في اجتماع طارئ، تايلاند وكمبوديا تبدآن اليوم محادثات وقف إطلاق النار على الحدود    «الأرصاد» تحذر من طقس الأربعاء.. أجواء شديدة البرودة وشبورة كثيفة    قناة ON تستعد لعرض مسلسل «قسمة العدل»    كنت شاهدا، سام مرسي يرد على تقرير مثير ل "ذا أتليتيك" حول تحكم صلاح في منتخب مصر    من داخل وكره المشبوه، صور جديدة مرعبة للمجرم الجنسي جيفري إبستين تظهر للعلن    اليوم، استكمال محاكمة سارة خليفة و27 آخرين بقضية "المخدرات الكبرى"    أحمد هاشم يكتب: مصر والسودان.. مصير مشترك    بعد أزمة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تلاحق الصفحات المسيئة للفنانين قانونيًا    كفتة العدس بالشوفان في الفرن، بروتين نباتي صحي بدون دهون    وزير التعليم: 778 ألف طالب شاركوا على المنصة اليابانية لتعلم البرمجة.. وفوجئنا بالوعي الكبير    الرئاسة اللبنانية: عون يتلقى اتصالين هاتفيين من الرئيس التركي والعاهل الأردني    يعرض 7 يناير.. نيللى كريم وشريف سلامة يتصدران بوستر «جوازة ولا جنازة»    عودة مسرحية "نور فى عالم البحور" إلى خشبة المسرح القومي للأطفال    بطولة ياسمين رئيس وأحمد فهمي.. نهى صالح تنضم لمسلسل «اسأل روحك»    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    فيديو | «ربنا كتبلي عمر جديد».. ناجية من عقار إمبابة المنهار تروي لحظات الرعب    المرتبات في الفيزا، وزارة المالية تعلن بدء صرف مرتبات شهر ديسمبر 2025 اليوم    الصحة: نجاح عملية استبدال صمام قلب لمسن فوق 90 عاما بمبرة مصر القديمة    لماذا يُواصل صندوق النقد الدولي إقراض نظام السيسي رغم الخراب الاقتصادي في مصر؟    حسين الشحات يتحدث بعد ارتداء شارة قيادة الأهلي لأول مرة    أمم إفريقيا - بونجاح: درسنا السودان جيدا.. وعلينا المبادرة بالهجوم    لاعب زيمبابوي السابق: أحرجنا منتخب مصر ومرموش كان كابوسًا    مفاجأة في مفاوضات تجديد عقد حسين الشحات مع الأهلي    بمساحة 177 فدانًا.. الزمالك يحصل على أرض بديلة قرب القرية الذكية    د. القس رفعت فتحي يكتب: المسيحية الصهيونية.. موقف الكنيسة المشيخية    ب"احتفالية ومعرض".. تعليم الأقصر تحيي فعاليات اليوم العالمي لذوي الهمم| صور    وزير التعليم: البكالوريا شبيهة بالنظم العالمية.. وستقلل من الدروس الخصوصية    أخبار × 24 ساعة.. بعثة صندوق النقد: الاقتصاد المصرى حقق مؤشرات نمو قوية    إغلاق الأسهم الأمريكية عند مستوى قياسي جديد    محافظ الغربية يستجيب لشكوى سيدة مسنة ويوفر لها كرسى متحرك ومساعدات إنسانية    الجيش الأردني يخوض اشتباكات مع عصابات تهريب على الحدود السورية    ابتزاز داخل مجلس الأمن، واشنطن تتوعد مادورو بعقوبات قصوى لحرمانه من النفط الفنزويلي    رئيس شعبة المصورين: ما حدث في جنازة سمية الألفي إساءة إنسانية    البياضية والزينية تتألقان باحتفالين جماهيريين في عيد الأقصر القومي (صور)    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    ارتفاع حصيلة ضحايا عدوان الاحتلال على غزة إلى 70،942 شهيدًا و171،195 مصابًا    فايزر تحقق في حادث خلال تجربة علاج جديد لمرضى سيولة الدم    بشرى ل 7 محافظات، الصحة تحدد موعد التشغيل التجريبي للمرحلة الثانية من التأمين الصحي الشامل    تفاصيل فوز مصر بمعقد في الجمعية العامة للمنظمة البحرية الدولية.. فيديو    خالد مرتجي: نبحث تطوير كرة القدم داخل الملعب وخارجه    دفنوه في أحضان أمه، أهالي معصرة صاوي بالفيوم يشيعون جثمان الضحية الثامنة لحادث الطريق الإقليمي    كورال "شباب مصري" يحيي حفل غنائي بقصر الأمير بشتاك، الجمعة    انهيار سقف مطبخ وحمام على طابقين بالزاوية الحمراء وإخلاء العقار من السكان (صور)    أمم أفريقيا 2025| تونس تبدأ مشوارها بالفوز على أوغندا بثلاثية مثيرة    وزارة العمل: قانون العمل الجديد يضمن حقوق العمال حتى بعد الإغلاق أو التصفية    أبرز تصريحات وزير التعليم عن اهتمام القيادة السياسية بالملف التعليمي    "الوطنية للانتخابات": بدء تصويت المصريين بالخارج بجولة الإعادة في 19 دائرة انتخابية    بفستان أحمر قصير.. إيمان العاصي تثير الجدل في أحدث ظهور    وزير التعليم: 750 ألف طالب يمثلون نحو 92% من الثانوية اختاروا نظام البكالوريا بكامل إرادتهم    الأرصاد الجوية ترصد تفاصيل الظواهر الجوية المتوقعة غدا الأربعاء .. اعرف التفاصيل    هل يجوز قضاء الصلوات الفائتة بأكثر من يوم باليوم الواحد؟.. أمين الفتوى يجيب    هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    "القومي للبحوث" يحصد المركز الأول فى مؤشر سيماجو للمراكز والمعاهد البحثية 2025    نحو منظومة صحية آمنة.. "اعتماد الرقابة الصحية" تُقر معايير وطنية لبنوك الدم    ما هو مقام المراقبة؟.. خالد الجندي يشرح طريق السالكين إلى الله    البحوث الفلكية تكشف موعد ميلاد شهر شعبان وأول أيامه فلكيا    الدقهلية تحتفل بانضمام المنصورة لعضوية شبكة اليونسكو لمدن التعلم (صور)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الرحيم علي يكتب: الطريق إلى 25 يناير (1).. الوثيقة الملعونة
نشر في البوابة يوم 24 - 12 - 2015

وثائق «كيفونيم» التي نشرت في فبراير 1982م في الدورية التي تصدر باللغة العبرية في القدس، تحت عنوان «إستراتيجية إسرائيل خلال الثمانينيات».. كتبها «يورام بيك»، احتوت هذه الوثائق على الخطة الكاملة لتفكيك وتقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة وتحمل تفاصيل المشروع الصهيو-أمريكى لتفتيت العالم الإسلامي.
لا يمكن أن نبدأ حديثا عن 25 يناير وما حدث في مصر- وعدد من الدول العربية بعد ذلك- دون أن نتطرق إلى الحديث عن الأجندة الغربية تجاه الشرق الأوسط، والحديث هنا ليس حديثًا ثانويًا يمكن تجاهله أو تناوله بمعزل عما حدث ويحدث في المنطقة منذ سنوات، خاصة تلك التحولات والأحداث التي رسمت خرائط ما عرف ب«الربيع العربى»، فأمريكا ودول الغرب يعلنون صراحة عن رغبتها في مزيد من التفتيت للأمة العربية في ضوء اعتبارين، الأول: يتعلق بإدراكها لقدرات الجيوش العربية وقوتها، ومدى الخطر الذي يحيط بإسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973 والموقف العربى الموحد إبانها.. خاصة قوة الجيش المصرى التي ظهرت بوضوح أثناء الحرب، والثانى: هو قيام الدول العربية بتوظيف سلاح النفط للضغط على أمريكا في موقفها تجاه إسرائيل، الأمر الذي مثل دافعًا مهمًا للسيطرة على تلك الثروات.
منذ تلك اللحظة عملت أمريكا على هاتين الإشكاليتين من خلال التعاطى مع الجيوش العربية، سواء بمنطق التدخل المباشر والزج بها في معارك داخلية، مثلما حدث في العراق وسوريا، أو بشكل غير مباشر مثلما حدث في مصر وتونس وليبيا، وسواء أكان ذلك للقضاء على الجيوش أو للسيطرة على النفط، خاصة مع اصطحاب الغزو الأمريكى والغربى لشركات النفط والطاقة أينما حلّ، فتاريخنا الحديث هو نتاج لمشروعات استعمارية عديدة بدأت أفكارًا، وتحولت إلى اتفاقات ووثائق، تلزمنا وتحكمنا حتى الآن.
والدليل على ذلك ما حدث في 29 يناير 2003، وتحديدا قبيل أقل من شهرين من الغزو الأمريكى للعراق، حين أكد وزير الدفاع الأمريكى، مهندس الحرب على الإرهاب، دونالد رامسفيلد، أمام مكتب الميزانية في البيت الأبيض أن تكلفة الحرب في العراق تبلغ نحو 50 مليار دولار، وستتحمل دول أخرى جزءًا من نفقات هذه الحرب مرسومة الخطوات، بعد تخليص العراق من قبضة نظام صدام حسين، وامتلاك كل مفاتيح الثروات النفطية التي تقف فوقها بغداد.
فلدى العراق احتياطات مؤكدة تبلغ 115 بليون برميل بترول، وهو ما يبلغ خمسة أمثال الاحتياطي الموجود في الولايات المتحدة، وتبلغ قيمة النفط العراقى وفقًا لأسعار السوق 30 تريليون دولار، وللمقارنة فإن التكلفة المفترضة لغزو العراق نحو تريليون دولار، أما إطلاق مشروع إعادة إعمار العراق ضمن أكبر مشروع خصخصة تشهده البشرية وذهاب معظم الصفقات والعقود للشركات الأمريكية، فقد دفع بمنظمة الشفافية الدولية، منظمة غير حكومية ترصد الفساد في العالم، إلى إصدار تقرير جاء فيه: إن العراق مرشح لأن يصبح فضيحة الفساد الكبرى في التاريخ بفضل المشروع الذي ترأسه (وولفويتز)، وبالتالى ليس من المستبعد أبدًا أن تتحول الأفكار التي وردت في الوثائق الغربية إلى أمر واقع، ولو بعد حين مع إصرار العدوان الأمريكى على تفتيت الوطن العربى ومخاطر التقسيم التي تخدم ذات التصور الصهيونى عن المنطقة.
وعلاقة أمريكا بالشرق الأوسط، يطلق عليها البعض نظرية «عنق اليابسة»، حيث ظهر هذا المفهوم في الاهتمامات الغربية لأول مرة في عدد سبتمبر عام 1902 من مجلة «ناشيونال ريفيو» البريطانية للضابط البحرى الأمريكى «ميهن»، وكان المقال تلخيصًا لكتابه الصادر منذ عدة سنوات بعنوان «القوة البحرية والولايات المتحدة»، الذي ركز فيه على الصلة بين وضع الدول العظمى وبين السيطرة على طرق التجارة الدولية، عن طريق الأساطيل الضخمة، ويرى الضابط الأمريكى أنه للحفاظ على طرق الاتصال بين الشرق والغرب يجب على «القوة العظمى» السيطرة على عنق الأراضى التي تربط آسيا، وأفريقيا، وهى تركيا وفارس ومصر والحوض الشرقى للبحر المتوسط، وفى رأيه أن الدولة التي ستنجح في السيطرة على الشرق الأوسط: بقناته وسواحله، ومحطات الفحم (البترول فيما بعد) ستفوز بالسباق من أجل الشرق الأقصى الأبعد والأكثر ربحًا، ومن ثم فسوف تسيطر على العالم أجمع.
وبالنظر إلى ما حدث فعلًا في العقود التالية، فإن الولايات المتحدة هي التي ورثت بريطانيا في السيطرة على عنق اليابسة بسواحله، ومحطاته البترولية، وهكذا جاءت الجغرافيا لتدفع بأمريكا نحو أرض الإسلام والمسلمين، في حين كان التاريخ يبعدها عنهم نفسيًا وثقافيًا، وكان المشروع الصهيونى هو المرشح لمشروع الدمج التاريخى والجغرافى ضمن مفهوم إستراتيجي جديد للشرق الأوسط في السياسة الأمريكية.
كانت الحرب العالمية الأولى هي أول حدث كبير يجذب السياسة الأمريكية إلى الشرق الأوسط من الباب الواسع، فقد تدخلت الولايات المتحدة في هذه الحرب في أطوارها الأخيرة بالسلاح والرجال، ومن ثم كان لابد أن تشارك في ترتيب أوضاع عالم ما بعد الحرب في مؤتمر فرساى، ومن خلال عصبة الأمم رغم عدم تصديق الكونجرس على الانضمام إلى عضويتها.
وعد بلفور كان نصيب الدول العربية في ترتيبات ما بعد الحرب، حيث شاركت واشنطن في تأييد إقراره في فرساى عام 1914، ووافقت على تضمينه صكا ينص على انتداب بريطانيا على فلسطين، وكان الرئيس الأمريكى، وودرو ويلسون، قد وافق سرًا ليس فقط على وعد بلفور، ولكن انتداب بريطانيا على كل من العراق وشرق الأردن، وسوريا ولبنان.
أما مصر فقد تلقت صدمتها الخاصة عندما أعلن ويلسون أن مبدأ حق تقرير المصير، الذي كان أيقونة مبادئه الأربعة عشر لترتيب أوضاع عالم ما بعد الحرب، لا ينطبق عليها، ولم يكن ذلك إرضاءً للحليف البريطانى فحسب، ولكنه كان أيضًا قلة اكتراث منه بالعرب، وإدراكًا منه لحاجة بريطانيا العظمى، ومن ورائها القوى الغربية، للسيطرة على عنق اليابسة، والأهم من ذلك كله في الحقيقة، كان وفاء بنذر قطعه ويلسون على نفسه بإعادة الأرض المقدسة، كما كان يصفها، في إشارة إلى فلسطين، إلى شعبها المختار من الله، ولم يكن ذلك التزاما شخصيا وفقط، ولكن أيضًا تعبيرًا عن «توق» النخبة السياسية، والثقافية، والدينية الأمريكية، وكذلك الرأى العام لإزالة «وصمة» امتلاك العرب وحكمهم لفلسطين والقدس.
إلى جانب هذين المسارين للوجود الأمريكى الوافد إلى الشرق الأوسط، شق مساران آخران مجريهما، الأول هو تصفية الاستعمار التقليدى ووراثة نفوذه، والثانى هو السيطرة التدريجية على منابع النفط المكتشف حديثًا أيضًا، لتصب جميع هذه المسارات فيما بعد في مسار أضخم وأكثر صخبًا، وهو مقاومة الانتشار الشيوعى، وهذه هي المحطة التي استضافت أول وأطول لقاء بين الإسلام السياسي والولايات المتحدة الأمريكية.
لكن مع بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين، نشأ النظام العالمى الجديد- أحادى القطبية- بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية استنادًا لما تحقق لها من قدرات متفردة في جميع المجالات، خاصة القدرة العسكرية، واستنادًا أيضًا إلى تفكك المعسكر الآخر ممثلا في الاتحاد السوفيتى، وقد كانت حرب الخليج الثانية هي الإعلان الأول لإستراتيجية هذا النظام في التعامل مع الأزمات الدولية من خلال تحالف دولى تقوده الولايات المتحدة في مواجهة دولة «مارقة» من أجل إجبارها على مسايرة هذا النظام، ثم تطور لكى تتولى هي بقدراتها الذاتية وبمشاركة محدودة من حلفائها تنفيذ أهدافها الإستراتيجية، خاصة في مجال الحرب ضد الإرهاب التي اشتعلت مع بداية الألفية الثالثة، واستهدفت مناطق عديدة من الشرق الأوسط كأهداف مباشرة طبَّقت عليها أمريكا استراتيجيتها الجديدة في الضربات الاستباقية وباستخدام نظم تسليح وقيادة وسيطرة غير مسبوقة على مستوى العالم.
استهدف النظام العالمى الجديد منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة ودارت على أرضه وحوله العديد من الحروب والأزمات ومحاولات الاستقطاب، والتي لم تدرها أمريكا بمفردها ولكن بمشاركة كاملة، أو محدودة، من حلف شمال الأطلنطى، الذي يعد الذراع الطولى للنظام العالمى الجديد، والذي حرصت الولايات المتحدة على بقائه برغم ما حدث لحلف وارسو من تفكيك بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، بل إن هذا الحلف تطور من مجرد آلية عسكرية للدفاع عن أوروبا في مواجهة الاتحاد السوفيتى القديم لأن يصبح إدارة سياسية عسكرية لمواجهة الأزمات في العالم لصالح الغرب، وحرصت الولايات المتحدة على بقائه حتى تحبط النوايا الأوروبية الهادفة إلى تشكيل قوة عسكرية أوروبية مستقلة قد تصبح مناوئة وفى وقت ما للولايات المتحدة نفسها، وأجبرت الدول الأوروبية على استمرار ودعم الحلف باعتباره الخيار الوحيد، ومن خلال هذا الدعم حققت الولايات المتحدة أهدافها، بل واستفادت من قدرات الدول الأوروبية في تحقيق تلك الأهداف وتحمل التكاليف نيابة عنها.
مشروع برنارد لويس
خلال عام 1980 والحرب العراقية الإيرانية مستعرة صدرت تصريحات من مستشار الأمن القومى الأمريكى «بريجنسكى» أكد فيها أن المعضلة التي ستعانى منها الولايات المتحدة الأمريكية منذ الآن هي كيفية تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو، وعقب إطلاق هذا التصريح- وبتكليف من البنتاجون- بدأ المستشرق البريطانى اليهودى «برنارد لويس» عام 1981 بوضع مشروعه الشهير الخاص بتفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كل على حدة، ومنها العراق وسوريا ولبنان ومصر والسودان وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والسعودية ودول الخليج ودول الشمال الإفريقى.. وغيرها، وتفتيت كل منها إلى مجموعة من الكانتونات والدويلات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية، وقد أرفق بمشروعه المفصل مجموعة من الخرائط المرسومة تحت إشرافه تشمل جميع الدول العربية والإسلامية المرشحة للتفتيت بوحى من مضمون تصريح «بريجنسكى» مستشار الأمن القومى.
انطلق برنارد لويس في مشروعه من أن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم، وإذا تُركوا سوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقود المجتمعات، لذا، فإن الحل المناسب والمتاح هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم وتطبيقاتها الاجتماعية، مستفيدين في ذلك من التجربتين البريطانية والفرنسية في استعمار المنطقة، وذلك لتجنب الأخطاء، وشدد برنارد لويس على ضرورة إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية على أن تكون المهمة المعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، ولذلك يجب تضييق الخناق على تلك الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل أن يتم غزوها بواسطة كل من أمريكا وأوروبا وتدمير حضارتها، وأشار أيضا إلى أن الكيان الصهيونى يمثل الخطوط الأمامية الدفاعية للحضارة الغربية، وهو يقف بالمرصاد أمام الحقد الإسلامى نحو الغرب الأوروبي والأمريكى.
ولقد كانت الدولة الإيرانية بصورتها الحالية هي محور المشروع الغربى لتأصيل الطائفية، فضلًا عن الأحلام التوسعية القديمة، والتي وجهت سياسات الدولة الفارسية منذ نشأتها وحتى الآن، وأحقادها المتوارثة تجاه كل ما هو إسلامى سنى، فمن أراضيها انطلقت كل دعاوى الفتنة والطائفية التي مازالت تستعر حتى الآن، فاضطلعت القوى الاستعمارية الغربية إلى دعم المعارضة الإيرانية خلال حكم دولة الشاه لتمكين حكم الملالى، وذلك لاستثمار الخلاف السنى الشيعى في دفع المشروع الغربى نحو الأمام.
ويكفى لمعرفة مدى تصميم «لويس» على هدفه، انتقاده الدائم محاولات الحل السلمى للصراع العربى الصهيونى، وانتقاده الانسحاب الإسرائيلى من جنوب لبنان، واصفًا هذا الانسحاب بأنه عمل متسرِّع ولا مبرر له، فالكيان الصهيونى يمثل الخطوط الأمامية للحضارة الغربية. وعندما دعت أمريكا عام 2007م إلى مؤتمر «أنابوليس» للسلام، كتب لويس في صحيفة (وول ستريت) يقول: «يجب ألا ننظر إلى هذا المؤتمر ونتائجه إلا باعتباره مجرد تكتيك مؤقت، غايته تعزيز التحالف ضد الخطر الإيرانى، وتسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية، ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم بعضًا، كما فعلت أمريكا مع الهنود الحمر من قبل».
وفى عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكى بالإجماع في جلسة سرية على المشروع وتم تقنينه واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الإستراتيجية في السنوات المقبلة، وتم وضع آلياته وخطط تنفيذه، واكتملت تلك التحركات في أعقاب انتهاء الحرب الباردة وتفكيك الكتلة الشرقية في مطلع التسعينيات.
لقد قسم هذا العالم إلى 19 دولة، كلها تتكون من خليط من الأقليات والطوائف المختلفة، والتي تعادى كل منها الأخرى، وعليه فإن كل دولة عربية إسلامية معرضة اليوم لخطر التفتت العرقى والاجتماعى في الداخل، إلى حد الحرب الداخلية كما هو الحال في بعض هذه الدول.
أوضحت ذلك وثائق «كيفونيم» التي نشرت في فبراير 1982م في الدورية التي تصدر باللغة العبرية في القدس، تحت عنوان «إستراتيجية إسرائيل خلال الثمانينيات»، كتبها «يورام بيك»، احتوت هذه الوثائق على الخطة الكاملة لتفكيك وتقسيم العالم العربى إلى دويلات صغيرة ويحمل تفاصيل المشروع الصهيو-أمريكى لتفتيت العالم الإسلامى:
دول شمال أفريقيا
بتفتيت (ليبيا والجزائر والمغرب) بهدف إقامة دولة البربر على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان، ودويلة البوليساريو، والمتبقى من دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا وتقسيم مصر إلى (4) دول (دولة النوبة، ودولة مسيحية في غرب البلاد، ودولة إسلامية في الوسط، ودولة خاضعة للنفوذ الصهيونى، وتشمل شبه جزيرة سيناء حتى نهر النيل).
شبه الجزيرة العربية والخليج
إلغاء دول الخليج بالكامل ومحو وجودها الدستورى، بحيث تتضمن منطقة شبة الجزيرة العربية والخليج (3) دويلات فقط، وهى دولة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين وأجزاء من المملكة العربية السعودية.
دولة نجد السنية
وتشمل جزءًا من المملكة العربية السعودية الحالية وأجزاء من اليمن.
دولة الحجاز السنية
وتشمل جزءًا من المملكة العربية السعودية وأجزاء من اليمن.
العراق
تفتيت العراق على أسس عرقية ودينية ومذهبية، دولة شيعية بالجنوب حول البصرة، دولة سنية في العراق حول بغداد، دولة كردية في الشمال والشمال الشرقى حول الموصل بكردستان تقوم على أجزاء من الأراضى العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية سابقًا.
سوريا
تم وضع خطة لتقسيمها إلى أقاليم متميزة عرقيًا ودينيًا ومذهبيًا (دولة علوية شيعية على امتداد الشاطئ، ودولة سنية في منطقة حلب، ودولة سنية حول دمشق، ودولة الدروز في الجولان ولبنان «الأراضى الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضى اللبنانية»)، وهذا ما يتم تنفيذه على الأرض بتحطيم الجيش السورى، وإنهاكه في حرب طويلة برعاية الجماعات والحركات المتطرفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة».
لبنان
واعتمد في تقسيمها إلى (8) دويلات متميزة عرقيًا ومذهبيًا ودينيًا (دويلة سنية في الشمال عاصمتها طرابلس، ودويلة مارونية في الشمال عاصمتها جونيه، ودويلة سهل البقاع العلوية عاصمتها بعلبك خاضعة للنفوذ السورى شرق لبنان، ودويلة في بيروت تحت الوصاية الدولية، وكانتون فلسطينى حول صيدا وحتى نهر الليطانى، وكانتون كتائبى في الجنوب وتشمل المسيحيين والشيعة، ودويلة درزية في الأجزاء من الأراضى اللبنانية والسورية والفلسطينية، وكانتون مسيحى تحت النفوذ الإسرائيلي).
الأردن
تصفية الدولة وإلغاء كيانها الدستورى ونقل سلطتها للفلسطينيين.
فلسطين
(هدم مقوماتها وإبادة شعبها في طريق تكوين إسرائيل الكبرى).
إيران وباكستان وأفغانستان
يتم تقسيمها إلى (10) كيانات عرقية ضعيفة وهى كردستان، وأذربيجان وتركستان، عرب ستان إيران ستان وما بقى من إيران بعد التقسيم بلونستان، بخونستان، أفغانستان ما بقى منها بعد التقسيم، باكستان ما بقى منها بعد التقسيم، كشمير).
تركيا
انتزاع أجزاء منها وضمها إلى الدولة الكردية المزمع إقامتها بأجزاء من دولة العراق الحالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.