"ميل يا حظ علينا من مدة وانت ناسينا" .. "أنا نفسي ألقى نفسي واد حبيب وبيه ومعايا فلوس كتييير ستين تالاف جنيه..." .. سامحوني أعزائي القراء على هذه البداية الغنائية لكن في الواقع أن هاتين "الطقطوقتين" للمغني القريب للقلوب محمد فؤاد والكوميديان محمد هنيدي كثيراً ما شكلت الوعي الاجتماعي لكثير من الشباب في أواخر الألفية الثانية من أولئك الحالمين بمستقبل وردي وممن كانوا لا يزالون يعتقدون أن السماء تمطر ذهباً وزبدة. وغني عن الوصف مقدار الصدمة التي واجهها كل من كان يحلم بأن المستقبل مفروش بالورود وطبعا العبد لله في طليعتهم حيث اكتشفنا أن المشي فوق الأشواك هو قدر كل من يختار أنه "يمشي عدل حتى يحتار عدوه فيه". فما بين مجتمع لا يعرف إلا الوساطة والمحسوبية للوصول إلى سلم المجد كان لزاماً على كل من هو "واسطته ربنا" إلا أن ينحت في الصخر ويقاوم كل متع وملذات الدنيا من باب الزهد والتطلع إلى الآخرة بالصبر على نقص الأموال حيناً والجوع أحياناً. وتمر الأيام ويتذكر أبناء هذا الجيل وهم متمسكون بأطلال الأمل في إصلاح الأحوال وهدم قلاع الفساد إلا أنهم لا يزدادون إلا احباطاً فيرفعون جرعة الزهد والصبر ويواجهون الغلاء بالاستغناء .. لكنهم لا يفقدون الأمل في أن يأتي يوم لا تنفع فيه وساطة ولا محسوبية. ويكاد يجن جنون أولئك المرابطون الواقفون في صفوف المتفرجين المتحسرين من "مصاصي الشفاه" حين يرون السفهاء والدخلاء يتطاولون في البناء لكنهم لا تهن عزيمتهم ولا يضعف إيمانهم بحتمية مجيء يوم الحساب الذي ترد فيه المظالم وينكشف الغطاء عن الفاسدين. لكن بما أن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده فإن من رحمته أنه قبل أن ينفد وقود الصبر والإيمان يرسل إشارات لا تخطئها عين وبراهين على أن الطريق المستقيم هو الأبقى مصداقاً لقول الحق سبحانه وتعالى "المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا" وكذلك قوله الحق "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". وأعتقد أنه بالأمس تضاعفت جرعة الأمل في نفوس هؤلاء الصابرين الصامدين المنتظرين لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح وإذا كانت دولة الفساد ساعة فدولة الحق إلى قيام الساعة.. فبماذا نفعتهم الرشاوى والكمباوندات وتأشيرات الحج الملوثة برائحة الفساد وكيف حال الملابس الفاخرة والإفطار في فنادق السبع نجوم.. صحيح الواحد يتمنى ان الحظ يتعدل شوية بس بشرط أن يكون ذلك بالحلال وهذا أعتقد أنه في الإمكان يوم أن تنظر الدولة بعين الاعتبار لكل رعاياها وتسترد الأموال المنهوبة في خزائن الفاسدين .. وليس كل غني فاسد بالمناسبة حتى لا يتهمنا أحد بالحقد الطبقي. اللهم لا شماتة .. فليس من الأخلاق توجيه سهام النقد لأي شخص يسقط في قبضة العدالة لأنه يحاكم بالقانون .. لكن مما لاشك فيه أننا يجب أن نتعظ ونعتبر قبل فوات الأوان حيث أن كشف الستار عن فضيحة الفساد الكبرى في وزارة الزراعة أعطى جرعة أمل قوية جداً في أن الإصلاح مازال ممكناً وأن الفساد مهما استشرى وتوغل فإنه سيأتي يوم الحساب لا ريب فيه .. المهم بل الأهم أن تكون هذه الحادثة عبرة لمن يعتبرون .. فليتخلى الفاسدون عن فسادهم .. وليكن شعار المرحلة القادمة "اللي على راسه بطحة .. يجهز شنطة هدومه علشان يخش السجن" .. وربنا يسترها على ولايانا.