قال الدكتور محمود الضبع نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، إن فترة الثمانينيات من القرن الماضي شهدت تحولاً جذريًا في مجال الأدب في العالم كله، فقد كان لها طابع خاص في مصر، خرج منها إنتاج مصري عربي له ريادة، إلى أن حدث اختلال في ميزان الإنتاج الفكري والثقافي والأدبي. وأكد أنه إذا حاولنا استقراء الواقع المعاصر للأدب في مصر حتى مطلع العام 2015م، أمكننا الوقوف على عدد من العناصر التي يمكن اعتمادها بوصفها علامات دالة تساعد في قراءة وفهم المشهد إجمالا، وهي التشابك النصي، والتجاور وتعدد الأشكال، وغواية التجريب، والحضور الشعري وشعرية الصورة ، والتحول إلى المؤسسة الفردية. جاء ذلك خلال فعاليات المؤتمر الختامي لمشروع دعم التنوع الثقافي والابتكار، المقام الآن، بمكتبة الإسكندرية. وأوضح الضبع، أن الواقع يشير إلى أن الأشكال الأدبية أصبحت تتشابك فيما بينها وتتداخل وتستعير تقنيات من الأنواع الأخرى المجاورة وغير المجاورة. كما أن الأشكال الأدبية أصبحت تتجاور على مستوى التلقي ، وتتعايش وإن كان بدرجات متفاوتة في الحضور والهيمنة ، إذ لم تعد هناك ذائقة واحدة ، وإنما هناك تعدد وتفاوت في الأذواق. ولفت إلى أن أهم ما يميز الأدب المصري منذ بداية الألفية الثالثة وحتى الآن هو التجريب المستمر في بنية الأنواع الأدبية شكلا وموضوعا، وداخليا على مستوى النوع الواحد ( الشعر ، الرواية ، القصة ، المسرح ) يمكن تمييز ملامح التجريب في بنية العمل شكلا وموضوعا ، فجرب الشعر في شكل القصيدة نتيجة للإمكانات التكنولوجية التي سمحت بها أشكال رسم الصفحة بالكلمات ، وجرب في مضمونها بفتح أفقها من خلال استعارة تقنيات السرد القصصي التي وسعت من إمكانات التجريب في الموضوع كما سيرد في تحليل المشهد الشعري . وأضاف أن حضور الشعرية في النص لم يعد مقتصرا على القصيدة، فلم تعد الشعرية عاملها الأوحد هو اللغة، أو الوزن العروضي، وإنما تدخل المشهد وبناء الصورة في خلق حالة الشعرية بأشكال متعددة. هذا الزخم من الصور لاشك أن له تأثيرات متعددة على صياغة المشهد الأدبي السردي والصورة الشعرية ، التي غدت تواجه تحديا أكبر في خلق الصورة غير العادية وغير المألوفة وغير المتوقعة، ولتحقيق ذلك عليها إحداث التكثيف والانحراف الدلاليين، وهدم البناء الزمني والتراتب السببي. أما عن التحول إلى المؤسسة الفردية، فأوضح أن الأديب عاش عالميا وإقليميا منذ مطلع عصور النهضة في إطار جماعة ينتمي إليها، أخذت شكل المدارس الأدبية تارة، وشكل الأجيال الأدبية تارة أخرى، ثم تحولت إلى الجماعات الفردية، وتطور بها الحال إلى التحول لمفهوم المؤسسة الفردية، بمعنى احتكام الأديب لجمالياته الخاصة ووعيه الخاص وعدم الانتماء لجماعة لها اتفاقات ما على عدد من المرتكزات التي تتبعها في الكتابة. وأكد أن هذه التحولات جميعها في المشهد الفكري والثقافي والأدبي كانت له امتداداته وتأثيراته في الوعي العربي والمصري على وجه الخصوص، ومن ثم فإن المشهد المصري المعاصر لا يمكن فهم راهنه إلا بالقراءة الثقافية لهذه التحولات، ورصد تأثيرها على الواقع الآني.