«جلطة المخ» ربما تكون أقوى أزمة صحية تهدد حياة أى إنسان، فأى تباطؤ فى اكتشافها والتعامل معها تكون نتائجه فى العادة «كارثية»، من التأثير على أحد المراكز العصبية، ليفقد وظيفته، إلى الموت، ما جعل الأطباء يتعاملون مع تلك الجلطات باعتبارها الخطر الأكبر على مخ الإنسان، لأن النجاة منها تكون مستحيلة، إذا جاء اكتشاف الحالة متأخرًا، وفى حوار مع «البوابة»، شرح أستاذ جراحة المخ فى كلية طب سوهاج، الدكتور أحمد صارو، أسباب حدوث تلك الجلطات، وأنواعها، وأعراضها. ■ كيف تحدث الجلطات؟ - يحتاج المخ كمية كبيرة من الدم الذى يضخه القلب، محملًا بالأكسجين والجلوكوز، لكن فى بعض الأحيان يحدث انسداد فى أحد الشرايين المغذية للمخ، وعندها يتوقف وصول الدم إلى إحدى مناطق الدماغ، فتموت الخلايا فيها خلال دقائق قليلة، إذا لم يتم فتح هذا الانسداد، وعندها يفقد المخ الوظيفة التى يؤديها هذا المكان منه. وتحدث أحيانًا جلطات مؤقتة، وهى جلطات صغيرة تنتج عن انقطاع مؤقت لوصول الدم إلى جزء من الدماغ، لكن لا تموت خلايا تلك المنطقة، بسبب عودة خلايا الدم إليها، فى هذه الحالة يشعر المريض بنقص فى وظيفة معينة، لكن هذا النقص لا يستمر أكثر من 24 ساعة، حسب الأعراف الطبية، ما يجعلنا نصف تلك الجلطات بأنها «مؤقتة»، وهى مهمة لكونها رسولا يحذر المريض من احتمالية حدوث جلطة كاملة، إذا لم يبادر إلى علاج أسبابها. ■ ما الأعراض الشائعة للإصابة بها؟ - تختلف الأعراض بحسب المنطقة المصابة فى المخ، التى تعرضت لنقص فى الدم، فكل منطقة فى الدماغ مهيأة لوظيفة معينة، ومن المهم أن يعرف المريض وأقاربه أن الفص الأيمن من الدماغ يتحكم فى حركة الجزء الأيسر من الجسم، كما أن الفص الأيسر من الدماغ يتحكم فى حركة الجزء الأيمن، وأن الفص الأيسر هو المسئول عن منطقة الكلام، فهمًا ونطقًا. أما الأعراض الشائعة لجلطة الدماغ، فهى الفقدان المفاجئ للقوة فى الجزء الأيمن أو الأيسر من الجسم، بالإضافة إلى ضعف فى حركة عضلات أحد جانبى الوجه، وصعوبة الكلام، مثل ثقل اللسان، وعدم وضوح مخارج الحروف، وعدم استجابة المريض للكلام الموجه إليه، وعدم قدرته على التعبير عن مشاعره، وصعوبة القراءة والكتابة، كما توجد أعراض بصرية، مثلًا فقدان الرؤية فى إحدى العينين مؤقتًا، أو ضعف النطاق البصرى فى الجزء الأيمن أو الأيسر من مجال الرؤية، وعندما تحدث الجلطة فى جذع الدماغ، قد يصاحبها شعور لدى المريض بغثيان مفاجئ وصداع ونقص فى الوعى، بالإضافة إلى الإحساس بالدوار وحول النظر المفاجئ. ■ لماذا يحدث انسداد الشرايين؟ - السبب الرئيسى هو تصلب الشرايين، ويشير هذا الوصف إلى ما يشبه انسداد أنابيب المياه فى منازلنا، نتيجة الاستخدام لسنوات طويلة، فهذا الانسداد يحدث نتيجة تراكم بعض المواد والصدأ، وكذلك الأمر فى الجسم، فمع كبر السن، وعوامل أخرى، منها التدخين والسكر والضغط وارتفاع مستويات الكولسترول، والكسل فى ممارسة الرياضة، والسمنة، يحدث تصلب الشرايين. أما السبب الثانى لانسداد الشرايين، وبالتالى حدوث الجلطة، فهو انسدادها فجأة نتيجة أمراض القلب، حيث تتكون فى قلب المريض تخثرات صغيرة أو كبيرة، تنطلق مع تيار الدم، لتسد أحد شرايين الدماغ فجأة، وفى حالات أخرى يكون السبب هو النزيف وليس انسداد الشريان، ما يرجع إلى ارتفاع ضغط الدم، بالإضافة إلى أسباب أخرى، مثل تشوه الشرايين، أو الحوادث، وهناك سبب آخر أقل حدوثًا، يتمثل فى انفجار أحد الأطراف الشريانية الصغيرة، مسببا النزيف. ■ ما احتمالات الوفاة وفرص الشفاء من تلك الجلطات؟ - من الصعب إعطاء إجابة دقيقة، لكن الإحصاءات العالمية تشير إلى وفاة نسبة 15٪ من المصابين بجلطة الدماغ الناتجة عن انسداد الشرايين، خلال الأيام الأولى، وإذا نظرنا إلى كل الذين عاشوا بعد الجلطة، لوجدنا أن نصفهم تقريبًا يشفون تمامًا، بينما النصف الآخر يعيش بإعاقات تتراوح بين متوسطة وشديدة. ويجب علينا إدراك أن الشفاء بعد الجلطة يأخذ وقتًا طويلًا، فهو يبدأ فى الأسابيع الأولى، ويزيد خلال الأشهر الأولى، لكنه قد يستغرق 6 أشهر، ويصل إلى سنة فى أحيان كثيرة، وبالطبع هناك بعض المرضى الذين يسترجعون جميع وظائفهم خلال ساعات أو أيام، إذ كانت الجلطة بسيطة، ويعتمد الشفاء من الجلطة على حجم المنطقة المتأثرة بها، وموقعها، وعمر المريض وصحته. ■ هل هناك فرصة لعودة الجلطة مرة أخرى؟ - وجدت بعض الإحصاءات أن احتمالات حدوث جلطة مؤقتة أو جلطة كاملة بعد الجلطة الأولى تتراوح بين 10٪ خلال السنة الأولى، و5٪ إذا لم يحدث شىء خلال السنة الأولى، ويمكن تقليل فرص تكرار حدوثها بالاعتدال فى الطعام، وتقليل الدهون المشبعة والأملاح، مع التركيز على الفواكه والخضار، واستخدام زيت الزيتون، والامتناع عن التدخين تمامًا، واستخدام الأدوية الخاصة بضغط الدم، وفى الغالب يحتاج المريض إلى نوعين من الدواء لإنجاز هذا الهدف، وهو الحفاظ على الضغط أقل من 130/80. ويجب أن يستمر المريض فى تناول العلاج الموصوف له، وأن يشمل نوعا من مسيلات الدم الخفيفة، مثل الأسبرين، أو المسيلات القوية، مثل الكومادين «الورفارين»، حسبما يرى الطبيب، بالإضافة إلى ضرورة السيطرة بحزم على نسبة السكر فى الدم، وللأسف كثير من المرضى يستهترون بهذا الأمر، ولا يتنبهون للخطر إلا بعد فوات الأوان، وننصح المرضى أيضًا بضرورة التحرك كثيرًا، وممارسة الرياضة، فعلى الأقل تجب عليهم ممارسة رياضة المشى السريع لمدة 45 دقيقة، 3 مرات أسبوعيًا.