شهد العالم على مر السنوات القليلة الماضية أحداثا مؤسفة، ألقت بظلالها على كل تفاصيل الحياة، وأثرت سلبا في كل القطاعات، إذ تعرضت الكثير من المدن القديمة لأضرار شوهت مبان أثرية تمتاز بقيمة تاريخية ليس لبلد بعينه بل لصفحة كاملة من تاريخ البشرية 0 وتعانى بعض المواقع الأثرية حاليا من انتهاكات عنيفة واتساع رقعة التدمير في مواقع براقة في التاريخ الإنسانى، مما يسبب خسارة أبدية لمكونات التراث الحضاري والثقافي والطبيعي، مهددة بتدمير متزايد لا لأسباب تقليدية، وإنما نتيجة لأحوال سياسية واجتماعية واقتصادية متغيرة تزيد من خطورة الموقف، بما تحمله من عوامل أشد خطرا وأكثر فتكا. وحث المجتمع الدولي على حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة والحروب، ومساعدة الدول الإسلامية التي تعاني ظروفا ثقافية واجتماعية وسياسية حرجة كفلسطينوالعراق وسوريا واليمن، مما دفع (الإيسيسكو) المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إلى عقد اجتماع مشترك غدا الثلاثاء، بمقرها بالرباط بالمغرب، مع منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو"، للإعلان عن إطلاق يوم للتوعية بأهداف الحملة الدولية لحماية التراث والمنفذة تحت شعار "متحدون من أجل التراث"، حيث تتولى الإيسيسكو مهمة التعريف بالصورة الصحيحة للإسلام والثقافة الإسلامية، وتعمل على تشجيع الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان وتقوية التعاون بين الدول الأعضاء في هذه المجالات. و يستهدف الإعلان حملة لحماية التراث توعية مختلف شرائح المجتمع بأهمية التراث الثقافي والحضاري للإنسانية عامة، وللدول خاصة، وتعزيز دور وسائل الإعلام في التعريف بقضايا التراث الإنسانى وتشجيع منظمات المجتمع المدني على المساهمة في حماية الموروث الثقافي من عوامل التدمير وزيادة وعى الأفراد بأهميته 0 ودعوة منظمة الإيسيسكو - التي أنشئت في عام 198، وتضم 52 دولة - دول العالم للتضافر لحماية التراث الإنسانى من تدمير وتجريف، تنطلق من مسئوليتها للعناية بميادين التربية والعلوم والثقافة والاتصال بين االدول الإسلامية، حيث تعد جهازا إسلاميا دوليا يعمل ضمن أجهزة العمل الإسلامي المشترك، ومن إيمانها ومنظمة اليونسكو بأن قيمة الآثار لا تقف عند حد مشاهدة المكان فحسب وإنما تمتد لتمثل ذاكرة الشعوب الجمعية. ويأمل المتخصصون أن ينصب اللقاء المشترك بين منظمتي الإيسيسكو واليونسكو القادم على بذل جهود مضنية وحثيثة لمعرفة نقاط الضعف في الحملة وحذفها، وتحديد نقاط القوة ودعمها استجابة لمتطلبات الدول الإسلامية وفقا للمنظور الإسلامى، يأتى ذلك في الوقت الذي تعاني فيه الكثير من المواقع الأثرية المميزة في العالم العربي من هجمات تدميرية شرسة، ففي اليمن بات التراث الثقافي والحضاري ضحية الاقتتال بين الأطراف المتنازعة، حيث تعرضت مدينة صنعاء القديمة لانتهاكات تدميرية، وفي العراق قامت القوات الأمريكية بتدمير تراث ثقافي وحضاري لا مثيل له، وتعرض التراث الثقافي العراقى في مدينة نمرود للنهب والدمار، وقام تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) بتدمير مدينة الحضر وعدد من المواقع السياحية والاثرية في المدينة السورية القديمة 0 أما ما تقوم به إسرائيل في الأراضى الفلسطينيةالمحتلة من تدمير فإنه يحاول النيل من هويتها، حيث تمارس إسرائيل سياسة ممنهجة مقصودة لتصفية وجود المقدسات الإسلامية داخل الخط الأحمر، حيث قامت بسلسلة من الانتهاكات على الأوقاف والمقدسات الإسلامية من مقابر ومساجد، وكشفت تقارير الأوقاف الإسلامية الفلسطينية في هذا الصدد إلا أن هناك أجزاء من المسجد الأقصى معرضة للانهيار وبحاجة ماسة للترميم مثل الجدار الغربي للمتحف الإسلامى في الحرم القدسي الذي يقع أيضا قرب حائط البراق وكذلك الحائط الجنوبي للحرم القدسي الذي تأثر نتيجة الحفريات الإسرائيلية الجارية حاليا والقائمة تحت المسجد الأقصى وفى محيطه وخاصة في منطقة باب المغاربة. ويتمثل الخطر في رأى المتخصصين في وجود جمعيات يهودية متطرفة تخطط لهدم الأقصى المبارك ( كأمناء جبل الهيكل )، ( وجرشون سلمون ) اللتين قدمتا التماسا للمحكمة العليا الإسرائيلية لاستصدار قرار بمنع الأوقاف الإسلامية من أعمال الترميم التي تقوم بها في المسجد الأقصى وإسنادها ووضعها تحت إشراف سلطة الآثار الإسرائيلية. ليس هذا فقط بل والسماح أيضا للمتطرفين اليهود بالوصول إلى ساحة الحرم القدسي الشريف بحماية الشرطة الإسرائيلية، حيث قاموا بتحطيم أعمدة رخامية أثرية في ساحة المسجد الأقصى خلال جولتهم الاستفزازية في المسجد الأقصى، ولذا طالب علماء الآثار بضرورة الانتباه إلى جريمة تدمير التراث الحضاري والثقافي للشعب الفلسطيني التي تقوم بها إسرائيل نتيجة بناء جدار العزل العنصري في الضفة الغربية، حيث أظهرت الدراسات والتقارير التي أعدها علماء وبعثات الآثار أن منطقة القدس والسامرة تزخر بمواقع أثرية هامة، وأن الجدار الأسمنتى دمر عبر امتداده في هذه المناطق المواقع الحضارية الموجودة على امتدادها 0 ويرى المتخصصون ضرورة تحمل منظمة اليونسكو مسؤليتها تجاه ما تقوم به إسرائيل من تدمير المواقع الأثرية والتراثية في مدينه نابلس التاريخية، لأن ما قامت به اليونسكو غير كاف، ولا يرقى لمستوى الإدانة لهذه الجرائم البشعة بحق التراث الإنساني، خاصة وان إسرائيل تستغل الصمت الدولي لمواصلة جرائمها، مما الحق ضررا فادحا بالمزيد من المواقع الأثرية جراء بناء سور الفصل العنصري داخل الأراضى الفلسطينية، إضافة إلى ما أدت إليه الحفريات الإسرائيلية من انهيار جزء من المسجد الأقصى في عام 2004. ويطالب المتخصصون اليونسكو بإنشاء مركز للحفاظ على التراث الثقافي في القدس وباقي المدن الفلسطينية الأخرى المهددة بتدمير آثارها وتراثها الإنسانى والحضاري نتيجة للعدوان الإسرائيلى المستمر عليها، وقيام الأمانة العامة – إدارة فلسطين – قسم القدس بالتنسيق مع كل المنظمات والاتحادات المعنية أو المتخصصة، ومع الدول العربية لإجراء الاتصالات اللازمة بمنظمة اليونسكو لإقامة مؤتمر عن مدينة القدس من الناحية التراثية والأثرية، إضافة إلى باقي المدن الفلسطينية المعرض تراثها الإنسانى للتدمير. ونبه المتخصصون إلى خطورة التحركات الإسرائيلية التي باتت عضوا في اليونسكو منذ 15 عاما، والجهد الذي تبذله في لجنة التراث العالمي لدعم وجهة نظرها ومحاولاتها المستمرة لاغتصاب المواقع الأثرية الفلسطينية ونسبتها إليها مثلما ما حدث لموقع جبل الزيتون ومحاولاتها شطب مدينة القدس من قائمة التراث العالمي، وهناك بالدلائل العلمية والقانونية طبيعة الممارسات الإجرامية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى ومخالفتها للاتفاقيات الدولية، وخاصة اتفاقية لاهاي الموقعة عام 1954، والمتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاع المسلح، واتفاقية جنيف لعام 1949، ومؤتمر التنقيب عن الآثار عام 1956، والاتفاقية الدولية لحماية التراث الحضاري والطبيعي في عام 1972، وقرار مجلس الأمن رقم 681 الذي نص على أن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة تطبق كذلك على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة بما فيها مدينة القدس الشريف وتتبنى منظمة الإيسيسكو " مشروع لضمانة دولية لحماية المسجد الأقصى " من خلال إعداد ملف وثائقي حول اعتداءات سلطة الاحتلال الإسرائيلى على المسجد الأقصى لرفعه إلى الهيئات القضائية الدولية لتوفير الحماية الدولية لدى اليونسكو لمواصلة جهودها ومسؤليتها تجاه اتخاذ الإجراءات الضرورية للحفاظ على التراث الإنساني والحضاري لمدينة القدس وترميم وصيانة الآثار الفلسطينية. ولم تقتصر عمليات التخريب والتدمير على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة فقط، بل أيضا ظهرت إبان الغزو الأمريكى للعراق في عام 2003 حيث خربت بعض أروقة، وقاعات المتحف الوطني العراقى، وهشمت العديد من الغرف الزجاجية وسُرق ما بداخلها من قطع أثرية تعود إلى عصور مختلفة، وسرقت من الواجهة الزجاجية تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك، وفى المكان ذاته توجد " مسلة حمورابي " لم تمتد إليها يد النهب، فهي نسخة جبسية منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في متحف اللوفر الفرنسي، ومن حسن الحظ أن معظم القطع التي كانت معروضة في المتحف وضعت في مكان آمن قبل نشوب الحرب، غير أن ذلك لم يحل دون وصول اللصوص إلى بعضها، وهناك 33 قطعة مفقودة من القطع الأثرية المهمة جدا، إضافة إلى قطع تحتاج لترميم مثل إناء الوركاء النذري الذي يعود تاريخه إلى نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد وكل، الآثار ليست هي إرث للعراق فحسب بل للبشرية جمعاء.