وجهت أجهزة الأمن ضربة قاضية لجماعة الإخوان المسلمين ومساعيها للعودة مجددًا للسلطة، أو ما يطلقون عليه الرئيس الشرعي للبلاد، بعد القبض على الدكتور حسام أبو بكر الصديق عضو مكتب الإرشاد السابق وأحد صقور الجماعة، والدكتور جهاد الحداد المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين، بشكل صعّد من الضغوط على الجماعة، وحرمها من جهود قياديين بارزين في هذا التوقيت الحرج، مما له من تداعيات مربكة على الجماعة خلال المرحلة القادمة. وتعود أهمية القبض على أبو بكر، وهو أحد القلائل من أعضاء مكتب الإرشاد الذين لم تستطع أجهزة الأمن تحديد وجهته، إلا منذ ساعات، إلى أنه كان من اللاعبين المؤثرين في اتخاذ الجماعة قرار التصعيد مع الدولة، بعد إطاحة الجيش بالرئيس المعزول محمد مرسي، هو والدكتور محيي حامد المستشار السابق للرئيس المعزول محمد مرسي، بعد أن كان هناك تيار يميل إلى الحوار والمهادنة مع الدولة، ومحاولة جني أكبر مكاسب من الدولة بعد الإطاحة بمرسي، وهو التيار الذي كان يمثّله الدكتور محمد علي بشر وزير التنمية المحلية السابق. ولا تقل أهمية المتحدث الرسمي باسم الجماعة جهاد الحداد، عن سابقه، فقد تحوّل الأخير الذي ينتسب إلى عائلة إخوانية عريقة أخرجت كلًّا من عصام الحداد مساعد وزير الخارجية السابق، ومدحت الحداد رئيس المكتب الإداري للجماعة بالإسكندرية، وغيرهما من رموز الجماعة المنحدرة من العائلة، فضلًا عن أنه تحوّل إلى واجهة إعلامية تحاول غسل وتبييض وجه الجماعة أمام أجهزة الميديا الدولية. ولا تقف خسائر الجماعة من إلقاء القبض على الحداد وأبو بكر عند هذا الحد، فالاثنان كانا يمثّلان محورًا مهمًّا لصناعة القرار داخل الجماعة، بعد نجاح أجهزة الأمن في وضع قيادات الجماعة في السجن كافّةً، ومن بينهم عاكف وبديع والشاطر والبيومي والكتاتني والبلتاجي، وباقي أعضاء مكتب الإرشاد، حيث لم يعد أحد من رموز الجماعة خارج السجن، باستثناء العريان وغزلان وعبد العظيم الشرقاوي وجمال حشمت، ناهيك بالصفوف الثانية والثالثة. ويهدّد هذا الأمر بأزمة شديد داخل دوائر صنع القرار بالجماعة، كما يؤكد الدكتور عمار علي حسن الخبير في شئون الجماعات الإسلامية، حيث يرى أن هذه الضربة ستكون مؤثّرة، فالصديق والحداد يُعدّان من الصفوف الأولى والثانية للتيار القطبي المسيطر على القرار داخل الجماعة، وهما كانا يمثّلان حلقة الوصل بين القادة والكوادر في الشارع بعد أن نجحت الضربات الأمنية في خلق صعوبة في دوائر صنع القرار التقليدي داخل الجماعة. وتوابع هذه الضربة ستؤدّي إلى نوع من الارتباك والقلق داخل الجماعة، لغياب العقول القادرة على اتخاذ القرار في هذه الحقبة المهمة، بل إنها قد تؤدّي إلى انهيار قدرة الجماعة على الحشد وإصابة تظاهرات التحالف بالضربة القاضية، نتيجة وجود صناع القرار في السجن ومطاردة أجهزة الأمن، مما سيحوّل الجماعة إلى جسد دون عقل. وأيّد وجهة النظر هذه الشيخ نبيل نعيم القيادي البارز في جماعة الجهاد، حيث رأى أن إلقاء القبض على أبو بكر والحداد قد سدّد رصاصة الرحمة على محاولات الجماعة إيجاد نوع من التوازن مع الدولة عبر مساعيها الأخيرة لشل المرافق وتعطيل الإنتاج. واعتبر أن الجماعة تعاني مأزقًا تاريخيًّا ينذر بنهايتها، معتبرًا أن أسلوب السمع والطاعة الذي ربّت عليه الجماعة كوادرها، سيجعل خسائرها من السقوط المتتالي لكوادرها كارثيًّا، لا سيما أن هناك فشلًا في القدرة على الخلق والإبداع والكوادر الإخوانية في الشارع تنتظر التعليمات، وبالتالي ستعزّز حالة التشتت التي تعاني منها الجماعة وستصب قدرتها على الحشد في مقتل. وجهتا نظر الدكتور حسن والشيخ نبيل نعيم لم تجد رغم وجاهتهما آذانًا صاغية لدى الدكتور طارق فهمي أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، والذي أقر بصعوبة الوضع داخل الإخوان إثر الضربات الأمنية المتتالية وضعف قدرتها على الحشد، إلا أن لهذه الأزمة وجهًا إيجابيًّا، فغياب القيادات من الصف الأول والثاني قد يفرز قيادات مدنية من الصفّين الثالث والرابع غير معروفة للأمن وأجهزة الدولة، بشكل يقلل من خسائر الجماعة من سقوط أبو بكر والحداد. وقال إن تجربة الاعتماد على الصفَّين الثالث والرابع هي الخيار الوحيد للجماعة، فقد سبق أن لجأت إليها في انتخابات 2000 و2005، وأنتجت في الأولى 17 نائبًا و88 نائبًا في الثانية، وهو أمر قد تلجأ إليه الجماعة خلال الفترة المقبلة للخروج من المأزق، وتأمين قدرتها على الحشد، وهو أمر قد لا يحقّق نتائجه.