول في مطعم الفندق بشخص يتحدث اللغة العربية بصعوبة بالغة، عرفنا بعد ذلك بأنه مسئول الوفد المصرى، كان الرجل غامضًا ومريبًا إلا أن الشخص الذي بدا أن مسماه «حركى» كان مهتمًا للغاية بالحالة الصوفية في مصر وملمًا على ما يبدو بكافة تفاصيلها وطارحًا لأسئلة شائكة ومحورية.. ظلت الصوفية حاضرة معنا طيلة الرحلة، وسؤال واحد يتردد على ألسنتنا ولا مجيب: ماذا تعنى الصوفية لكم وماذا تريدون منها؟ في أحد لقاءاتنا بالسيد مرزائى، وهو عالم دين شيعى، قال إن مصر ليست عربية بل هي فرعونية، وإنها تشبه إيران فهى ليست عربية بدوية، لذا فإنها بعدت عن البداوة وكانت ذات حضارة عريقة أبعدتها عن التسلف فالشعب المصرى مدنى بطبعه.. كما أن المهدى أخبرنا بأنه سيكون له في مصر «منابر»، ما دعا علماء الشيعة إلى تفسير النبوءة بأن مبشرى المهدى وإعلامييه سيكونون في مصر وإنهم من سيتولون عملية التمهيد لظهوره. كان اندلاع ثورة 25 يناير بمثابة الغطاء الكاشف عما يدور داخل العمق السياسي والاجتماعى والدينى في مصر، فبعد إزاحة نظام الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، كشف العديد من أبناء الطرق الصوفية ميولهم الصريحة في التقارب المصرى الإيرانى، بل توافدوا في اتجاه الجمهورية الإسلامية وبصحبتهم عدد من رموز التيارات السياسية القومية التي رأت أنه آن الأوان لكسر حالة القطيعة التي شهدتها الدولتان بعد اندلاع الثورة الإسلامية أواخر سبعينيات القرن الفائت.