أثار قرار استقالة بابا الفاتيكان صدمة للطائفة الكاثوليكية في أنحاء العالم، والذي يشكل سابقة في تاريخ الكنيسة، حيث لم يشهد العصر الحديث حتى الآن تقديم أحد الباباوات مثل هذه الاستقالة. وأعلن البابا بنديكت السادس عشر، في خطاب ألقاه باللاتينية خلال مجمع كرادلة المنعقد في الفاتيكان، الاثنين 11 فبراير، أن آخر يوم له في منصبه الرفيع سيكون في 28 فبراير، مرجعاً الأمر إلى تقدمه في السن وأنه غير قادر على البقاء على رأس الكنيسة الكاثوليكية في تقديم واجباته على أكمل وجه. ويعد البابا بنديكت السادس عشر أكبر الباباوات سنا في التاريخ، حيث يبلغ 85 عاماً. وأرجع خبراء سبب استقالة بابا روما نتيجة لتأثير أمور كثيرة، منها نمو السكان المسلمين في أوروبا، وهناك عامل سيكولوجي بأن صورته كانت أقل بهجة بالمقارنة مع البابا السابق يوحنا بولص الثاني الذي كان يحظى بشعبية كبيرة في العالم أجمع، ومن بين الأسباب أيضا انخفاض شعبية ونفوذ الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية في الفترة الأخيرة في مقابل تزايد أعداد المسلمين المهاجرين إلى أوروبا. وقال الخبراء إن الغالبية الإيطالية في إدارة الفاتيكان قبلت البابا بنديكت السادس عشر بنوع من البرودة، مما جعله يواجه إجهادا نفسيا. وجاء قرار الاستقالة مع استمرار الفضائح المالية في الفاتيكان، وتورط رجال دين كاثوليكيين بالضلوع في انتهاكات جنسية لأطفال داخل الكنيسة منذ عام 1945 وحتى عام 2010. واعتبر عدد من رجال الدين المسلمين أن قدوم بابا جديد سيفتح الباب أمام تحسين العلاقة المتوترة بين الفاتيكان والمسلمين، بعد تدهورها بسبب تراكم مواقف وإهانات كثيرة ضد المسلمين. وكان البابا بنديكت السادس عشر ربط في عدة خطابات له بشكل غير مباشر بين الإسلام والعنف، وهو الأمر الذي أثار تظاهرات غاضبة ضده. وأدان بابا الفاتيكان حادث تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية، ودعا إلى حماية المسيحيين في مصر، الأمر الذي دفع الأزهر الشريف إلى تجميد علاقته مع الفاتيكان لأجل غير مسمى واعتبره تعرض للإسلام بشكل سلبي. وقال رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي لوكالة الأنباء الفرنسية "سبق وقررنا في هيئة علماء المسلمين مقاطعة الفاتيكان بعد تصريحات البابا التي أساءت للإسلام في ميونيخ لكن الآن شاء القدر أن نستكمل الحوار بعد اختيار بابا جديد، ونحن متفاءلون". واستقبل البعض خبر إعلان البابا استقالته بالإشادة، وأعربوا عن احترامهم لسبب تنحيه عن رئاسة الكنيسة، حيث قالت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل "إذا كان البابا نفسه، بعد تفكير عميق، توصل إلى خلاصة مفادها أن قواه لم تعد كافية لممارسة مهامه، فله عندئذ احترامي الكبير". واعتبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن ملايين البشر سيفتقدون بنديكت السادس عشر "زعيما روحيا"، وأعرب له عن "أفضل تمنياته". ووصف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند قرار البابا بأنه "جدير بالاحترام الكبير". وأعرب أوباما عن تقديره لبابا الفاتيكان قائلا "الكنيسة تؤدي دورا مهما في الولاياتالمتحدة والعالم، وأتمنى كل الخير لمن سيجتمعون قريبا لاختيار خلف لقداسة البابا بنديكت السادس عشر". وأشاد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالتزام البابا بنديكت السادس عشر بالحوار بين الأديان والسلام. وانتقد آخرون قرار البابا قائلين: كان بإمكان البابا أن يقوم بأداء واجبه حتى في ظروف استنزاف قواه الحيوية، وأنه لم يقم بما كان يجب أن يفعله. قال جون كيلي من مجموعة "أطفال تعرضوا للإساءات" وهي إحدى الهيئات التي تمثل الأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية في إيرلندا، إن "هذا البابا توافرت له فرصة كبيرة لمعالجة إساءات جنسية استمرت عقودا في الكنيسة، لقد وعد بالقيام بأمور كثيرة، لكنه لم يفعل شيئا في نهاية المطاف". وأكدت أقدم هيئة للدفاع عن الشاذين جنسيا في العالم، وهي هيئة سي.أو.سي الهولندية "نحن لم نحزن"، معربة عن الأمل في "أن يبدي البابا الجديد مزيدا من التفهم حيال الشاذين جنسياً". وامتنعت السفارة المصرية في الفاتيكان عن التعليق على الإعلان المفاجئ عن استقالة البابا والمعروف أنه لم يتم بعد تعيين سفير جديد لدى الفاتيكان. وفي فترة رئاسته للكنيسة الكاثوليكية شهدت الكنيسية العديد من الأحداث المؤسفة منها تورط رجال دين كاثوليكيين في انتهاكات جنسية لأطفال، الأمر الذي أثر سلبا على سمعته. ويعد البابا بنديكت السادس عشر الوحيد الذي يقدم استقالته في العصر الحديث، حيث كانت آخر استقالة أحد الباباوات ترجع لخمسة قرون، وهي للبابا غريغوري الثاني عشر الذي قدم استقالته في الفترة بين 1406 إلى 1415، إذ فعل ذلك لوضع حد لما أطلق عليه بالإنشقاق الغربي. ويقول الخبراء أن أول مرشح مرشح لتولي منصب رئيس الكنيسة الكاثوليكية، خلفا للبابا بنيديكت السادس عشر، هو فرنسيس أرينزي الكاردينال من نيجيريا الذي سبق له أن كان في عام 2005 ضمن دائرة المرشحين لتولي منصب بابا الفاتيكان بعد وفاة البابا يوحنا بولص الثاني. ومن بين المرشحين من إيطاليا المونسنيور انجيلو سكولا رئيس اساقفة ميلانو الذي يبلغ الثانية والسبعين من العمر، والأوفر حظا من المرشحين الإيطاليين، وهو لاهوتي يتمتع بالاحترام والتقدير، ورجل حوار بين الأديان. وتطرح بعض وسائل الإعلام الإيطالية اسم المونسنيور جيانفرانكو رافاسي "71 عاما"، "وزير الثقافة" ذو الثقافة الموسوعية. ومن أسيا المونسنيور لويس انطونيو تاغلي رئيس اساقفة مانيلا "57 عاما"، أحد أصغر الأعضاء سنا في مجمع الكرادلة، وهو يحظى بتقدير البابا، ويشتهر بصفاته القيادية وشخصيته المباشرة والدافئة ويتمتع بشعبية واسعة في الفيليبين، أكبر البلدان الكاثوليكية في آسيا. ومن أمريكا الشمالية المونسنيور مارك اوليت رئيس اساقفة كيبيك السابق، ويبلغ السابعة والستين من عمره، وقد رقي إلى رتبة كاردينال منذ 2003، ويشتهر بتشدده في ابرشية تتجه إلى العلمانية بسرعة فائقة، ويتولى هذا اللاهوتي منذ 2010 منصب مدير مؤتمر الاساقفة كذلك يرأس اوليت الذي يتقن اللغة الاسبانية اللجنة الحبرية لأميركا اللاتينية، ولذلك فهو معروف جدا في بلدان الجنوب. والمونسنيور تيموتاوس دولان، الكاردينال - رئيس اساقفة نيويورك (63 عاما)، ويعد دولان المعروف بموهبته الإعلامية وصراحته، واحدا من "المحافظين التحديثيين" الذين يقدرهم البابا، ويقول خبراء في الشؤون الفاتيكانية، أنه من المؤهلين لتولي شؤون ابرشية تتصدى للتعديات على الأطفال، وذلك في واحد من البلدان التي تقاوم فيها الكنيسة مقاومة شديدة اتجاه الغرب نحو العلمانية، وثمة أميركي آخر مشهور ويمكن أن يشكل مفاجأة، وهو المونسنيور تشارلز شابوت (68 عاما) رئيس اساقفة فيلادلفيا، وينحدر من ناحية والدته من قبيلة بوتاواتومي الأميركية الهندية. ومن أفريقيا المونسنيور لوران مونسينغو باسينيا، رئيس اساقفة كينشاسا (الكونغو)، 74 عامًا، وهو أحد الخبراء في العهد القديم، والذي دعاه أخيرا بنديكتوس السادس عشر إلى إدارة الندوات الروحية في الفاتيكان، واضطلع بدور الوساطة لحل النزاع في بلاده. ومن أمريكا اللاتينية المونسنيور كلاوديو هوميس، الكاردينال ورئيس الاساقفة المستحق لساو باولو الذي يبلغ الثامنة والسبعين من العمر، وهو لاهوتي يتمتع بشهرة واحترام، وينحدر من البرازيل، أكبر بلد كاثوليكي في العالم، ويطرح أيضا اسم الكاردينال رئيس أساقفة برازيليا خواو براز دو افيز (65 عامًا) الرجل المنفتح والمقيم في الفاتيكان منذ بداية 2011 بصفته رئيسًا لمجمع مؤسسات الحياة المكرسة. ومن بين المرشحين أيضا رئيس اساقفة بوينوس ايرس المونسنيور يورغي ماريو برغوغليو، الإيطالي الأصل، نظرًا إلى خبرته في المشاكل الاجتماعية لرعيته، وكان قد نال أكبر عدد من الأصوات بعد يوزف راتسينغر خلال المجمع الأخير لانتخاب بابا، لكن سنه (77 عامًا) قد يكون عقبة على غرار المونسنيور هوميس. والهندوراسي اوسكار اندرس مارادياغا (70 عامًا) الكاردينال ورئيس أساقفة تيغيسيغالبا، الذي يعتبر متشددًا حول العقيدة لكنه متجدد حول طريقة التحرك، وقد تراجعت اسهمه منذ 2009 لأنه أعلن تأييده الإنقلاب على الرئيس مانويل سيلايا. والمجري بيتر اردو (60 عامًا) رئيس اساقفة بودابست منذ 2002، ورقي إلى رتبة كاردينال في 2003، ويرأس منذ 2006 مجلس المؤتمرات الأسقفية الأوروبية، وهو لاهوتي متخصص أيضا في القوانين الكنسية، وتولى التدريس في جامعة الأرجنتين الحبرية وجامعة اللاتران الحبرية في روما. والنمساوي كريستوف شنبورن، الكاردينال ورئيس أساقفة فيينا (68 عامًا) وصديق البابا، وشاع اسمه في مارس 2010 في خضم فضيحة التعديات الجنسية على الأطفال لدى طرحه مسألة عزوبية الكهنة، وانتقد أيضا محاولات بعض كبار المسؤولين في الفاتيكان "تغطية" التصرفات المدانة لبعض الكهنة.