حياة حافلة بالإبداع والأسى، تلك التي عاشها الأديب الكبير عبد الحكيم قاسم الذي تحل ذكرى وفاته الخامسة والعشرون اليوم الثالث عشر من نوفمبر، وبدأ قاسم الكتابة الأدبية خلال فترة السجن حيث كتب روايته "أيام الإنسان السبعة" والتي صدرت في عام 1969، عن دار الكتاب العربي والتي ترجمت إلى الأنجليزية في عام 1989م، ونُشرت أولى قصصه "الصندوق" في مجلة الآداب البيروتية عام 1965، ثم تتابع النشر بعد ذلك في مجلة المجلة القاهرية التي كان يشرف عليها الأديب يحيى حقي في منتصف الستينيات من القرن الماضي، وصدرت له روايته محاولة للخروج في عام 1978م، وصدرت له مجموعته القصصية "الأشواق والأسى"، والتي ضمت تسع قصص في عام 1984. في ذكرى قاسم أشاد الكثير من الأدباء خاصة الذين عاصروا هذا الكاتب الذي كان له العديد من اللمسات الأبداعية التي ساهمت في تكوين مشهد عريض لجيل الستينيات، خاصة أنه كتب العديد من الأشكال الإبداعية، فكتب الرواية والقصة القصيرة والرسائل وفضلا عن الكثير من المقولات التي توضح عمق تجربته حيث قال الشاعر سعدني السلاموني: أطالب بالإفراج عن أدب عبدالحكيم قاسم من أصدقائه جيل الستينيات، الذي حاصره حيًا وحتى الآن يحاصر إبداعه بعد وفاته. وأضاف السلاموني": تعد رواية "أيام الإنسان السبعة" ل"عبد الحكيم قاسم" المسمار الذي دُق في نعوشهم جميعًا، فهي رواية خارقة، بدأ بعدها حصاره بشكل أو بآخر، والغريب والمدهش أن كل كاتب في مصر والوطن العربي تقف خلفه مؤسسة ما، بينما كان قاسم منتميًا لليسار وأخلص له حتى النخاع، وسجن مرتين بتهمة الإنتماء إلى تنظيم يساري قبل أن يسافر إلى برلين، وللأسف الشديد هناك كان مطاردًا ليجر بعيدًا عن الإبداع وليشرد. وواصل السلاموني: حين عاد عبدالحكيم قاسم من برلين إلى مصر، تم حصاره بشكل أكبر لأنه جاء ليكون مدرسة جديدة في الرواية العربية بلغة تسمى لغة الروح، وهذا العبقري يجب الإفراج عنه لآنه لا يقل عن امل دنقل ومحمدحافظ رجب هذه القامات المصرية الكبيرة، ويتم الإفراج عنه نقديًا، وتهتم وزارة الثقافة بأعماله، وأن تقيم مؤتمرًا باسمه يليق به وبتاريخه العملاق. وأنا أجزم أن أعماله إن خرجت للنور لأسست لمدرسة جديدة للرواية العربية. كما أكد الروائي السعيد نجم، أن الأديب الراحل عبدالحكيم قاسم لم ينل حقه من التكريم، ولولا حصول الأديب نجيب محفوظ على جائزة نوبل لما أخذ حقه من الشهرة والتكريم أيضًا. وأضاف نجم: يكفي عبدالحكيم قاسم رواية "الأيام السبعة" لاعتباره علامة بارزة في فن الرواية العربية، وحتى نستطيع تكريم قاسم بشكل يليق به، يجب إعادة نشر أعماله وتقييمها نقديًا، وأن تعرف أعماله طريقها إلى السينما التي سقطت بعد تخليها عن فن الرواية. ومن جانبه قال الروائي مصطفى البلكي: إن الأديب عبد الحكيم قاسم قامة كبيرة، لأنه استطاع بقلمه أن يعرى كل شيء، حتى في رسائله التي نشرت مؤخرا فعل نفس الشئ. وأضاف البلكي في تصريحات خاصة: إن قاسم كتب بصدق الناسك عن ريف يعرفه وحمله معه حتى في رحلته إلى أوربا والي روسيا في ومن المد الشيوعي، لم ينس أنه وجد ليكتب، وكما يقال عنه دائما، فهو لم يخجل من شيء، لذلك كان صادقا فيما كتب. وأكمل البلكي: نجده في ديوان الملحقات كان صديقا للتفاصيل التي لا ينتبه إليها إلا كل مريد لمكان منحه تلكالصور وتلك المعرفة الحياتية، فدائما نقول الإنسان كيان حقيقته فيما يخبئه، وهو كان أكثر أبناء جيله وضوحا، وأنا على المستوى الشخصي ما زالت رائعته أيام الإنسان السبعة درة أعود إليها كثيرا لأذكر نفسي بأن الصدق والتركيز على المحيط الذي يوجد فيه كل كاتب هي أهم عوامل تأثيره. وختم البلكي بقوله: أما عن تقدير عبدالحكيم قاسم فهناك فئة من الكتاب تموت مرتين، مرة بالموت الفعلي، والثانية عبر انتهاء ذكراه، أظن أن عبد الحكيم قاسم انتمى إلى جيل الستينيات، وهذا الجيل محظوظ، وهو أحدهم. كما قال الأديب سعيد الكفراوي: الأديب عبدالحكيم قاسم واحد من جيل يمثل الوثبة المضادة في الإبداع المصري، تكون والتقى ليواجه هزيمة مروعة حدثت في 67، وكان واحدًا من المتنباهين بها مثل أمل دنقل في "البكاء بين يدى زرقاء اليمامة" وعبدالحكيم قاسم الذي كان خارجًا في ذلك الوقت من اعتقال طويل، وبدأ الكتابة بعدد من القصص. وأضاف الكفراوي: عبدالحكيم واحد ممن أعادوا ابتكار الكتابة عن القرية المصرية متأملًا تلك المنطقة الغالبة من الروح، فدمج الروح الصوفية عند شيوخها، وانفتح على طقوس موالدها، والتقط لحظاتها النادرة وانشغل مثل كتاب القرية المصرية يوسف إدريس وخيري شلبي، محمد مستجاب بسؤال الحياة والموت، وتجسد ذلك في رائعته "أيام الإنسان السبعة". وواصل الكفراوي، الراحل الأديب الكبير: عبدالحكيم قاسم كان واحدًا من أبرز كتاب هذا الجيل ولم يسعفه الموت ليستكمل مشروعه، يرحمه الله.