«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد الباز يكتب : جناية أنيس منصور على النبى محمد
نشر في البوابة يوم 08 - 09 - 2015


الوقفة هذه المرة مختلفة.
فمن بين أمجاد أنيس منصور التى كنا نتغنى بها كتابه «الخالدون مائة أعظمهم محمد»... كنا نعرف أنه ترجمة عن كاتب أمريكى اسمه مايكل هارت، لكن أنيس لم يضع على أى طبعة من طبعات الكتاب لا على الغلاف الخارجى أو الداخلى أنه ترجمة، تعامل معه على أنه من تأليفه، وتعاملنا معه نحن كذلك. كنا نكتفى بأن الكتاب شهادة للنبى محمد «صلى الله عليه وسلم» أنه الأعظم فى التاريخ، ولم يكن هذا شعورنا نحن فقط، ولكنه كان شعور الدعاة وخطباء المساجد، الذين تعاملوا مع أنيس على أنه أثبت للرسول العظمة، وأكدها بشهادة كاتب أمريكى، رغم أن عظمة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لا تحتاج لشهادة لا من كاتب أمريكى، ولا من أنيس منصور نفسه. فى طبعات تالية أجرى أنيس تعديلًا على عنوان الكتاب، فبعد أن كان «الخالدون مائة أعظمهم محمد»، أصبح على يديه « محمد صلى الله عليه وسلم أعظم الخالدين»... وأغلب الظن أن هذه التغييرات لحقت بالكتاب لأسباب تجارية، فتسويقه بين أصحاب الاتجاهات الإسلامية كان أكثر، ولذلك كان لابد من إضافة « صلى الله عليه وسلم» للكتاب، رغم أن الكاتب الأمريكى لم يقترب منها.
الجريمة التى ارتكبها أنيس منصور فى حق نفسه، أنه استباح أن يغير ويبدل فى كتاب لكاتب أمريكى، أن يمنح نفسه الحق فى أن يحرف ما قاله مؤلف أراد أن يقول ما يريده هو فى تقديمه لهذا الكتاب قال أنيس نصًا: فى 600 صفحة صدر كتاب بعنوان «المائة: تقويم لأعظم الناس تأثيرًا فى التاريخ» المؤلف هو عالم فلكى رياضى يعمل فى هيئة الفضاء الأمريكية، أما متعته الأولى فهى دراسة التاريخ، وقد لاحظ أن من بين عشرات الألوف من ملايين الناس، لم تذكر دوائر المعارف كلها سوى عشرين ألف شخص كان لهم أثر فى بلادهم، وفى البلاد الأخرى، وفى التاريخ الإنسانى، والمؤلف اسمه مايكل هارت، وبعد أن فرغ من إصدار هذا الكتاب تلقى اقتراحات من العلماء والأدباء ورجال الدين بإضافة أسماء أخرى، ولكن المؤلف عنده مقاييس ثابتة لاختيار الشخصيات المائة واستبعاد مئات غيرها».
كانت الأسس التى اختار مايكل هارت بها الشخصيات الأعظم فى التاريخ على النحو التالى:
أولًا: يجب أن تكون الشخصية حقيقية، فهناك شخصيات شهيرة وبعيدة الأثر، ولا أحد يعرف إن كانت عاشت أو لم تعش.
ثانيًا: استبعد عددًا كبيرًا من المجهولين، مثل أول من اخترع النار، وأول من اخترع العجلات، وأول من اخترع الكتابة، فهؤلاء مؤكد أنهم كانوا عباقرة، لكننا لا نعرفهم.
ثالثًا: لابد أن يكون الشخص عميق الأثر، سواء كان هذا الأثر طيبًا أو خبيثًا، ولذلك كان لابد أن يختار هتلر لأنه شخصية شريرة.
رابعًا: لابد أن يكون للشخص أثر عالمى، إذ لا يكفى أن يكون له أثر إقليمى، ولذلك استبعد كل الزعامات السياسية والدينية والمواهب العلمية التى لها أثر محلى فقط.
خامسًا: استبعد هارت كذلك كل الأشخاص الأحياء، أيا كانت آثارهم البالغة، فإن أحدًا لا يعرف بعد كم تعيش آثارهم على بلادهم أو على الإنسانية، فالمستقبل غيب.
زف أنيس منصور للعالم الإسلامى بشرى أن المؤلف الأمريكى، وبعد أن وضع كل هذه المعايير، استقر على أن الشخصية الأكثر أثرًا فى الإنسانية هى شخصية النبى محمد «صلى الله عليه وسلم»، ولا يتوقف عند هذا الحد، بل يعتبر أن هذا الكتاب ليس إلا واحدًا من عشرات الكتب التى صدرت فى العالم الغربى المسيحى عن عظمة المسلمين والإسلام.
ويرى أنيس أن المؤلف كان يستحق الكثير من حفاوة الدول الإسلامية، ولكنه لم يلق امتنانًا من أحد، فقط أن تقرأ له كتابه، وتشير إليه وتدعو الناس إلى قراءته.
ما كتبه مايكل هارت عن النبى محمد فى كتابه لا يستحق الاحتفاء به على الإطلاق، مجرد معلومات بسيطة وسطحية، عن تاريخ النبى، وربما يكون ما لفت أنيس إليه هو تقديمه لشخصية الرسول بقوله: «لقد اخترت محمدًا فى أول هذه القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك، ولكن محمدًا هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستويين الدينى والدنيوى».
لكن أنيس صنع من الحبة قبة، كما هى عادته دائمًا.
يمكن أن أحتفى بما فعله أنيس، وأمضى مع من يرون ما فعله فى كتاب مايكل هارت معجزة تضاف إلى معجزات الكاتب الأسطورى، لكن اسمحوا لى هنا أن أتوقف عند ما فعله، وأن أتوقف عند آخرين، تقاطعوا مع الكتاب الذى كان أنيس يعتقد أنه سيلقى الله به راضيًا مرضيًا.
■ ■ ■
أعتقد أن لدينا سؤالًا مهمًا، وهو: إذا كان هذا الكتاب ليس كتاب أنيس منصور، بل وضعه مؤلف أمريكى، فما الذى جعل أنيس يتجاهل المؤلف تمامًا، فلم ينسب له مجهوده، لا على الغلاف الخارجى ولا على الغلاف الداخلى للكتاب، بل تحدث عنه فى مقدمة عابرة؟
أنيس ليس لصًا بالطبع، لا أقدر أن أقول ذلك، ولا يقدر غيرى عليه، سلك مع هذا الكتاب مسلكًا، تحدث عنه ببساطة، يقول: لا أدعى أننى أضفت إلى هذا الكتاب شيئًا، وإنما حذفت بعض العبارات وبعض المصطلحات العلمية الصعبة دون إخلال بما أراده المؤلف.
لكنه وقبل أن يلتقط أنفاسه يقول عكس ذلك تمامًا: «هذا كتاب عن كتاب أو من كتاب لم أرفع عينى عنه، وإن كنت لم ألتزم بحرفية كل ما جاء فيه».
التناقض ليس جديدًا على أنيس منصور، لكنه هنا ليس تناقضًا فقط، ولكنه غموض حول ما فعله فى كتاب المفروض أنه يقوم بترجمته، فمرة يقول إنه لم يضف شيئًا، ولم يحذف إلا الألفاظ والمصطلحات الصعبة، ومرة يقول إنه لم يلتزم بحرفية ما جاء فى الكتاب، فمن نصدق... أنيس الأول؟ أم أنيس الثانى؟.
عن نفسى لا أصدق أيًا منهما، فقد حاول أن ينسب لنفسه مجهودًا فى الكتاب، حتى يبرر وضع اسمه عليه، دون إشارة للمؤلف الأصلى تمنحه حقه أو تحتفظ له بمجهوده، الذى أثنى عليه أنيس فى مقدمته.
■ ■ ■
قد تقول إن ما فعله أنيس منصور جائز، فقد ترجم الكتاب ثم حرره، أى أنه بذل مجهودًا كبيرًا فى إنجازه، ولذلك فليس كثيرًا عليه أن يكتب اسمه على الكتاب.
لكن ماذا تقولون إذا قلت لكم إن ترجمة أنيس للكتاب من الأساس فيها نظر، بل إجادته ست لغات كما ادعى كثيرًا فى كتاباته فيها أكثر من نظر.
لن ألتفت لما سمعته بنفسى من مقربين منه، بأنه كان يمتلك مكتب سكرتارية كبيرًا، وكان يعتمد فيه بشكل أساسى على عدد من المترجمين، الذين كانوا ينقلون له معارف الدنيا من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية، ولم يكن أنيس يفعل أكثر من إعادة تحرير هذه المادة بأسلوبه الساحر، وبطريقته المحببة، وبإضافة بعض من تجاربه حتى لو كانت خيالية، أما هو فلم يكن يترجم، ولم يكن يتقن اللغات الأجنبية إلا قليلًا.
لا أدرى هل ما كتبه فى مقدمة كتابه «اللعب غريزة منطقية»، وهو من أواخر كتبه، يصلح لأن يكون دليلًا على ما أقول، أم أنه يمكن أن يطيش فى الهواء؟.
كتب أنيس فى مقال «واحد عنده أمل»: لابد أن نقرأ ماذا يقول المفكرون والساسة فى إسرائيل، وهذا ما أفعله كثيرًا، وكثيرًا أيضًا أجدنى غير قادر على الفهم، فلهم طريقة مختلفة فى الكتابة، تلميحات وإشارات معروفة عندهم، وليس كذلك عندنا، فتبدو المقالات غامضة، وليس معقولًا أنها كذلك عند قرائهم، شكوت، فقيل لى إنها عيوب الترجمة إلى الإنجليزية أو العربية».
هل اعترف أنيس فيما قاله إنه لا يقرأ عن العبرية مباشرة؟ وهل اعترف أنه يقرأ ما تتم ترجمته إلى العربية أو الإنجليزية؟ وهل معنى ما يقوله أنه يتقن الإنجليزية وحدها دون غيرها من اللغات؟ كلها أسئلة مشروعة، لن أتطوع أنا بالإجابة عنها، وإذا أردت أن تفهم ما أقصده، فليس عليك إلا أن تعيد الفقرة التى كتبها أنيس بنفسه، لقد شكا، فقيل له: إنها عيوب الترجمة إلى الإنجليزية أو العربية.
■ ■ ■
فى كتاب أنيس الذى نقله عن مايكل هارت جريمتان، الأولى تخصه هو ككاتب، والثانية تخص ما فعله فى النبى محمد بنقله لهذا الكتاب.
أما جريمته الأولى، فأستند فى إيضاحها للباحث مصطفى صالح السعيد، وهو باحث لغويات، قام بدراسة مفصلة لكتابى أنيس ومايكل هارت، وهى الدراسة التى قدمها بأنها تقابلية تحليلية تبين أهمية الأمانة فى الترجمة، وذلك بدراسة ترجمة أنيس منصور للفصل الأول من كتاب مايكل هارت عالم الفلك والرياضيات الأمريكى «المائة: تقييم لأكثر مائة شخصية تأثيرًا فى التاريخ» الخاص بالرسول محمد «صلى الله عليه وسلم».
قام الباحث بمقابلته بنص أنيس منصور فى كتابه «الخالدون مائة أعظمهم محمد رسول الله» الذى زعم أنه نقل ما قاله مايكل هارت دون تحريف، وهو ما يطرح عدة أسئلة هى: ما الرسالة التى سعى مايكل هارت إلى توصيلها للناس فى الفصل الأول من كتابه المائة؟ هل نقل أنيس منصور مضمون كلام المؤلف الأصلى نقلًا أمينًا صادقًا؟ أيجب ترجمة مضمون النص الإنجليزى كما هو أم تم تحويره ليتطابق مع عقيدة القارئ المسلم؟ ما تأثير هذه الترجمة غير الصادقة على المجتمع؟
ولأن لكل سؤال إجابة، فقد تحدث الباحث بما لديه، فبالنسبة له أخل أنيس بمضمون النص الأصلى إخلالًا واضحًا، بتحريفه النص الأصلى، إذ أورده كأنه نص منقول عن كاتب إسلامى ملتزم يؤمن بالله ورسوله، ونتج عن ذلك تضليل المجتمع الإسلامى، إذ أشاد بصدق مايكل هارت وإنصافه وموضوعيته، رغم تشويهه الحقائق.
من المهم أن نظل قليلًا مع ما كتبه مايكل هارت، وما كتبه أنيس منصور، لنعرف حجم الجريمة التى ارتكبها.
لقد أورد الباحث نصوصًا من النص الإنجليزى الأصلى وقارنها بنصوص أنيس منصور مبينًا الفروق فى المعانى والزيادات التى طرأت فى نص أنيس، وتمت مقابلة النصوص التى أغفلها أو حرفها أنيس فى الفصل الأول من الكتاب الخاص بالنبى محمد «صلى الله عليه وسلم» فى كتاب المائة.
المقارنات كثيرة وسأكتفى منها هنا بمثالين فقط.
كتب مايكل هارت: "My choice of Muhammad to lead the list of the world s most influential persons may surprisr some readers and may be questioned by others, but he was the only man in history who was supremely successful on both religious and secular levels"
ونقل أنيس منصور: لقد اخترت محمدًا «صلى الله عليه وسلم» فى أول القائمة، ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك، ولكن محمدًا عليه الصلاة والسلام هو الإنسان الوحيد فى التاريخ الذى نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الدينى والدنيوى.
يقول الباحث: نلاحظ هنا التحريف الذى أدخله أنيس منصور فى النص العربى باستخدامه عبارة، لابد، فمن أين جاء بهذه العبارة مع أن النص الإنجليزى يخلو من أية كلمة توحى بهذا المعنى، إن كلمة may تفيد الاحتمال، وأفضل ترجمة لها هنا «قد» أو «ربما»، أما كلمة « كثيرون» فلا تساوى some ولا تصلح ترجمة لها، لأن some معناها واحد أو أكثر، وليس «كثيرون»، وتستعمل هذه الكلمة مع الجمع، لكن دون تحديد العدد.
ويخلص الباحث إلى أن أنيس منصور حرف المعنى تحريفًا كبيرًا فشتان ما بين قد يدهش بعض القراء، وبين «ولابد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق فى ذلك»، والذى يثير الدهشة كما يقول الباحث هو قول أنيس منصور: ومعهم حق فى ذلك، فمن أين جاء بهذه العبارة، وما المقصود منها؟ ولماذا معهم حق حسب زعمه؟ أما عبارة عليه السلام فهى ليست موجودة فى النص الأصلى، وإدخال هذه العبارة فى الترجمة يوحى للقارئ أن مايكل هارت المؤلف الأصلى، قد قالها، فالقارئ يقرأ نصًا منقولًا أو مترجمًا، فيفترض أن كل ما فى النص هو من المؤلف الأصلى، إذن من الواضح أن المعنى الذى أورده أنيس منصور مغاير للمعنى الذى قصده الكاتب الأصلى، الذى لم يقل إن المندهشين كثيرون، ولم يجزم باندهاشهم أيضا، والمعنى الذى أورده أنيس سلبى جدًا.
ويقول مايكل هارت Nevertheless, as he approached forty, there was little outward" indication that he was a remarkable preson"
أما أنيس منصور فيقول: ولما قارب الأربعين من عمره كانت هناك أدلة كثيرة على أنه ذو شخصية فذة بين الناس، ويتساءل الباحث: ماذا تفيد كلمة little فى الإنجليزية، تستخدم هذه الكلمة لتفيد نفى الكثير، إذن لماذا يضع أنيس منصور هذه الكلمات على لسان هارت «كانت هناك أدلة كثيرة على أنه شخصية فذة بين الناس»، فهذه الجملة مغايرة تماما للنص الأصلى.
الدراسة طويلة أردت أن أضع أمامكم بعض النماذج منها، ومن يرغب فى قراءتها كاملة، فهذا هو رابطها على شبكة الإنترنت:
http://journals.iium.edu.my/arabiclang/index.php/JLLS/article/view/24
■ ■ ■
الجريمة التى ارتكبها أنيس منصور فى حق نفسه، أنه استباح أن يغير ويبدل فى كتاب لكاتب أمريكى، أن يمنح نفسه الحق فى أن يحرف ما قاله مؤلف أراد أن يقول ما يريده هو، وقد تسأل نفسك، لماذا يحرف أنيس منصور فى هذا الكتاب؟
أجيبك لأنه ببساطة أنيس منصور، الذى يرغب فى أن يجمع حوله القراء بأى ثمن، ولا أرخص من ثمن يعرفه جيدًا، وهو أن يعطيهم ما يريد، لا ما حدث فعلا، أو كتب فعلًا.
وهنا نأتى للجريمة الثانية التى ارتكبها أنيس منصور فى حق النبى محمد، فقد كان مثله مثل الدعاة السطحيين الذين يذهبون إلى الغرب ليحصلوا منه على شهادات تؤكد عظمة النبى محمد، وكأنه فى حاجة إلى إثبات جدارة، قد تعتبره حسن النية بالطبع، لكن ما لا تعرفه أن أنيس وقع فى الفخ بالفعل.
لقد أساء مايكل هارت إلى النبى محمد من حيث اعتقد أنيس أنه يمدحه، صحيح هو وضعه فى قائمة المائة، لكنهم المائة الأكثر تأثيرًا فى التاريخ، لم يعترف هارت بأن محمد نبي مرسل، بل وضعه إلى جوار من اعتبرهم عباقرة غيروا العالم، وقد اعتبرهم عظماء لأنهم غيروا العالم بمجهودهم البشرى، أى أنه نزع عن النبى أى صلة بالسماء، نفى عنه نبوته، تعامل مع القرآن الكريم على أنه من تأليفه، فلم يكن هناك وحى ولا معجزة إلهية فيما جرى، بل مجهود بشرى صرف، وهذا ما لم يقله أنيس منصور أو يتعرض له.
لا أدرى هل كان يعرف أنيس منصور أن مايكل هارت كان ملحدًا خالصًا، أم هذه المعلومة فاتت عليه، إنه ينقل شهادة ملحد لا يعترف للنبى محمد بأنه كان رسولًا من السماء، ويقلب الحقائق، محاولًا إقناعنا أننا أمام عمل يجب أن يفخر به العالم الإسلامى.
قد لا تعيب على أنيس منصور ما فعله، وقد تقول إنه أراد أن يقدم عملًا للمسلمين كى يفخروا ويتفاخروا به، وأقول لك: كان يمكن أن نفخر بما فعله أنيس لو كان التزم بما قاله المؤلف الأمريكى الذى تجاوز فى حق النبى فى كتابه عندما وصفه أنه كان ديكتاتورًا، وهو ما لم يثبته أنيس بالطبع، لأنه فى النهاية كان ينافق المسلمين بكتابه الذى لم يكن دقيقًا بالمرة.
استند فى إيضاحها للباحث مصطفى صالح السعيد، وهو باحث لغويات، قام بدراسة مفصلة لكتابى أنيس ومايكل هارت، فقد أورد نصوصًا من النص الإنجليزى الأصلى وقارنها بنصوص أنيس منصور مبينًا الفروق فى المعانى والزيادات التى طرأت فى نص أنيس، وتمت مقابلة النصوص التى أغفلها أو حرفها أنيس فى الفصل الخاص بالنبى محمد «صلى الله عليه وسلم» فى كتاب المائة.
غداً أنيس فى كهف الخرافة لم يصعد.. ولم يهبط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.