من أروقة أندية أولاد الذوات خرجت القصص المثيرة التى تروى بطولات المخابرات العامة فى اصطياد الجواسيس المختبئين بين صفوف الطبقة الراقية ممن يوصفون ب «كريمة المجتمع». لعل أشهر تلك القصص، هى التى تخص إحدى الفتيات التى تم التقاطها والتمهيد لتجنيدها بمعرفة الموساد الإسرائيلى من داخل نادى الجزيرة، وغيرها مثل المدلك الذى تخصص فى العلاج الطبيعى وكان وجوده بالنادى الأهلى جواز مرور إلى منزل الرئيس السادات. تفاصيل بطولات ضباط المخابرات فى حرب العقول حفزت على سردها احتفاء بمن أوقعوا شبكات التجسس والعمالة. ذات ليلة من صيف عام 2009، أجريت مقابلة صحفية مع السفير فخرى عثمان فى نادى الدبلوماسيين بوسط القاهرة، وهو أحد الذين شاركوا فى إدارة حلقة مهمة من مسلسل صراع العقول بين المخابرات العامة المصرية والموساد الإسرائيلى، كشف لى خلال اللقاء أسرار وكواليس قصة القبض على الحسناء الصعيدية التى عملت لحساب إسرائيل فى أصعب وأخطر لحظات التاريخ التى سبقت حرب السادس من أكتوبر 1973. شاءت الأقدار أن يعرف الرجل بحكم موقعه الوظيفى جميع التفاصيل الخاصة بالفتاة، وقت أن كان يعمل قنصلا بسفارة مصر فى باريس، تعرف عليها وكانت ترتاد منزله وتعلقت بنجله الطفل «أحمد». الفتاة التى تحولت قصتها مع التجسس إلى فيلم سينمائى «الصعود إلى الهاوية» قامت ببطولته الفنانة مديحة كامل، اسمها الحقيقى «هبة عبدالرحمن سليم عامر»، ينتمى والدها لعائلة «العوامر» الشهيرة فى محافظة أسيوط. كان الأب يعمل بإحدى الوظائف العليا فى القطاع المالى بالمجلس الأعلى للشباب والرياضة، وبحكم الثراء الأسرى الموروث حصل على عضوية نادى أولاد الذوات «الجزيرة» المجاور لإقامته، حيث كان يقطن فى منطقة المهندسين الراقية. فى نادى الجزيرة لفتت الفتاة الجميلة الأنيقة أنظار الكثيرين من أبناء النادى منذ أن كانت تلميذة فى المرحلة الثانوية بإحدى مدارس اللغات، بعد ذلك التحقت بكلية الآداب جامعة القاهرة لدراسة اللغة الفرنسية. فى تلك الأثناء ارتبطت بعلاقة عاطفية مع ضابط اسمه «فاروق الفقى»، كانا يلتقيان سويا فى النادى بصفة يومية يقضيان الساعات الطويلة فى استدعاء الخيال لمستقبل قادم فى بيت يضمهما. مع نهاية الدراسة الجامعية والاستعداد للدخول فى خطوات الزواج، التقطها مدرس يهودى فرنسى، كان يقوم بالتدريس فى قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب. لفت نظره إليها ذكاؤها الشديد وحكايات زميلاتها عن قدراتها فى جذب الشباب إليها، اقترب منها الأستاذ وشجعها على استكمال دراستها، أوعز لها بقدرته على مساعدتها فى الحصول على بعثة دراسية فى جامعة «السوربون» والحصول على الدكتوراه. عاشت «هبة» لحظات صراع نفسى وتشتت فكرها ما بين إرضاء رغبة أسرتها الصعيدية بالزواج وطموحاتها الشخصية والاستمتاع بالحياة فى باريس بلد الموضة والحرية. طلبت من والدها السفر إلى باريس، لكنه اعترض لأسباب كثيرة روتها بنفسها للسفير «فخرى عثمان»، منها التقاليد الصعيدية الراسخة فى عقلية الرجل الصعيدى التى لا تسمح باغتراب الفتاة عن أهلها فى تلك المرحلة العمرية الحرجة، إلى جانب القلق من عدم الزواج. بعد إلحاح منها عرض الأب رغبة ابنته على نائب دائرته الصعيدية فى ذلك الوقت، فأقنعه النائب بتحقيق رغبتها اعتمادا على ابنه الذى يعيش فى فرنسا مع أسرته، فكان ابنه متزوجا من حفيدة الاقتصادى الأشهر «طلعت باشا حرب»، ويشغل منصب مدير مكتب شركة النصر للتصدير والاستيراد فى باريس. بالفعل سافرت هبة سليم إلى باريس ونزلت ضيفة على أسرة بلدياتها فى إحدى البنايات التى يقيم بها قنصل مصر السفير فخرى عثمان، وكان من الطبيعى أن تتعرف على الأسر المصرية فى نفس البناية ومنهم أسرة الدبلوماسى، ومن كثرة ترددها على منزله، تعلقت بابنه الصغير «أحمد». فى تلك الأثناء كانت الفتاة الحسناء تشارك فى جميع الفعاليات العربية التى تقام فى فرنسا، لفضح الكيان الصهيونى، إلى جانب قيامها بتنظيم الندوات لحشد الطاقات المناهضة للاحتلال والمحرضة على ضرورة تحرير الأرض من الكيان المغتصب، كانت هذه هى الصورة التى تكونت عن الفتاة فى أوساط المصريين، إلى أن ارتبطت بصداقة مع فتاة يهودية بولندية من خلال الزمالة فى الجامعة والإقامة فى سكن المغتربات، قادتها تلك الصداقة لحضور لقاءات مع شخصيات أخرى تنتمى للموساد الإسرائيلى، على أثر ذلك ندرت زياراتها لبيت أسرة بلدياتها المقابل لسكن القنصل المصرى فى نفس البناية. أقنعوها بعدم قدرة مصر على الحرب ومواجهة إسرائيل القوة العسكرية التى لا تقهر، بحثوا لها عن عمل بمقابل سخى، وتبنت تحت دعوى الخوف على بلادها الترويج لفكرة عدم الحرب، وبالتدريج وجدت نفسها تدور فى فلك الجاسوسية، وتم تكليفها بصورة مباشرة بالتقرب إلى الضابط المغرم بها مرة أخرى، فقد كان هو جزءًا من أسباب تجنيدها وإقناعها بالسفر إلى باريس بمعرفة المدرس اليهودى بجامعة القاهرة. على أثر ذلك ترددت كثيرا على نادى الجزيرة فى زياراتها المتكررة إلى مصر، فحصلت من الضابط الولهان الذى كان يتباهى أمامها بوجوده فى مكان حساس على المعلومات المهمة لصالح إسرائيل، وسرعان ما أغوته تحت تأثير الحب والوعد بالزواج بالعمل معها والحصول على مقابل ما يقدمه من معلومات وخرائط لمواقع عسكرية. لم يكن الضابط فاروق الفقى الذى يحمل رتبة رائد بحاجة إلى التفكير فوقع تحت تأثير وإغراءات الحبيبة التى عششت فى قلبه وعقله. سقط الضابط العاشق فى بئر الخيانة، وصار بإرادته الكاملة عميلًا للموساد، تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية، موضحًا عليها أماكن حوائط الصواريخ المضادة للطائرات التى كان يتم بناؤها، فكانت تدمر أولًا بأول قبل أن تجف الخرسانة المستخدمة فى البناء. الأمر الذى دعا لتوسيع دائرة الرصد لعدد من العاملين فى تلك المواقع وتتبع اتصالاتهم ومراسلاتهم ومراقبة مساعديهم ومديري مكاتبهم. وكل من يحيط بهم مهما صغرت أو كبرت رتبتهم. فى تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض فى باريس. وعرفت الخمر والسهر والتدخين وعاشت الحياة الأوروبية بكل تفاصيلها. دون دراية بأن المخابرات العامة والحربية يسابق ضباطها الزمن للوصول إلى الحقيقة. فقد اكتشفت المخابرات العامة خطابًا مرسلًا لفتاة مصرية تقيم فى باريس، ويتضمن نجاحه فى تركيب «إيريال» على سطح إحدى العمارات بمدينة نصر، وبالفعل تم التوصل لجهاز الإرسال المتصل بال«إيريال»، وكانت المفاجأة أن الشقة تخص الضابط الذى تم استبعاده من دائرة الشبهات. وتم الاتصال باللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية الذى أخطر الفريق أول وقتها أحمد إسماعيل وزير الحربية. الذى وضع الأمر تحت تصرف الرئيس السادات فيما يخص الفتاة. فى بدايات عام 1971 وبعد نجاح ثورة الفاتح من سبتمبر فى ليبيا، أوفدت الحكومة المصرية «عبدالرحمن سليم عامر» والد هبة إلى طرابلس للمساهمة فى تكوين مؤسسات الدولة الليبية، وأوكل إليه إنشاء نظام إدارى ومالى للشباب والرياضة.كما شاءت الأقدار ذاتها أن ينتهى عمل القنصل المصرى فى باريس، وكلف للقيام بمهامه الدبلوماسية فى ليبيا التى انتقل إليها بأسرته. عندما اقترب موعد العبور، استدعى الرئيس السادات اللواء حسن عبدالغنى من المخابرات العامة، ومنحه صلاحيات رئيس الجمهورية فى مهمة القبض على الجاسوسة الحسناء بعد القبض على الضابط فاروق الفقى، وطلب منه إنهاء المهمة فى غضون أيام قليلة، فتوجه مع ضابط زميل له فى الجهاز إلى ليبيا تحت ستار العمل فى البيزنس، التقيا مع السفير فخرى عثمان، ودار حديث حول المصريين فى باريس، وعلما منه أنه يعرف الكثير من التفاصيل عن هبة، فقد كانت الصورة الذهنية عنها متوقفة عند الجانب النضالى، والمشاركة فى الفعاليات المناصرة لبلدها منذ أن كان يقيم فى باريس لا يعرف ما الذى جرى بعد انتقاله إلى طرابلس. أدار الدبلوماسى مباراة ذهنية مع الموساد استمرت 72 ساعة عبر الهاتف عندما أخبرها أن والدها يمر بوعكة ونجحت الاتصالات فى إقناعها بزيارته وسيكون هو بنفسه فى استقبالها بمطار طرابلس. بعيدا عن الاستطراد فى بقية التفاصيل الخاصة بفاتنة نادى الجزيرة، تم القبض عليها وأعدمت وحزنت عليها جولدا مائير التى قالت فى اجتماع مصغر لحكومة الحرب أثناء استقبالها فى تل أبيب إن هبة قدمت لإسرائيل ما لم يقدمه قادتها الأوائل. أما الجاسوس الآخر فهو على خليل العطفى الذى أوكلت إليه من الموساد مهام الانطلاق من داخل النادى الأهلى ليكون بوابة لدخول القصر الرئاسى فى عهد الرئيس أنور السادات. سيرة العطفى من واقع ملفات محاكمته تقول إنه لم يحصل على القدر الكافى من التعليم عمل صبى بقال فى حى السيدة زينب، ثم عاملًا فى أحد الأفران، ثم عاملًا فى إحدى الصيدليات، ثم انتهى به المطاف للعمل فى مهنة مدلّك، وكانت مهنة غير منتشرة فى ذلك الوقت، ولا يهتم بها سوى الطبقة الأرستقراطية. داخل أحد الأندية الصحية التى عمل بها التقطه يهودى يحمل الجنسية الأمريكية، بعد أن تعرف عليه ووعده بالسفر إلى أمريكا للحصول على دورات فى العلاج الطبيعى، وبالفعل سافر عام 1963 ومن هناك سافر إلى هولندا واستطاع الحصول على شهادات عليا مزورة بمساعدة من رجال الموساد فى سفارة إسرائيل فى أمستردام، وعقب زواجه من هولندية حصل على جنسية بلدها، وأصبح هذا مبررا لسفرياته الكثيرة التى كانت تتم كغطاء لنشاطه. بعد عودته ارتبط العطفى من خلال عمله بشبكة علاقات قوية بكبار المسئولين فى مصر، وكان فى مقدمة أصدقائه السيد كمال حسن على أحد من تولوا رئاسة جهاز المخابرات العامة المصرية، ورئاسة الوزراء فى مصر، وعثمان أحمد عثمان صهر السادات وقتها كشفت التحقيقات التى أجريت مع العطفى، أنه هو الذى سعى إلى المخابرات الإسرائيلية بنفسه عن طريق سفارتهم فى هولندا، وتبين لرجال الموساد أنه شخص ليس له عزيز، وصديقه الوحيد فى الدنيا هو المال، وليس له أى انتماء لوطنه ولا يتقيد بأى مبدأ. بعد عودته للقاهرة راج اسمه بحملة دعائية كبيرة باعتباره متخصصا فى العلاج الطبيعى، وهو أحدث التخصصات الطبية ثم بدأوا فى إمداده بالكريمات والأدوية ودعوته للمؤتمرات العلمية، ليصبح قريبا من دوائر صنع القرار، فى أعقاب ذلك تم اكتشافه والقبض عليه بعد أن مد الموساد بمعلومات من داخل القصر الرئاسى. ضمن سلسلة أساليب التجسس الإسرائيلى داخل مصر واختيارها للعناصر البعيدة عن دائرة الشبهات خاصة فى الأندية الكبرى، تم التقاط لاعبة كرة اليد بنادى الزمالك نجلاء إبراهيم لمساعدة الموساد فى تقديم معلومات تجسسية، خاصة أنها تعمل مديرة علاقات عامة بإحدى شركات السياحة، القضية تورط فيها أحد العاملين فى جهة مهمة. استطاعت لاعبة كرة اليد تجنيد صديق لها من داخل نادى الزمالك، وهو لاعب كرة يد أيضا ليساعدها فى هذه العمليات المشبوهة وكوَّن الثلاثة معا شبكة للتجسس نشاطها يقوم على تهريب السائحين الأجانب إلى إسرائيل عبر الحدود المصرية عن طريق المنافذ والدروب الجبلية عند مدينة رفح. وكانت الصدفة وحدها هى السبب وراء كشفها، حيث بدأت الحكاية عندما تم تقديم بلاغ باختفاء 16 سائحا يحملون الجنسية الصينية فى الجبال والدروب بمدينة رفح، أثناء عمل رحلة سفارى سياحية، وأكدت التحريات أن هؤلاء السائحين اختفوا عند الحدود المصرية الشرقية التى عبروها إلى داخل إسرائيل. وقادت التحقيقات مع الشركة المسئولة، إلى التوصل إلى مديرة العلاقات العامة وبمجرد استدعائها واتهامها بتهريب السائحين الصينيين إلى حدود إسرائيل اعترفت تفصيليًا بكيفية عمليات التهريب والاتصال بالجانب الإسرائيلى لتسهيل هذه العملية عبر الدروب والجبال من رفح إلى اسرائيل مقابل 1800 دولار على الشخص الواحد.