تسمى أكثر من مدينة فى سويسرا على اسم القديس موريس قائد الكتيبة الطيبية نسبة إلى طيبة، وهو اسم محافظة الأقصر القديمة، كما تقيم سويسرا وعدد من مدن أوروبا تماثيل للقديسة فيرينا ممرضة هذه الكتيبة، وفى مصر احتفلت كنيسة السيدة العذراء بالأقصر فى القداس الإلهى بعيد استشهاد القديس موريس قائد الكتيبة الطيبية، وكان نيافة الأنبا يوساب الأسقف العام للأقصر قد قام بتطييب الرفات المقدسة. (يذكر أن رفات القديس الأقصرى كانت قد عادت إلى مصر بعد 17 قرنا من الزمان منذ خروج الفرقة الطبية التى كان قوامها 6600 جندي) لإخماد الثورات ضد الإمبراطورية الرومانية فى أوروبا وعلى حدود سويسراوألمانياوفرنساوإيطاليا إبان القرن الثالث الميلادى. وقد تباركت أرض طيبة (الأقصر) عامة وكاتدرائية العذراء مريم خاصة بالرفات المقدسة قادمة من ديره بسويسرا فى 24 فبراير 2010م فى عهد قداسة البابا شنودة الثالث كما احتفلت كنيستنا القبطية بسويسرا بعيد شفيعها القديس موريس قائد الكتيبة الطيبية، وذلك بالكنيسة التى تحمل اسمه بجنيف. وصلى نيافة الأنبا لوقا أسقف جنوبفرنسا والقطاع الفرنسى من سويسرا القداس الإلهى، وتكشف قصة هذه الكتيبة تاريخ علاقة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بسويسرا ووسط أوروبا والتى تعود إلى نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع الميلادى عندما أمر الإمبراطور دقلديانس (284 - 305) بنقل الفرقة الطيبية تحت رئاسة القائد المصرى موريس إلى جنوب غرب سويسرا لتعزيز خط الدفاع الممتد من شمال إيطاليا عبر جبال الألب إلى محافظة فاليس، ومنها طوال نهر «الآر» بوسط سويسرا، ثم نهر الراين حتى شمال ألمانيا. كان من أهم أهداف نقل هذه الكتيبة هو المشاركة فى إحباط ثورة شعب الباجود التى اندلعت بجنوب شرق فرنسا ضد الحكم الرومانى فى هذا الحين، وكانت تحت زعامة الضابطين أما ندوس وإليانوس (285 286 ). كانت هذه الفرقة تحت قيادة: القائد العام موريس (وهذا الاسم يعنى الضابط الصعيدى)، والضبّاط العظام فكتور (أى بقطر )، وأورسوس (يتكون هذا الاسم من ثلاثة مقاطع هيروغليفية ويعنى حورس ابن إيزيس) وفقا للعرف والتقليد المعمول به فى الفرق العسكرية بالإمبراطورية الرومانية فى ذلك الحين كان من المسموح لكبار القادة اصطحاب إحدى إناث أسرهم مثل الزوجة أو الأخت، وذلك حتى تكفل له وسائل الراحة أثناء فترات تغيبهم فى الحروب الطويلة. عملا بتلك القواعد المعمول بها اصطحب بعض كبار قادة الفرقة الطيبية إناثًا من أسرهم مثل القديسة ريجولا، شقيقة القديس فيلكس، شهداء وشفاع مدينة زيورخ إلى يومنا هذا، القديسة فيرينا التى يعنى اسمها القبطى الفرعونى الأصل (ثمرة المدينة)..إلخ. أمر الإمبراطور مكسيميان، إمبراطور النصف الغربى من الإمبراطورية الرومانية المترامية الأطراف (285 - 305)، شريك الإمبراطور دقلديانوس (284 - 305)، حاكم القسم الشرقى بتوزيع كتائب الفرقة الطيبية طوال خط الدفاع المذكور آنفًا. التمسك بالعقيدة.. واستشهاد الجنود رفض أعضاء الفرقة بعزم وتصميم قاطع تقديم القرابين لآلهة روما الوثنية وفقا للشعائر المعمول بها فى ذلك الحين، مما أثار غضب الإمبراطور مكسيميان الذى اعتبر ذلك تمردا وعصيانا، فأمر بتعذيب أعضاء الفرقة، وإعدام عُشر أبنائها حتى يرضخوا لأوامره ويقدموا القرابين للآلهة الوثنية. بعكس المتوقع، لم يثنِ هذا التعذيب الرهيب أيًا من أبناء الفرقة عن تمسكه الراسخ بدينه وإيمانه العميق. كما أكد قائد الفرقة موريس أيضا آيات الطاعة والولاء للإمبراطور بشرط ألا يتعارض ذلك مع دينهم وإيمانهم المسيحى. إزاء تمسك أعضاء الفرقة بتعاليم دينهم ورفضهم المتكرر أداء الشعائر الوثنية، أمر الإمبراطور مكسيميان بتكرار التعذيب واستمرار إعدام عشر المتبقين من أعضاء الفرقة حتى يحيدوا عن تمسكهم، ولكن دون جدوى، وسرعان ما اجتاحت هذه الموجة العارمة جميع المدن والمعسكرات التى كانت تقطنها كتائب الفرقة الطيبية حتى استشهدت الفرقة بأكملها. ومن فرط تعلق الأوروبيين وانبهارهم بشجاعة المصريين نسبوا لهم العديد من الأساطير والخوارق وأشهرها قيامة شهداء زيورخ فيلكس وريجولا وإكسيوبيرانتيوس بعد قطع رؤوسهم ومسيرتهم إلى التل المجاور على علو 26 مترا وكل منهم حاملا رأسه على كف يده ثم الركوع والصلاة فى هذا المكان الذى شيدت عليه قديما كنيسة مدينة زيورخ الرئيسية تكريما لهم، وهى الكنيسة التى ما زالت تعد كنيسة المدينة الرسمية حتى اليوم. جدير بالذكر فى هذا الشأن أن هذه المعجزة توجد ممثلة على ختم برلمان وحكومة مدينة ومحافظة زيورخ منذ فجر التاريخ حتى الآن. كانت هذه المعجزات بمثابة نقطة التحول فى تاريخ العبادة فى أنحاء هذه المناطق بوسط أوروبا. فلا عجب أن نجد اليوم أبناء هذه الفرقة وشهداءها بين أشهر قديسى شمال إيطالياوسويسرا وغرب ألمانيا، وشفعاء لعشرات المدن فى هذه المناطق، كما تمتع هؤلاء الشهداء الأجلاء بعظيم التبجيل والتكريم طوال العصور حتى اليوم. إن سكان هذه البلاد ما زالوا يحتفلون بذكرى استشهادهم فى عطلات رسمية مخصصة لتكريم هذه الذكرى العطرة، مثل عيد القديس موريس بالمدينة التى تحمل اسمه بمحافظة فاليس (جنوب غرب سويسرا)، وبمحافظة آبنسل أينر رودن (شرق سويسرا)، أو عيد القديسة فيرينا يوم أول سبتمبر بمدينة تسورساخ بمحافظة آرجاو (شمال سويسرا) وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن عدد الكنائس المكرمة باسم القديس موريس فى ألمانيا فقط قد بلغ 114 كنيسة حتى اليوم. القدّيسة فيرينا.. صاحبة الفلاّية الفرعونية نشأت بقرية جراجوس بالقرب من طيبة (الأقصر) وبعد استشهاد أفراد الكتيبة الطيبية لم ترجع فيرينا إلى مصر ولكنها ذهبت إلى سولوتورن بسويسرا وسارت فى اتجاه جبال الألب السويسرية واعتكفت فى كهف ضيق بشمال سويسرا «الحدود بين ألمانياوسويسرا» مع مجموعة من العذارى اللائى قدمن معها من مصر، وكانت فيرينا تجيد حياكة الملابس وتطريزها فساعدتها امرأة عجوز كانت تسكن بجوار كهفها على بيع عمل يديها وشراء الطعام ولوازم الحياة لها ولكل العذارى معها، وبدأ الأهالى يتعرفون عليها تدريجياً وبدأت فيرينا تتعلم لغتهم حتى أجادتها إجادة تامة. وكانت القديسة فيرينا تخدم سكان المنطقة من خلال معرفتها بالتمريض ودرايتها بفوائد بعض الأعشاب، واستخدامها كعقاقير لأمراض كثيرة، وعلمتهم النظافة الجسدية بالاغتسال بالماء مصحوبة بصلاة حارة من أجل شفاء جميع الأمراض، وقد توافد عليها بعض القريبين من الكهف الذى تعيش فيه، وكانت القبائل الجرمانية التى تعيش فى هذه المنطقة لاتزال تعبد الأصنام وتشيد تماثيل متعددة للآلهة، ولكنهم بعد أن رأوا فيرينا وإيمانها بدأوا يتطلعون إلى معرفة إلهها، فعملت هى والعذارى على نشر تعاليم إيمانها المسيحى فى تلك المنطقة. لاحظت فيرينا جهل السكان بالمبادئ الأساسية للنظافة والقواعد الصحية، فقامت بدور المعلم فى البلدة، وعلمت أهل سويسرا النظافة الجسدية والطهارة وتسريح الشعر والاستحمام والاهتمام بالنفس، وعُرفت بينهم ب «صاحبة الفلاية الفرعونية»، حيث استخدمت موروثها الفرعونى فى مجال النظافة ونشرت بينهم ثقافة استخدام المشط المزدوج «الفلاية»، لتصفيف شعورهم، وقتل حشرات الرأس كما نشرت بين الفتيات السويسريات ثقافة المحافظة على عفتهن. استثمرت فيرينا خبرتها الطبية فى علاج المرضى، فكانت تعلم أسس التمريض وفوائد استخدام الأعشاب وعمل العقاقير منها، واعتبروها شفيعة للمرضى لأنها عالجت مرضى الجذام. لم يكن مصدر رزقها يعتمد على التمريض، فهى قامت بتلك الأعمال الخدمية طواعية دون مقابل، لكنها اعتمدت على خبرتها فى حياكة الملابس وعلمها بفن التطريز. توفيت فيرينا فى الأول من سبتمبر عام 320 ميلادية، عن عمر يناهز 64 سنة، ويعتبر الشعب السويسرى هذا اليوم عطلة رسمية، يخلدون فيه ذكراها ويحتفلون بإقامة المعارض والحفلات الموسيقية وزيارة الأماكن المقدسة. تُرسم أيقونة القديسة فيرينا وهى تحمل مشطًا وجرة ماء فى يديها وهذا للدلالة على طبيعة خدمتها والعمل التى كانت تقوم به. بنيت فوق المكان الذى دُفنت فيه رفاتها كنيسة فى مدينة تمبورتاخ بسويسرا، وعند منتصف الجسر المقام على نهر الراين بين سويسراوألمانيا يوجد لها تمثال وهى تحمل جرة بها ماء، ويبلغ عدد الكنائس التى تحمل اسمها فى سويسرا وحدها 70 كنيسة وفى ألمانيا 30 كنيسة. فى عام 1986 أحضر وفد من كنيسة القديسة فيرينا بزيورخ بسويسرا جزءًا من رفات القديسة فيرينا لمصر، وفى 22 فبراير 1994 قام قداسة البابا شنودة الثالث بتدشين كنيسة القديس موريس والقديسة فيرينا بمبنى أسقفية الخدمات بالأنبا رويس، وفى 1 سبتمبر 2012 قام الأب أرسانيوس بإحضار جزء من رفات القديسة فيرينا من سويسرا.