كان أنيس منصور يعرف كيف يضبط موجة كتابته جيدًا، يلتقط جمهوره ببراعة، ولأنه كان نجمًا ويحب نجوميته ربما أكثر من أى شىء آخر فقد اختار ألا يكون صاحب موقف محدد، أو مدافعًا عن قضية واحدة، فهو يتحدث للجميع عن الجميع، لا ينتمى إلى أحد، بقدر انتمائه لمجده، الذى كان يسخر كل وقته ومجهوده وتفكيره لبنائه والحفاظ عليه. ولذلك لم أتعجب عندما طالعت فى أرشيفه الضخم 4 مقالات متتابعة، كتبها من 26 إلى 29 ديسمبر 2005، فى زاويته «مواقف» بالأهرام يبشر فيها بجماعة الإخوان المسلمين، ويدافع عنها، ويقول ما لا يمكن أن تتوقعه أبدًا من كاتب فى حجم وثقافة ووعى وموسوعية أنيس. ما فعله أنيس بالنسبة لمن يعرفون الإخوان والمفروض أنهم منهم كان شاذًا ومربكًا، لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لمن يعرفون أنيس، وما الذى يفعله ويبتغيه من وراء كتابته اليومية التى لم تنقطع أبدًا. فى العام 2005، كانت جماعة الإخوان قد حصلت على 88 مقعدًا فى مجلس الشعب، وأصبح لها حضورًا قويًا فى العمل السياسى الرسمى، رغم أن الدولة لم تتعامل معهم (النواب) على أنهم إخوان، ولكن كنواب مستقلين فقط، لكن الجميع كان يعرف أن دخولهم البرلمان بهذا الحجم الضخم معناه أن الجماعة كسرت الحصار السياسى حولها، وأنها استطاعت أن تتغلب على ترصد النظام بها. من يعرفون كواليس ما جرى، كانوا يدركون أن دخول الإخوان البرلمان ليس إلا صفقة جرت فى مكاتب أمن الدولة وبرعاية مباشرة من الدولة، وهو ما أفصح عنه بعد ذلك مرشد الإخوان وقتها، مهدى عاكف، الرجل الذى كان لسانه يسبق عقله، وهو ما أوقع الجماعة فى مشاكل كثيرة. أنيس كان يعرف، وربما كانت لديه تفاصيل الصفقة، أن الجماعة ليس مغضوبًا عليها، وربما فهم أنها فى حاجة لمن يمهد الطريق أمامها، لتحصل على مكاسب أكثر، وتتمكن من التفاعل فى الشارع أكثر، فأقدم على مقالاته الأربع التى أعتقد أنه لو عاش بيننا إلى ما بعد سقوط الإخوان لاعتذر عنها، وتراجع عن أفكاره التى أثبتها فيها. التوثيق يقتضى أن نعيد نشر مقالات أنيس منصور كما هى دون تدخل، لكنى أعتقد أن عرضًا نقديًا لها سيكون أجدى، وأنفع فى سياق التعرف على فلسفة أنيس فى الكتابة، ومراده منها.