في ظل حالة الخرس والصمت المطبق غير المبرر من قبل قيادات حماس، سواء في الداخل أو الخارج، على وقع اعتداءات المستوطنين اليهود على خلفية مواجهات المسجد الأقصى بين شبان وصبية فلسطينيين في شرق القدس والخليل تحت غطاء قوات الاحتلال الإسرائيلى بإطلاق القنابل الغازية والمطاطية والرصاص الحى وسقوط العديد من الضحايا والمصابين.. بما يكشف حقيقة دوافع حركة حماس مما يجرى في الضفة الغربية ومساعيها بإشعال ما يسمى ب«الانتفاضة الثالثة» في تلك الظروف الإقليمية الراهنة، تأتى تصريحات بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، باتهام حركة حماس بأنها وراء ما يجرى تدبيره في شرق القدس والخليل.. ليخرج كالعادة بعض من قادة حماس يطالبون ب«تطوير الانتفاضة» بأكبر درجة ممكنة ضد إسرائيل وتعميقها بوصفها طريقا للتحرير، ناسية أو متناسية سعيها لعقد هدنة مع إسرائيل تمتد لعشر سنوات أو أكثر. فقد اعتادت قيادات الحركة فكرة التحول وتغيير مواقفها، بل وتغيير جلدها بشكل دائم ومستمر حتى استمرأت ذلك، وأصبح منهج عمل وسلوك وفقا لمصالحها ومصالح قياداتها الذاتية، سواء الصف الأول منها أو الثانى، ليس انطلاقا من حرصها على مفهوم مقاومة العدو الإسرائيلى، بما يخدم القضية المركزية منذ إنشاء حركة المقاومة الإسلامية «حماس» التي ظهرت كحركة مناوئة للقائد الفلسطينى ياسر عرفات الذي دافع عن حق قضية الشعب الفلسطينى بأكمله، سواء في الأراضى الفلسطينيةالمحتلة أو في الشتات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في الحصار الذي فرض عليه من قِبل إسرائيل ومنعه من الذهاب إلى القمة العربية التي عقدت في العاصمة اللبنانية «بيروت» عام 2000. ومنذ ذلك التاريخ كانت الحركة تشكل أحد المعوقات أمام «عرفات» وإفساد كل الجهود التي كان يبذلها للبحث عن مخرج لحل القضية الفلسطينية، على خلفية أن «حماس» استطاعت عبر قيامها بعدد من العمليات النوعية في المقاومة ضد العدو الإسرائيلى أن تضيف رصيدا لها، سواء في الشارع الفلسطينى أو العربى، عبر إحداث حالة من «توازن الرعب» مع إسرائيل عبر العمليات الانتحارية «الاستشهادية» وفق منظور الحركة «الإسلامى»، حيث تعرض الزعيم الفلسطينى خلال تلك الفترة لحملات ظالمة من الهجوم الشديد من قبل قيادات الحركة وأعضائها، سواء داخل قطاع غزة أو خارجهاعبر رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل في العاصمة دمشق، وذلك وفق المتغيرات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية في تلك الفترة والرقص على كل الحبال بدعوى الحفاظ على المقاومة. المشهد الأول في معركة التحول جاء عبر توقف ما أسمته «حماس» بالعمليات الانتحارية «الاستشهادية» باتفاق غير معلن جرى بين قيادات الحركة وإسرائيل بوقف مسلسل القنابل البشرية الانتحارية التي ابتدعته الحركة في المنطقة وفق منظورها «الإخوانى المتطرف»، عقب تصنيفها دوليا ب«حركة إرهابية»، بدعوى قيامها بقتل المدنيين دون العسكريين بالتوقف تماما عن القيام بمثل هذه الأعمال، في مقابل أن يكون للحركة دور على المستوى الإقليمى أو الدولى يتمثل في الاهتمام بحركة حماس، للتعرف على مقاصد الحركة عبر لقاءات مع عدد من المسئولين الأوروبيين وإشراكهم في العملية السياسية، باعتبارها تمثل حكومة الوحدة الوطنية. المشهد الثانى في معركة التحول اعتبرت نفسها عنصرا فاعلا في التفاعل الدولى تجاه القضية الفلسطينية، وأثلج قادتها أنها أصبحت في بؤرة الحدث الفلسطينى باستمرار توقفها عن المقاومة، وأنها أصبحت مجرد شريك سياسي غير فاعل سياسيا يسعى للبحث عن الحلول وإعلانها عدم الاعتراف بإسرائيل بوصفها «شريكا سياسيا لا علاقة له بأيديولوجية الحركة»، رغم ما يجرى بينها وبين إسرائيل من اتصالات في الغرف المغلقة، حيث لم تقم حماس بأى أعمال مقاومة حقيقية في مواجهه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة سوى بإعلان التصريحات والتهديد بالرد والدعوة إلى انتفاضة ثالثة. المشهد الثالث فكرة الانقلاب على السلطة الفلسطينية والأحداث الدموية التي جرت في قطاع غزة في حربها وقتلها لأشقائهم من حركة فتح من تمثيل بهم في شوارع غزة، ضاربين اللحمة الوطنية التي كثيرا ما تحدثوا عنها عرض الحائط بالاستيلاء على قطاع غزة وفرض سيطرة ميليشيات حماس المسلحة عليها، أملا منها في ابتلاع الضفة الغربية في خطوة لاحقة عندما تتاح لهم فرص الانقلاب، كما فعلت في قطاع غزة، إلا أن مرادها التآمرى لم يتحقق، كما لم تسمح لها حركة فتح وكانت لها بالمرصاد باعتقال معظم قيادات حماس في الضفة الغربية عقب انكشاف مؤامراتهم. المشهد الرابع ومع انتقال حركة حماس بقيادتها ومكاتبها جاء المشهد الرابع للتحول بعد رفض عدد من الدول العربية استقبالها والإقامة فيها باستثناء قطر التي استقبلت قائد الحركة خالد مشعل وبعضا من مساعديه لفترة زمنية قصيرة، ليخرج منها إلى العاصمة السورية «دمشق» في بدايات عام 1997 بعد وساطات قطرية مع سوريا ورفض الأردن استقباله.. وقد واجهته مرارا عن أسباب توقف تلك العمليات النوعية والتي كانت تمثل للمواطن الفلسطينى والعربى نوعا من الدعم المعنوى، ردا على الاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطينى في الضفة والقطاع.. إلا أن الجواب كان دوما بالصمت وعدم التعليق.. معتبرا أنه سؤال غير منطقى وتجاوزته الأحداث، فالرجل منذ أن وطأت قدماه دمشق كان يعامل معاملة «سياسية» من الدرجة الأولى باعتباره إحدى الأوراق السياسية التي تحتفظ بها دمشق عند الأزمات.. وكم من الأزمات التي تعصف بها القضية الفلسطينية في الصراع العربى الفلسطينى. المشهد الخامس أثناء إقامته في دمشق كان رئيس المكتب السياسي للحركة يعامل بوصفه «الرئيس الفلسطينى المنتظر» عبر كثير من المؤشرات رغم أن لقاءاته مع القيادة السياسية السورية تجرى في أضيق الحدود إلا أن طبيعة موكبه وحركته في الشارع الدمشقى تتم باعتباره مستهدفا، علاوة على أن إطلالته وسط مرافقيه -وما أكثرهم- ومعظمهم «أمن شخصى» التي اعتادها كل الصحفيين والمراسلين سواء في مؤتمراته الصحفية أو مشاركاته في الأعياد الوطنية لسفراء الدول المعتمدة تجرى وكأنه «طاووس» ترافقه آلاته الإعلامية في كل تحركاته، لتعلو ابتسامته المعتادة، وكأنه يحقق النصر تلو النصر ليس على إسرائيل وإنما في تكريس عوامل الانفصال وتعميق الخلاف بشأن إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية بإعلان تبادل الاتهامات مع حركة فتح، وهنا كان التحول الخامس في المشهد الحمساوى. المشهد السادس في التحول السادس من المشهد انقلبت حماس على النظام السورى والقيادة السياسية «بعد عشرين عاما احتضنت فيها دمشق قادة حماس وعناصرها عاشت فيها الحركة أزهى أيامها بعيدة عن شظف العيش الذي يعانى منه أهالي قطاع غزة» مع انطلاق ما يسمى ب«ثورات الربيع العربى»، وقد أتاح النظام السورى لمشعل وحركته في الخارج ما لم يكن يتوقعه من الدعم السياسي واللوجيستى والتعاون وفق منظور جبهة الممانعة والمقاومة، وتنفيذ كل بل معظم السياسات والمواقف السورية تجاه العديد من القضايا الإقليمية والعربية والدولية، إلا أنه رغم ذلك آثر مغادرة العاصمة دمشق، ورفض الاستمرار في دعم ومساندة النظام السورى لتعارض موقف الحركة مع ما يجرى في الربيع العربى، واختار خندق جماعة «الإخوان» الإرهابية وتيار الإسلام السياسي. المشهد السابع خلال وجود رئيس المكتب السياسي لحركة حماس كانت قنوات التحول واتصاله المباشر بإيران عبر سفارتها في دمشق البوابة الرئيسية لتلقى التعليمات من طهران والذهاب إليها لأكثر من مرة بوصف طهران «المصدر والممول» الرئيسى للحركة عبر تلقيه الأموال السائلة منها التي وصلت إلى 30 مليون دولار شهريا، وفقا للعديد من الفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق، والبالغ عددها 10 فصائل، استطاع مشعل خلال وجوده وبأموال إيرانية أن يشكل ما يسمى بالمجلس الوطنى الفلسطينى في دمشق، لتنضوى تحت قيادته عدد من تلك المنظمات أبرزها الجبهة الشعبية القيادة العامة- أحمد جبريل، وحركة الجهاد الإسلامى بقيادة رمضان شلح، وبعض الفصائل الصغيرة، فيما رفضت الجبهة الديمقراطية بقيادة نايف وخاتمة الانضمام إلى ذلك المجلس، وبقى مشاهدا ومتابعا لما يجرى فيه سواء بحضوره بعضا من الفعاليات الفلسطينية التي كانت تجرى في «مخيم فلسطين»جنوب العاصمة دمشق انطلاقا من قناعات خاصة به تقتضى ضرورة الاهتمام بالمصالحة الفلسطينة، وفق قواسم مشتركة تضم كل الفصائل، سواء في الداخل أو الخارج، رافضا منطق المحاصصة في السلطة أو نظام الكنتونات. المشهد الثامن وفى المشهد الثامن من التحول الحمساوى جاء على خلفية تطورات المصالحة الفلسطينية وارتباطها بالجهود المصرية التي بذلت من أجل التوصل إلى اتفاق لحق الدماء الفلسطينية وإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها في «اتفاق القاهرة» إلا أن حركة حماس اعتادت على التحول وتغيير جلدها مرات ومرات بالتهرب من الالتزامات والاستحقاقات التي أعربت عن موافقتها مرارا، إلا أنها كانت دائما تستخدم أسلوب المراوغة والالتفاف، وليس أدل على ذلك «اتفاق مكة» الذي جرى بين محمود عباس «أبومازن»، وخالد مشعل بحضور العاهل السعودى الملك عبدالله «رحمة الله عليه» وفى البيت العتيق، ورغم ذلك كان الكذب والتدليس بنقض «اتفاق مكة»، والعودة مرة إلى اتفاق القاهرة، إلا أن الحاكم في تجميد ذلك الاتفاق كان مرتبطا بتعليمات من «طهران»، بدليل أنه قبيل ذهاب مشعل وأعضاء الحركة بالتوجه إلى القاهرة من دمشق بيومين رغم حصول وفد حماس على تأشيرات الدخول إلى القاهرة وحجز تذاكر الطيران.. إلا أن الجميع فوجئ بتأجيل السفر قبيل الاجتماع في القاهرة ب24 ساعة خاصة، وقد سبق ذلك جولات مكثفة جرت بين قادة حماس وقادة فتح في دمشق، لتجاوز الخلافات، انطلاقا للتوقيع النهائى على اتفاق القاهرة.. وكان ذلك بنهايات عام 2010، وانتهت تلك الجولات بتبادل الاتهامات بين الجانبين، إلا أن مصادر متعددة توافقت على أن حماس كانت المعطل والسبب الرئيسى في عدم إنجاز الاتفاق تحت دعاوى هاوية. المشهد التاسع وفى المشهد التاسع والتحول المتجدد دائما تفاجأ بتصريحات تجدد فيها حماس مؤخرا مواقفها من المصالحة، آخرها ما أطلقه «البردويل» عن تمسك حركته بالمصالحة الوطنية وتطبيقها كاملة وبشمولية، كما تم التوافق بين الفصائل الفلسطينية على رأسها حركتا حماس وفتح في مكةوالقاهرةوغزة.. دون الإعلان عن سبب تلك الدعوات والتصريحات ولماذا الآن؟.. هكذا كانت حماس وستظل دائما تستثمر الأزمات والمواقف للظهور في المشهد السياسي والمتمثل في الانتفاضة الجارية في الضفة الغربية من خلال توزيع الاتهامات على الجميع، بدءا من تحميل أبومازن المسئولية الكاملة على فشل عملية المصالحة، ومؤكدا في الوقت ذاته أن عهد الانتفاضة أنسب الأوقات لاستئناف المصالحة الوطنية. المشهد العاشر وفى هذا المشهد من التحول والتغير لمواقف الحركة التي جاءت كاشفة وجلية لحقيقة أهداف الحركة بافتعال أزمة اتسمت باستخدامها العنف ضد مصر وقيادتها السياسية، بل والتعدى على السفارة المصرية بدمشق على خلفية عملية «الجرف الصامد» والتي تعد أشرس عدوان إسرائيلى على قطاع غزة عقب قيام «كتائب القسام» بإطلاق صواريخها المعهودة على المستوطنات لتبدأ الأسطوانة المشروخة لفتح معبر رفح، والمزايدات في مسألة الحصار المفروض على قطاع غزة، وأن مصر هي المصدر الرئيسى لفرض الحصار على غزة على خلاف الحقيقة رغم أن هناك أكثر من خمسة معابر أخرى، ليصل حجم الاعتداء على الشعب المصرى والقيادة السياسية والجيش المصرى باتهامات باطلة بلغت أوجها في أعقاب ما يسمى بثورة «25 يناير» بعد أن وجهت قيادات حماس تهما مزورة بأن قياداتها كانت تتعرض لعمليات ضغط وربما تعذيب على أيدى أجهزة المخابرات المصرية لأثناء الحركة عن مواقفها وإرغامها على توقيع اتفاق القاهرة على خلاف الحقيقة والواقع، لينكشف المخطط الحمساوى مع جماعة الإخوان الإرهابية الأم في الاستيلاء على سيناء، ثم مشاركتها في الاستيلاء على السجون المصرية، وتهريب عناصرها وعناصر حزب الله، وهو ما ورد بشكل معلوماتى في قضية «التخابر» التي يحاكم فيها مرسي وأعوانه.