قبل عدة سنوات، حلت شيرين كضيفة على الإعلامى محمود سعد ببرنامج "البيت بيتك"، وبعد فترة من الأسئلة الفاترة والإجابات المصطنعة، وعقب انتهاء شيرين من غناء مقطع من لعبة الأيام للراحلة وردة، صفق لها محمود سعد، وقال لها، وهو يبتسم: «إنت عارفة إن ما فيش صوت بيسلطنّى غير أنغام، سامحينى يا شيرين، بس أنا بحب أنغام قوى»، ابتسمت شيرين وقالت له، طبعًا دى أنغام. محمود لم يكن يقصد أى شر أو مكيدة بما قاله، فمن يعرفه جيدا يعرف أنه متيم بأنغام وربما لا ينافسه فى هذه الحالة سوى صديقى الدكتور محمد الباز والكاتب الصحفى عمر طاهر. شيرين أنهت الحلقة وغادرت الاستديو دون أن تسلم على أى شخص، وبمجرد وصولها سيارتها، انفجرت فى الصراخ والبكاء وضرب وجهها، لأنها ترى أن مجرد ذكر اسم أنغام فى حضورها، إهانة لها أو تقليل من نجوميتها، لأنهما فى حالة منافسة على لقب مطربة مصر الأولى. هذه هى الطريقة التى تفكر بها شيرين عبدالوهاب، التى ترى نفسها مطربة مصر الأولى والأخيرة، ترفض تذكر الماضى ورحلة الشقاء والتعب من أجل الوصول للنجومية، تحاول أن تجرى لأيام الفقر عمليات تجميل، لتتخلص من آثاره على نفسيتها، تختفى خلف نطق بضع كلمات باللغة الإنجليزية، تفضح تعليمها المجانى فى مدارس الحكومة - أنا خريج نفس المدارس على فكرة ونطقى للإنجليزية لا يختلف عنها - تداعب جمهورها اللبنانى بكلمات لبنانية وجمهورها المغربى بكلمات مغربية، ولا تخجل من أن تغازل كاظم الساهر وتقول له: نفسى أجيب منك ولد، لا تتوقف عن مغازلة شباب المتسابقين، ترد على منتقدى ملابسها بنشر أسعارها بالدولار، لتخبرهم أن الفقراء لا يعرفون قيمة الملابس التى لا تشترى إلا بالعملة الصعبة. أضع كل هذه التفاصيل والحكايات والتصرفات أمامى، وأسأل نفسى هل هذه تصرفات تصدر عن مطربة مصر الأولى؟! من الممكن أن تكون وجهة نظر شيرين فى مطربة مصر الأولى أن تتحدث الإنجليزية بطلاقة، وأن تهز رأسها تعبيرًا عن الاندماج مع سماع الأغانى الغربى كأنها تربت فى ضواحى نيويورك لا القلعة - أنا من ضواحي الجيزة عشان ما حدش يفتكر حاجة غلط - ، وأن ترتدى مطربة مصر الأولى فستانا سعره لا يقل عن أربعة آلاف دولار أمريكى، وأن تصبغ شعرها ببيروت، وتقلم أظافر قدميها بدبى، وأن تتباهى بأنها تناولت إفطارها من وجبة السوشى الشهيرة، وأنها لا تستطيع تناول الغداء بدون وجود زجاجة من النبيذ الفرنسى على طاولة الطعام. هذا هو تصور شيرين عن مطربة مصر الأولى، أما أن تكون مطربة مصر الأولى من القلعة، وأن تكون أسرتها بسيطة، وأن تكون كافحت وتمردت على واقع عيشتها البسيطة لتصبح واحدة من نجوم الغناء، هذا من وجهة نظر شيرين يجعلهم يتعاطفون معها فقط دون أن تكون نجمتهم المفضلة، من يعرف شيرين جيدًا يعرف أنها وضعت تجربة عمرو دياب أمامها، وتريد تطبيقها، يرفض عمرو دياب دائمًا الحديث عن أيام الفقر والسكون فوق أسطح منازل شارع الهرم، يرفض تذكر الأيام التى كان يبكى فيها لأحمد عدوية ليغنى أغنيته الشهيرة «بنت السلطان» ليحفظ اسمه رواد الملاهى الليلة بشوارع الهرم. نفس المنطق الذى ترفض به شيرين تذكر أيام غنائها بأفراح الشوادر والشوارع، وتذكرها فقط لفترة غنائها بدار الأوبرا المصرية، من الممكن أن يرى البعض أن كلامى قاس وجارح لنجومية شيرين، وهو ما قصدته فعلًا، لأننى أرغب منها أن تتذكر هذه الأيام جيدًا لأنها يبدو أنها نسيتها وقررت أن تعيش فى سيناريو مسلسل «طريقى»، متناسية حقيقة أن الجمهور صنع منها نجمة لأنه شعر أنها قريبة منه، من نفس الطبقة التى تتعالى شيرين عليها الآن، وقررت أن ترفع فى وجههم الحذاء لأنهم ينتقدون ملابسها وطريقة كلامها، ربما تفوق شيرين من الوهم الذى تعيش فيه بعد قراءة هذه السطور، أو ربما تقف على صفحات الجريدة بحذائها وهى تصرخ أننا نحاول هدم مطربة مصر الأولى، وفى هذه الحالة لن أستطيع سوى أن أذكرها أن مجرد تفكيرها فى عقد مقارنة بين صوتها وصوت أنغام، يستدعى قيامها بزيارة سريعة لعيادة طبيب نفسانى!.