أظن أن أحدًا لا يعرف حقيقة القادم، وما تخبئه الأيام المقبلة حول مستقبل الصراع الدائر في سوريا، ومستقبل ومصير النظام السورى في ظل التداعيات والأحداث المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، سواء ما يجرى منها في العراق أو في سوريا أو ما تقوم به تركيا من أفعال وتحركات تستهدف تفكيك الدولة السورية.. وما هي مواقف كل فرقاء الأزمة من الدول الكبرى والتحالفات الدولية والإقليمية المتعددة من الصراع الدائر هناك تحت بند محاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيما جبهة النصرة وداعش، إذ علمنا أن خلافات بدأت تدق في تفكيك وحدة المعارضة السورية، وبصفة خاصة حول مشاركة المعارضة المسلحة بما تشكل عائقًا لدى الأممالمتحدة باتجاه تنفيذ وقف إطلاق النار وفقًا لما جاء بالقرار الأممى رقم 2254. فبرغم الحملات العسكرية الروسية التي انطلقت في 30 سبتمبر من العام الماضى والتي ساهمت بشكل كبير في إنقاذ النظام السورى، ودفعه لإعادة السيطرة على بعض المناطق التي استولى عليها تنظيما داعش وجبهة النصرة أو قوى المعارضة المسلحة من خلال تحقيق نجاحات محدودة، إلا أنها في حقيقة الأمر مؤثرة في الداخل السورى، بل حفزته على الاستمرار في استعادة العديد من المناطق. ويرى الكثير من المراقبين أنه رغم الحملات العسكرية إلا أنها حتى اليوم لم تحقق إنجازًا ضخمًا في إعادة المعادلة السورية الصعبة لصالح النظام، في الجمع ما بين المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة المعتدلة والنظام، وتأرجحها ما بين رفض النظام للمعارضة المسلحة، باعتبار كل من يرفع السلاح في وجه الدولة فهو حتمًا يصب في خانة الإرهاب، ليتقاطع الموقف السورى مع موقف موسكو وتشككها حول كيفية اعتماد المعارضة المسلحة واحتوائها، كجزء من العملية السياسية تحت بند إجراء مفاوضات مع «المعارضة المسلحة» بما يشكل وضعًا خطيرًا في السياسة الدولية، وترسيخًا لمفاهيم قد تقوض العديد من الأنظمة بدعوى تحصنها بغطاء من الشرعية الدولية. كما حقق النظام السورى نجاحات في استرداد أراضٍ سورية في معارك طاحنة تدور رحاها في مجمل أنحاء المحافظات السورية من درعا في الجنوب إلى اللاذقية في الشمال، وحمص بوسط سوريا، والقلمون، والزبدانى في الجنوب الشرقى مع يترافق معها من سقوط المئات من الضحايا إضافة إلى نجاح النظام في عقد العديد من الصفقات المنفردة مع المعارضة المسلحة سواء في «الزبدانى» و«كفريا وكفر الفوعة» في إدلب بالخروج من سوريا سواء عبر لبنان إلى تركيا أو بالسماح للدواعش بالخروج من قلب دمشق «منطقة الحجر الأسود والقدم ومخيم اللاجئين» إلى محافظة الرقة وفى رقة شديدة في صفقة لم يكتب لها النجاح، بسبب مقتل قائد جيش الإسلام «زهران علوش وبعض من رفاقة» في ضربة عسكرية سورية أطاحت بأحلام المعارضة المسلحة في ريفى دمشق الغربى والشرقى، في مسعى من قبل النظام لتوسيع منطقة الأمان حول العاصمة وإعطائة مساحة للتحرك العسكري بحرية في مناطق الغوطة الشرقية والغربية. مقتل علوش ورفاقة فيما اعتبر بعض المراقبين أن اغتيال زهران علوش يقع ضمن مشروع روسى سورى بامتياز ليس بهدف تقوية النظام فقط، بل كخطة في الاتجاه لنسف المفاوضات أو التهرب والمراوغة بالتملص والاعتراف بالمعارضة المسلحة، وتقويض لمؤتمر الرياض الذي جمع أطيافًا من المعارضة السياسية والمعارضة المسلحة، التي تضم كيانات إرهابية من المنظور السورى والروسى، وهو ما ظهر جليًا في تصريحات وزير الخارجية السورى وليد المعلم باستمرار النظام السورى في سياسة كسب الوقت عبر تعطيل أي عملية سياسية من خلال إغراقها بالتفاصيل، وأن النظام وحلفاءه قد وجدوا في قرار مجلس الأمن الدولى الأخير مخرجًا لكل ما يخططون له. كما أن إعلان وليد المعلم عن استعداد بلاده للانخراط في العملية التفاوضية، التي أعلن عنها القرار 2254، جاء للإيحاء للمجتمع الدولى بالمرونة الدبلوماسية بهدف إحراج المعارضة، واتهامها بأنها الطرف الأضعف والمعرقل للعملية السياسية. ويبدو أن وزير الخارجية السورى ارتكز على نقاط غامضة في قرار مجلس الأمن والمتعلقة بمصير الرئيس بشار الأسد، وإجراءات بناء الثقة تمثل ثغرات تساعد النظام كثيرًا في كسب الوقت من خلال إدخال المفاوضات في الكثير من التفاصيل، أو كما قال المعلم «سنغرقهم في التفاصيل» والتي تحدث عنها المعلم منذ عام 2012 بإغراق الوفد المعارض في التفاصيل، بهدف تحسين شروط التفاوض في ظل قيام النظام باسترداد أراضٍ كانت تحت سيطرة المعارضة المسلحة. فيما رأت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية أن اغتيال زهران علوش يشكل ضربة موجعة بالنسبة للمعارضة السورية قد تقوض المساعى السياسية والدبلوماسية التي بدأت في فيينا وجنيف، علمًا بأن «جيش الإسلام» التابع لزهران علوش كان على استعداد للمشاركة في اجتماع المعارضة السورية الموسع الذي عقد في مدينة الرياض في شهر ديسمبر من العام الماضى. فالأزمة السورية على مدى السنوات الخمس المنصرمة، لم تكن يومًا ضمن اهتمامات إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، رغم خطورتها على أمن واستقرار ليس منطقة الشرق الأوسط فقط، بل على الأمن والسلم الدوليين، في ظل ارتباك أوباما الدائم واتسمت سياسته الخارجية بالتخبط وعدم الوضوح، بل وغياب إستراتيجية أمريكية واضحة المعالم، تعالج من خلالها أزمات المنطقة، حيث يتوقع العديد من المراقبين أن يستمر بشار الأسد في إدارة الأزمة السورية ربما على مدى العام الجارى، بما يؤشر إلى بقائة في الوقت، الذي يستعد فيه أوباما إلى الرحيل من البيت الأبيض.. فقبل عام من رحيل أوباما من البيت الأبيض في عام 2017 فإن لديه سبعة ملفات «يأمل في تحريكها» قبيل مغادرته البيت الأبيض في يناير من العام المقبل من بينها أهمية تسجيل نقاطًا في الملف السورى بإحرازه تقدمًا عسكريًا ودبلوماسيًا، حرصًا منه على التصدى للانطباع السائد في الولاياتالمتحدة والخارج بأنه لم يتخذ خطوات كافية في هذا الملف. التصويت بالإجماع على إيجاد حل وفى سابقة هي الأولى في تبنى أعضاء مجلس الأمن ال15 وبينهم روسيا «خارطة طريق» للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.. إلا أنه يبدو بأن هناك جهودًا كثيرة وكبيرة يجب أن تبذل، ولا يزال هناك ما ينبغى القيام بما هو أصعب.. ويرى «فريدريك هوف» في مقال بعنوان «أمنيات أوباما وكيرى حول سوريا» أن المقاربة الأمريكية إذا لم تتطور فمصيرها الفشل، منتقدًا حدود إستراتيجية تقتصر على «الأمل» بأن يرى نظام الأسد وروسيا وإيران أخيرا الحقيقة، و«يعترفوا بأخطائهم كما يتعهدون بعدم ارتكاب أخطاء جديدة».. ورغم التوقعات بأن خارطة الطريق ما لم تتطور فإن مصيرها الفشل كما توقعت «مجلة البوابة» في سلسلة تقارير نشرتها في أعداد سابقة حول الصراع على سوريا، بأن الأزمة السورية ما زالت ترواح مكانها دون تقدم ملموس، وما زالت في النفق المظلم دون إشارات على قرب انفراجها، إلا أنها باتت اليوم ربما بعيدة المنال وتحتاج إلى مزيد من الوقت ومزيد من الدمار والدماء. غير أن كل الجهود التي بذلت على خلفية مؤتمر نيويورك واجتماعات الأممالمتحدة، على ضوء ما توصلت إليه اجتماعات المعارضة السورية في الرياض أصبح صعب المنال في تحقيق حل سياسي لاصطدامة بحائط الأسد «الفولازى»، الذي بدأ يستعيد قواه وتوازنه في الاستمرار في المعادلة الدولية المعقدة، بل وما زال يراهن على بقائه في حرب أهلية مجنونة، أكلت الأخضر واليابس، ليصبح ليس هو العقبة الأولى والمعضلة الأهم في المشهد السياسي الدولى، بل لدخول متغيرات جديدة على اللعبة السياسية أبرزها الخلافات حول ماهية المعارضة المسلحة التي يرفضها النظام السورى وموسكو الضامن الرئيسى لبقاء الأسد، والعمل على استكمال صيغة «فيينا» معا، وما اغتيال قائد تنظيم «جيش الإسلام» زهران علوش العام الماضى إلا حلقة من حلقات الصراع الدائر في سوريا. كما تشهد الفترة المقبلة مزيدًا من الأعمال العسكرية، ومزيدًا من عمليات استهداف المعارضة المسلحة بكل مسمياتها دون استثناء، بما فيها تنظيم داعش وجبهة النصرة خاصة في أعقاب صدور القرار 2254.. إضافة إلى العديد من العقبات أبرزها ما يتعلق بالمهلة الزمنية لتشكيل الحكومة وتباين الموقف الأمريكى الذي يرى أن المدة تتراوح ما بين «شهر وشهرين» فيما يرى الموقف الروسى «ستة أشهر»، والذي انتهى إلى رفض إدراج تلك المهلة في قرار الأممالمتحدة، بما يؤكد أن الأزمة السورية والصراع المسلح الدائر من قبل كل الأطراف والفرقاء مستمرة، إلى حين انتهاء الحرب على تنظيم داعش، وتمكن النظام السورى من استعادة الأراضى التي خرجت عن سيطرته وهو أمر قد يستغرق ربما أعوام، خاصة مع إعلان روسيا بأن الحرب على داعش والإرهاب في سوريا مستمرة، حتى لو صدر قرار أممي بوقف إطلاق النار. وهو ما أكده الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» عشية إنطلاق مشاورات نيويورك حول سوريا، أن بلاده لن تسمح لأى قوة خارجية أن تقرر من سيحكم سوريا، مؤكدًا مساندته بشكل عام المبادرة الأمريكية لإعداد قرار في مجلس الأمن حول سوريا، داعيًا في الوقت ذاتة كل أطراف الأزمة السورية، إلى تقديم تنازلات للتوصل إلى اتفاق مع مواصلة العمليات العسكرية إلى حين إطلاق العملية السياسية، وأن موقف موسكو من مساعدة النظام السورى لم يتغير من «الأسد». ويبقى السؤال ماذا عن عدم التزام تنظيم داعش وجبهة النصرة في مسألة وقف إطلاق النار وكذا ميليشيا الحرس الثورى الإيرانى وميليشيا حزب الله في ظل المطالبات بانسحاب جميع المقاتلين الأجانب من الأراضى السورية؟.. ويبقى الشعب السورى هو الوحيد الخاسر الأكبر في ذلك الصراع الدولى على الأراضى السورية التي تتعارض فيها مصالح الكبار من أجل السيطرة على الوضع السورى، واللافت مع سلسلة المباحثات الروسية الأمريكية، ولقاءات كثيرة جرت ما بين جون كيرى والرئيس بوتين في موسكو ساد اعتقاد لدى الروس، بأن واشنطن تخلت عن مطلبها بتنحى الأسد عن السلطة مع تشكيل الهيئة الانتقالية، بعد انتهاء مرحلة التفاوض التي تستمر من أربعة إلى ستة أشهر مقابل موافقة موسكو على إصدار البرنامج الزمنى للمرحلة الانتقالية في قرار دولى، وترك «عقدة» الأسد معلقة حتى إرجاء الانتخابات الرئاسية في نهايتها. موقف دولى من مصير الأسد ولتبدأ الأزمة السورية سيرتها الأولى، ليصبح مصير بشار الأسد العنوان الرئيسى والعريض للخلاف الروسى الأمريكى.. وليؤكد من جانبه «بان كى مون» الأمين العام للأمم المتحدة أنه من غير المقبول رهن التقدم باتجاه تسوية سياسية في سوريا بمصير الأسد، داعيًا إلى وقف إطلاق النار بأسرع وقت ممكن، وأن للشعب السورى الحق من حيث المبدأ في اتخاذ القرار بشأن مستقبل رئيس النظام.. ولكن من غير المقبول على حد تعبيره «أن يرتهن حل هذه الأزمة بمصير رجل واحد». أيضًا رأت المستشارة الألمانية «أنجيلا ميركل» أن تسوية الصراع في سوريا لا يمكن أن تتمَ بوجود الأسد على المدى البعيد، مشيرة إلى أن الحرب المستمرّة في سوريا منذ نحو خمس سنوات، تحتاج لحلٍ طويل الأمد، لا يمكن للأسد أن يكون جزءا منه.. فيما أكدت الخارجية الأمريكية مجددًا على لسان متحدثها جون كيربى أن واشنطن لا تعول على الاجتماع الأممى، الذي عقد بنهاية العام الماضى في حل كل النقاط المتعلقة بمصير الأسد، مشيرًا إلى عدم تغيير موقف الولاياتالمتحدة في أن الأسد لا يمكن أن يكون جزءًا من المستقبل السياسي لسوريا. يُشار إلى أن مفاوضات نيويورك بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ووزراء «المجموعة الدولية لدعم سوريا»، اعتمدت سياسة التنازلات المتبادلة للوصول إلى الإجماع الدولى، وترحيل نقاط الخلاف الأمريكى الروسى بشأن مصير الأسد إلى بعد ذلك، على أن يكون ذلك متضمنًا في القرار الدولى.. فكانت الصيغة النهائية تمثل الحد الأقصى للطرفين الروسى والأمريكى... كما أن خارطة الطريق هي الأخرى مليئة بالعقبات والأزمات، التي يبدو أنها ستطيل من عمر الأزمة، وتمثل المهلة الزمنية لتشكيل الحكومة عقبة جديدة ومحل خلاف أيضًا بين الجانبين الأمريكى والروسى.