تفاجأت نهال، أم فى الثالثة والثلاثين، بشقيقها الأكبر يخبرها بأنه وجد ابنها الذى يبلغ من العمر تسع سنوات يشاهد فيلما جنسيا على الآى باد الخاص به، وحين لم تستوعب ما قاله شقيقها حاولت أن تستوضح منه أكثر، ربما يكون ضبط متلبسا بمشاهدة إعلان دعائى من الإعلانات التى قد تفاجأ مستخدمى الإنترنت أو ربما مشهد إباحى من فيلم أجنبى لكن شقيقها أخبرها أن ابنها يشاهد أفلاما جنسية صريحة. نهال اشترت الآى باد من أجل الألعاب وأفلام الكارتون، وبطبيعة الحال قد طلب منها الابن أن يستخدم الواى فاى، ومن ثم إنشاء حساب على الفيسبوك، لكنه لا يزال يقرأ ويكتب بصعوبة وأحيانا كان يشاهد بعض أفلام الكرتون على اليوتيوب أون لاين، ولم يتبادر إلى مخيلتها أن يتحول الآى باد إلى أداة جنسية.. حينها تحدثت مع الأب الذى انتابته حيرة شديدة، فكيف له أن يتصرف، هل يشرح للطفل حقيقة العلاقة الجنسية وبالتالى يثير فى مخيلته أفكارا جنسية أكثر أم يتجاهل الأمر ويحكم الرقابة على الولد؟ وهل بهذه الطريقة يكون الطفل نسى ما رآه بعد أن اعتاد على كتابة كلمة سكس بالإنجليزية فرأى ما لا يتوقعه؟ وإلى أى حد أدرك حقيقة العلاقة وتعرف على تفاصيلها أم أنه يشعر بلذة فقط دون إدراك للفعل. من ناحيتها فإن نهال أكدت أنها كانت حريصة خلال تربيتها لابنها ألا تتركه فى النادى بمفرده كى لا يتحرش أحد به، وقد توصلا إلى أن النصح وحده لا يكفى، وأن الأهم أن تكون أعينهما على الأطفال فى كل مكان يذهبون إليه، ففى النادى لا يتركانهم بمفردهم، مهما حدث لا يغيبون عن عين الأم أو الأب، وفى المدرسة من المفترض أن يحكى الأبناء عن كل ما يتعرضون له حتى يكونوا على استعداد للتعامل مع أى مشكلة، ولكن ما حدث هو أنها ظنت أن الولد هادئ ويشاهد أفلام الكرتون بكثرة وكانت مطمئنة لذلك كى تقوم بأعمال البيت ولم يتبادر إلى ذهنها بأن ابنها يبحث عن المقاطع الجنسية وهو لا يزال يتهجى الكلمات. أما سميرة، 33 سنة، فهى أم لطفلة فى السادسة من عمرها عرفت عن طريق الصدفة أن البنت الصغيرة تعرضت لمثل هذه المواد الإعلانية الدعائية لبعض المواقع لأن الطفلة الصغيرة وقفت تصور نفسها وهى تقلد الفتيات على المواقع الإباحية، تخرج لسانها فى الصور وتقف كما يقفن فى الإعلانات الدعائية، وعندما استغربت الأم وسألتها قالت لها إنها رأت ذلك على التابلت، فقررت معاقبتها بأن أخذت منها التابلت ومنعتها من استخدامه. طرحنا العديد من الأسئلة على خبراء علم النفس والاجتماع كيف نتواصل مع أطفالنا فى هذه المرحلة الخطرة، خاصة أنهم صغار جدًا فى السن لم يصلوا حتى للبلوغ وهل يمكن شرح العملية الجنسية لهم أم بذلك نجنى على طفولتهم؟ وعندما يشاهد طفل فى هذه السن تلك المواد عن طريق الخطأ ويتعلق بمشاهدتها كيف يقلع عنها، وما هى فكرته عن الجنس فى هذه السن؟ وهل المنع من الممكن أن يكون حلا؟ ثقافة جنسية الدكتورة نادية رضوان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، تشير إلى أن سن التسع سنوات ليست سنًا صغيرة كما يعتقد الأب والأم، وأن الثقافة الجنسية فى الخارج يتعلمها الأطفال منذ الصغر، فالآباء والأمهات فى الخارج عليهم حتى سن ثلاث سنوات أن يجعلوا الولد والبنت يتشاركان الاستحمام فهو أمر صحى، كما تقول رضوان، ويعفيهم من مسألة الفضول عن استكشاف الأعضاء التناسلية لبعضهما، بداية من 5 سنوات تبدأ الأم والأب فى توصيل معلومات خفيفة عن التناسل، وغالبًا ما يتم ذلك فى الخارج نظرًا لتربيتهم الحيوانات الأليفة ورؤيتهم للتزاوج وعلى الأم والأب شرح ذلك بطريقة مبسطة. تضيف نادية: عندنا فى مصر الأمر مختلف ويوجد تعتيم شديد على الثقافة الجنسية ومخاوف عديدة إذا ما اكتشف الطفل ذلك بنفسه وفى الحالة السابقة يجب على الأب والأم إخبار طفلهما بشيء عن تفاصيل العلاقة ومعرفة المحرمات فيها، خاصة إذا كانت له شقيقة أو جارة أصغر منه أو فى نفس سنه، فإذا لم يبلغ الطفل فإنه لن يحاول بالتأكيد تقليد ما رآه لكنه لن ينسى ما شاهده حتى ولو تم تعنيفه فإنه فى أقرب فرصة سوف يهرع إلى الآى باد سواء توفر ذلك فى منزله أو مع صديق له. «نادية» تشير إلى أن معرفة الولد، أو البنت، بالثقافة الجنسية وتعليمها له فى المدارس لا يعنى الانحلال، فهذا مفهوم خاطئ بل يجب أن نعلمهم كيف يحترمون أجسادهم ونحكم الرقابة عليهم، ففى الخارج الآى باد والتابلت وكافة أجهزة الكمبيوتر مع الأطفال تستخدم فى حيز ضيق ولها مواعيد معينة وتوضع فى مكان فى البيت، بحيث يتمكن الأب أو الأم من مراقبة الأطفال، لكن عندنا الأم فى مصر تستسهل جلوس ابنها على الآى باد بالساعات لتنصرف هى للحديث فى التليفون والانشغال على الفيسبوك دون رقابة وهذا هو الخطأ الحقيقى.. فالمعلومات المعرفية يتوصل لها الأطفال بأى شكل وقبل الإنترنت كانت تحدث أشياء مشابهة فى مدارس الابتدائى وتنتقل المعلومات مع التلاميذ الأهم من ذلك هو دور الأب والأم بنقلها بطريقة سليمة لا تسبب ضررًا نفسيًا ولا تمثل عقدة فى المستقبل. الخبرة الجنسية الأولى تقول الدكتورة منال زكريا، مدرس علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة: إن المجتمع يعانى من مشكلات خاصة فيما يتعلق بالخبرات الجنسية الأولى والتى تؤثر على الأولاد والبنات، إذا ما تمت ممارستها فى سن مبكرة وبطريقة خاطئة، وغالبًا فى السن المبكرة يتم الشعور بلذة واستمتاع واستثارة للمناطق الحساسة والطريقة التى تتم ممارسة الجنس من خلالها أول مرة مهما كانت شاذة أو عنيفة أو فيها محاولة للاستغلال تظل هى الطريقة المثلى التى يستمتع بها المراهق بعد ذلك حتى استلذاذ العنف المصحوب بالألم، أو إذا كانت الممارسة فى مناطق معينة فقد يعتاد الطفل على نمط معين من الممارسة مهما كان مؤلما أو شاذا. وتؤكد الدكتورة منال أن المشاعر فى هذه الفترة هى مشاعر جنسية بحتة لا علاقة لها بالحب والعواطف. وتكمل: سن الثانية عشرة والثالثة عشرة تعتبر سن البلوغ والنمو الجنسى، وتنقسم لقسمين فى الولد أو مرحلتين هما البلوغ والاكتمال، والاستمتاع بالجنس لا يتوقف عند الاكتمال فقط فالاستمتاع بالجنس شىء والنضج الجنسى شيء آخر وهو لا يتحقق فى هذه السن الصغيرة. استمع وافهم أما منى جابر، أخصائية الطفولة المبكرة والإرشاد الأسرى فتقول: مشاهدة الطفل لمشاهد جنسية ليس دليلًا على التربية الخاطئة ولا أن الأم والأب لا يقومان بدورهما تجاههم بطريقة صحيحة، وذلك لأسباب عديدة منها أن مرحلة المراهقة أصبحت تبدأ مبكرًا حيث يبدأ المراهق بالبحث عن كل ما يخص الجنس الآخر بشكل خاص والجنس بشكل عام، وبالتالى تعرضه لمواد جنسية أمر طبيعى، والأهم هنا هو طريقة معاملة الأب والأم لابنهما عندما يكتشفان الأمر، فمن المهم عدم اتهامه بأنه (قليل الأدب)، لأنه فى مرحلة استكشاف تتطلب من الأب والأم أن يكونا مصدرًا للمعلومات الصحيحة والتى تتحقق من خلال التربية الجنسية للأبناء. وعن الآثار الإيجابية لضرورة التربية الجنسية السليمة للأطفال تضيف: المقصود بالتربية الجنسية أننا نساعد الطفل فى أن تكون له اتجاهات سليمة عن نفسه، وعن جسمه، وعن الجنس الآخر، وعن الحياة الزوجية، والأسرية فى المستقبل، وطبعًا كل حسب المرحلة العمرية التى يمر بها. وتضيف منى: بخصوص الرقابة فإن الجيل الجديد لا تنفع معه المراقبة الشديدة والممنوعات، ولكن الصداقة بين الوالدين والأبناء وقدرتهم على الاستماع والإنصات الجيد لأبنائهم واحتياجاتهم يساعد على خلق علاقة آمنة، وبالتالى عدم خوف الأبناء من الحديث معهم فى أى موضوعات بما فى ذلك الموضوعات الجنسية، فكل أب وأم عليهما أن يعرفا أن تصوراتنا عن الجنس هى التى تجعلنا نشعر بالحرج من أبنائنا، بل قد يهرب البعض من مثل هذه المواقف ويستقطعها من مخيلته وكأنه لم يرها. وعلى الأم أو الأب أن يكونا مستعدين لأى سؤال ممكن يصدر من الطفل وأن يعدا أنفسهما بالمعلومات الصحيحة، حتى يستطيعا أن يجاريا ابنهما فى التطور التكنولوجى الذى يعيش فيه هو وزملاؤه.. فعادة الاستماع تجعل من السهل الحديث مع الابن أو البنت عن التغيرات الجسدية والنفسية التى سيتعرضون لها فى مرحلة المراهقة، والتى سيتم توصيلها من خلال الأب للطفل الذكر ومن خلال الأم للطفلة الأنثى. فى المقابل عدم وجود إجابات كافية وشافية ومقنعة يؤثر سلبًا على الحوار بين الوالدين وطفلهما، ويمكن أن يكون الوالد صريحًا مع الابن بأن يقول له «سؤالك مهم جدا وعشان كده أنا هحتاج أسأل متخصص عشان أقولك على الإجابة الصحيحة»، وخلال هذه الفترة لا بد أن يلجأ الأب لمتخصص أو صديق لديه خبرة ويتحاور معه عن طبيعة السؤال وكيفية الإجابة عنه. ويعود للابن كى يناقشه فيما سأل. بعدما يؤهل الأب أو الأم نفسيهما للإجابة عن الأسئلة تأتى الخطوة الثالثة وهى المواجهة وليس مقصودا بها اتهام الابن أو إلقاء اللوم عليه وعقابه كما يفعل أغلب أولياء الأمور ولكنها ستكون الفرصة التى سيتم تحويلها لفرصة مناسبة يستطيع الأب أو الأم مناقشة الابن/ البنت فيما يشاهدونه على أن تكون المناقشة مع مراعاة الآتى: - على الوالدين تصديق الابن فى حالة قوله إن هذه المواقع تم الاطلاع عليها بالصدفة أو أن الموقع فتح من تلقاء نفسه. - السرية فيما يخص الحوار الدائر بين الوالد والطفل، ويفضل عدم الفضح أو التهديد بالفضح وإنما إعطاء الابن فرصة للتفكير فيما فعله وإخباره بأنه ستتم المناقشة فيما حدث، مع التأكيد على أن ما حدث لن تخبر أحدًا به. - فى المناقشة اعط فرصة لابنك أن يحكى بنفسه لأنك من خلال كلامه ستجد ما ينقصه، قد يكون معلومات لم يجدها لديك وسمعها من أحد الأصدقاء، قد يكون لديه وقت غير مشغول بأهداف مفيدة، قد يكون رغبته فى حب الاستطلاع لا غير، ستعرف أيضًا من خلال المناقشة هل هى أول مرة يشاهد فيها مثل هذه المشاهد أم أنه أمر متكرر. - درب ابنك على مهارة المراقبة الذاتية لأنها هى الحماية الحقيقية وما عليك إلا أن تكون متابعا وملاحظا وصديقا وفى وقت الحاجة النصح بلا لوم، خذ منه وعدًا بأنه سيستخدم الإنترنت فقط للبحث عن أشياء ومعلومات مفيدة، ثق به، وضح له نقاط القوة لديه وساعده على التعامل مع نقاط الضعف أو تقبلها، اعتمد عليه فى بعض المهام فإن ذلك يؤكد له بأنك تثق به وبقدراته، حيث إن أبناءنا عادة ما يتصرفون وفقًا لتوقعاتنا منهم. - بعد مناقشته فيما حدث تكلم معه عن خطته للفترة القادمة، ساعده ليجد هدفًا يسعى لتحقيقه، هواية كالرسم، الغناء، التمثيل، الكتابة، القراءة أو محاولة اختراع، فهناك الكثير من الكتب عن المبدع الصغير تساعد الأطفال والمراهقين على استغلال قدراتهم وطاقاتهم فى تعلم اختراع أشياء بأفكار بسيطة قد تكون فى المستقبل بمثابة البداية لاختراع كبير. - الرياضة المنظمة ستساعده على تحقيق قدر من التوازن النفسى الذى قد يحميه من براثن الفراغ. - تحدث معه عن الاستخدامات المفيدة للإنترنت واجعله يفكر معك فيما يمكن أن يعرفه من خلال تواجدi أمام الإنترنت، على أن يناقش معك كل أسبوع موضوعا جديدا قد تعلمه من خلال البحث على الإنترنت.