استوقفتنا الصدفة البحتة أمام مقشته وصندوق قمامته الخاص، وهيئته التي أخبرتنا بأنه شريف من أشراف عمال النظافة، تلك الفئة التي اهينت أيما إهانة، سواء في تصريحات الكبار، أو بمرتبات الحكومة التي حولتهم من عمال كرام لأصحاب حاجات ومساكين كهول تسابقت أتربة الأرصفة والهموم على رسم ملامح وجوههم التي احتلتها التجاعيد، فاقرأ تفاصيل وجع "داوود سليمان داوود". نعم الصدفة وحدها ولا سواها جعلتني أتقدم نحوه لأستدل منه على أحد العناوين، ولكن متي احتفظت الدموع بالأسرار؟ فجفون الرجل التي تلونت باللون الأحمر وماء العين الهارب من ذكرى الوجع فضحا ما كان يعزم "داوود" على التستر عليه من أوجاع. تناسينا السؤال عن المكان وقتلنا الفضول لفك الشفرات وأبدلنا السؤال عن المكان ب "مالك يا حج" " واذا بالكلمات تصمت ليبدأ حديث الأهات.. عامل نظافة على قيد الكريم "شغال على دراعي" لتنظيف شوارع الأحياء الراقية، كنت اعمل بشركة نظافة ولكن تم فصلي بعدما "وقف الحال" بعد الثورة، اشتريت مقشة وصندوق وبدأت انزل اشتغل مع نفسي، انظف شارع شارع واللي يقسم به ربنا هو اللي برجع به، واحد ماشي يعطي جنيه وآخر ينزل من بيته ب5 وغيرهم يتفرج وما يعطيش. ولأن للدموع أسرارًا لذا انفكت شفرات دمعات الرجل الذي فضفض بتفاصيل ما يعانيه من ألم، بعد الحاح منا، فهو أب لأربع بنات وولدين، توفي أحد الولدين بعد معاناة مع المرض وبعد أن فشل أبيه في علاجه بمستشفي خاص، فاضطر اسفا للتضحيه به ووضعه في مستشفى عام ليلقى ربه قبل أن يكمل عامه ال 20. خيم الحزن على جدران المكان التي كانت تلتقط أنفاسها بالكاد، ومرضت الأم المصابة في ولدها، فقرر الأب "عم داوود" أن يزوج ابنه الأكبر ويفرح بيه ليكسر موجة البكاء. "استلفت من هنا وهناك وقولت يجيبلنا حتة عيل يعوضنا عن اخيه، لكن لم يرد الله الوفاق بينهم، ما اتفقوش هو ومراته ودار بينهم ما صنع الحداد، كل أسبوع تغضب وتلم هدومها على بيت أبوها واروح انا يا راجل يا كبير اتأسفلها وارجعها، في مره شرط ابوها على ابني يكتب شيك ب 200 ألف جنيه والا مفيش رجوع، ابني رفض، قولت اكتبوه باسمي، وفعلا اتكتب ورجعت معايا "حسب ما ذكره الطيب. وأضاف: مكملناش أسبوع وربنا يشهد ورجعت لأهلها غضبانه بس المره دي كان ابني رامي عليها يمين الطلاق،انا مطلوب مني 200 ألف جنيه لا أملك منهم جنيه واحد والحياة صعبة وعندي بنات والدنيا كلها فوق دماغي، محتاج حاجه توفرلي دخل زيادة، لعمل جمعية أو أي شئ لأتمكن من سداد الدين وتربية بناتي، والا فلا مفر من السجن.