استقالة البابا بنديكت السادس عشر، من منصبه ليست الأولى في تاريخ الفاتيكان، وإنما سبقه آخرون، و“,”البابا“,” له مواقف سابقة تثبت رغبته في الاستقالة من خدمته، إلا انه تم رفضها، ولكن الجديد هو توقيت الاستقالة وأسبابها، بالرغم من اعلان رغبته في الراحة، إلا ان وسائل الاعلام استقبلت الاستقالة بحذر وبحثت عن أسباب أخرى لم ترد في نص الاستقالة، ليصبح أول بابا يستقيل من منصبه منذ حوالي ألف عام، بعد أن أمضى في خدمته على كرسي روما حوالي 8 سنوات، حيث تم اختياره في 19 أبريل 2005. والبابا بنديكت مثير للجدل حتى قبل اختياره لهذا المنصب الرفيع، حيث سبق وأن تولى شعبة الحفاظ على الإيمان سنة 1981، خلال عمله كرئيس لمجمع العقيدة والإيمان، حافظ على نظرة الكنيسة الكاثوليكية الصارمة حيال المثلية الجنسية وتحديد النسل ولقب بالمدافع الشديد عن المذهب الكاثوليكي، حيث اشتهر مجمع العقيدة والإيمان بدوره في تحديد مسائل التعليم في الجامعات والمدارس الكاثوليكية حول العالم، والنظر في الحالات التي تنطوي على سوء سلوك طائفي أو جنسي، وفي فترة رئاسته لهذا المجمع أصبحت محاكمات المجمع للمتورطين في القضايا التي ينظر فيها سرية الطابع، لا يمكن الاطلاع عليها دون إذن بابوي، الأمر الذي أُخذ عليه كمحاولة للتغطية على الكهنة المتورطين في قضايا تحرش جنسي. ففي هذا الملف تحديدًا تمتد الاتهامات من أيرلندا إلي الولاياتالمتحدة وفي بلد البابا الأصلي، ألمانيا وخارجها، في الولاياتالمتحدة، تركزت الفضائح حول أبرشية بوسطن، حيث قام الأسقف “,”برنارد لو“,” بنقل الكهنة المتهمين بالاعتداء الجنسي على أطفال إلى أبرشيات، ولكن دون تحذير الآباء في الكنائس الجديدة، وبعد ذلك تم نقل “,”برنارد لو“,” إلى روما، حيث أصبح كاردينالا. وقد تعرض بنديكت السادس عشر، وسلفه يوحنا بولس الثاني لانتقادات بسبب عدم التعليق علنًا على هذه المسألة. وليست المرة الأولى التي يطلب فيها “,”البابا“,” التقاعد مبكرًا، حيث سبق وأن طلب بنديكت عندما بلغ السبعين من عمره، من البابا يوحنا بولس الثاني التقاعد المبكر والاستقالة من منصبه كرئيس لمجمع العقيدة الإيمان، وطلب أيضًا تعيينه كقيم على أرشيف الفاتيكان ومكتبة الفاتيكان، غير أن “,”بابا روما“,” رفض طلبه في هذا التوقيت. وتاريخ “,”البابا“,” حافل بالمواقف المثيرة للجدل، أبرزها موقفها من الإسلام والمسلمين، حيث على إثر محاضرة ألقاها في جامعة راتيسبون اعتبر فيها أن الإسلام انتشر بالعنف، وهو ما ساهم في غضب المسلمين بكل أنحاء العالم، وطالبوه بالاعتذار، وتوقف الحوار الإسلامي المسيحي بين الأزهر والفاتيكان، إلا أن البابا لم يغير موقفه واكتفى بالتأكيد على احترامه للمسلمين والإسلام، معربًا عن أسفه جراء فهم تصريحاته بشكل خاطيء، حيث أكد بقوله“,” أُسيء فهمها“,”. ففي هذه المحاضرة اقتبس “,”البابا“,” عن امبراطور بيزنطي كان يرد على مسلم فارسي يقول فيه “,”أرني ما الجديد الذي جاء به محمد، لن تجد إلا اشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف“,”، وحينها علق بابا روما قائلا:من الواضح انني لم اقصد بأي شكل من الاشكال تبني أقوال الامبراطور البيزنطي السلبية وأن مضمونها المثير للجدل لا يعبر عن قناعاتي الشخصية، فكانت نيتي مختلفة تماما، كنت أود أن أوضح أن الدين لا يتماشى مع العنف بل يتماشى مع العقل، وأكدت كم هو مهم احترام ما هو مقدس لدى الآخرين“,”. الأنظار تتجه إلي مجمع الكرادلة لاختيار بطريرك جديد خلفًا للبابا المستقيل، والانتظار عما سيسفر عنه الاختيار لشخصية جديدة غير معروفة الهوية والفكر، وهل سيتم حل الملفات الشائكة التي تواجه الكنيسة الكاثوليكية التي يتبعها العدد الأكبر من المسيحيين بالعالم أم لا، وهل موقف الكنيسة من الإجهاض والمثليين وزواج الكهنة سيتغير أم سيستمر كما هو، وهل سيعود الحوار مع الأزهر من جديد أم لا...أيام وسيتم الإجابة عن هذه التساؤلات، حيث إنه سيتم انعقاد المجمع خلال 15 يومًا من استقالة البابا، ويعد 28 فبراير الجاري هو الموعد المحدد لتقديم الاستقالة رسميًا، ومن ثم سيشهد مارس المقبل اختيار بابا جديد للفاتيكان.