أصل بكم إلى الجزء الأهم فى هذا الكتاب، هو مهم بالنسبة لى، لأنه كاشف ومؤكد لدور قطر فى كل الخراب الذى شهدته المنطقة، لا أتحدث عن دور قناة الجزيرة فى التسخين والتحريض على استمرار الثورة فى ليبيا، ولكن عن الدور السياسى المباشر الذى قام به أمير قطر ليس فى التحريض على الثورة ولكن فى قتل القذافى. يرصد الهون بدايات الاختراق القطرى للدولة الليبية ببداية اهتمام سيف القذافى بالملفات الخارجية، كان الوسيط بينهما عبد الله السنوسى الذى كان يرتبط بعلاقات جيدة مع الأسر الحاكمة فى الخليج بشكل عام وفى قطر بشكل خاص، نصح سيف بأن يقيم مع هذه العائلات علاقات ودية تساعده فى فهم التجارب الإنمائية، ورشح له النموذج القطرى لما له من قوة إعلامية بعد انقلاب الشيخ حمد على أبيه خليفة قد يحتاجها فى تسويق مشروعه السياسى. تعرف سيف على الشيخ حمد آل ثان، وبدلا من مساعدته على الإصلاح التنموى، عرج به على طريق آخر، حيث أقنعه بأنه لا يستطيع أن يحكم ليبيا مستقبلا إلا بالتحالف مع تنظيم الإخوان المسلمين، وقام الشيخ حمد بإجراء كافة الاتصالات والتفاهمات بين الطرفين. ذكر سيف للهونى – والعهدة هنا على مؤلف الكتاب – أن الشيخ حمد أسر له بأنه عضو فى جماعة الإخوان المسلمين، وكان سيف مقتنعا اقتناعا تاما بهذه الفكرة القطرية، مما دفعه لا إلى إطلاق سراح الإخوان الليبين من السجون فحسب، بل استعمل نفوذه وكل قوته من أجل تعويضهم عن فترة السجن وإرجاع من كانوا أساتذة فى الجامعة إلى التدريس فيها من جديد، وكان يجتمع بقيادتهم فى ليبيا بشكل مستمر. كان القذافى يرفض تماما إطلاق سراح سيف للمسجونين الإخوان، قال له إنهم لا عهد لهم ولا ميثاق، وإنهم أثبتوا خلال تاريخهم إخلالهم بالعهود وغدرهم بمن أحسن إليهم، وكان يذكره بما حصل للنميرى وللسادات على أيديهم. كان سيف يعتبر تفاهماته مع الإخوان فتحا وإنجازا كبيرا له شخصيا، ويرى أنها تصب فى مصلحة النظام، أما الشيخ حمد حاكم قطر فقد فهم شيئا آخر، وهو أن سيفا أصبح مشروعا سياسيا سيؤدى فى نهاية المطاف إلى انقلابه على أبيه وتوليه السلطة فى ليبيا بمساعدة الإخوان المسلمين، ولعل ما عمق لدى الشيخ حمد هذا الالتباس هو النقد اللاذع الذى كان سيف يوجهه إلى النظام وإلى والده، وتعبيره عن تبرمه مما وصلت إليه البلاد من ترد فى كل جوانب الحياة. يقول الهونى: لم تقف قطر عند هذا الحد فى إرساء قواعد التحالف بين سيف والإخوان، بل شجعته على إطلاق سراح الجماعة الليبية المقاتلة التى كانت مسئولة عن مقتل أكثر من مائتى ليبى من جنود القوات المسلحة والشرطة فى تسعينيات القرن العشرين، وكانت هذه الجماعة قريبة من تنظيم القاعدة وتأسست فى أفغانستان أيام الحرب ضد الاتحاد السوفيتى. عمدت قطر إلى تصنيع بطل على طريقتها، فرغم أن المهندس صالح عبدالسلام أحد رجال سيف هو من قام بإطلاق الجماعة المقاتلة، إلا أن قطر نسبت الفضل إلى على الصلابى، فقد كان حضوره فى المشهد من خلال ما يعرف بالمناصحة وتشجيع أعضاء الجماعة المقاتلة على ما أطلق عليه اسم «المراجعات السياسية والفقهية» تدل على دخول جماعة الإخوان المسلمين على هذا الخط ممثلة برجل قطر فى ليبيا، فلم يكن الصلابى إلا رجلا من رجال قطر بامتياز. من بين المتشددين الذين أخرجتهم قطر من سجون القذافى كان عبدالحكيم بلحاج، استعملته بعد ذلك، وجعلت منه محرر طرابلس فى نهاية الثورة التى لم يشارك فيها، والأغرب من هذا كله أن قطر قدمته كقائد عسكرى فى اجتماع حلف الناتو بالدوحة، وأدخلته كأحد القادة المتحالفين مع الغرب فى اجتماع مؤسساته العسكرية، وذلك لتطهيره من دنس الإرهاب، وصنع منه إعلامها متمثلا فى قناة الجزيرة بطلا عندما أتت به على عربة بثها ليعلن تحرير مدينة طرابلس التى لم يشترك فى تحريرها. ثم يأتى الهونى على ما هو أكثر، يقول: وعندما أعطت قطر الأوامر حسب بعض الشهادات باغتيال معمر القذافى بعد القبض عليه حيا، سارعت إلى إعطاء بلحاج شرف الإعلان عن ذلك إلى العالم، متجاهلة القادة العسكريين والسياسيين لتخلق منه أسطورة وطنية فى خيال أفراد الشعب الليبى. لقد تحالف حمد مع القذافى عندما أصبح هدفهما القضاء على السعودية، لكن هذا لم يمنع القذافى أن يبدى رأيه فى حمد وحكام قطر، كان يعتقد أن استعمال قطر فى حربه ضد السعودية مرحليا ليس إلا، ولكنه كان يكن لأمرائها الازدراء ويعتبرهم عملاء مأجورين، وكعادته كان يوجس من الجميع، ويستعمل خطابا مزودجا يصعب معه تبين مقاصده إلا إذا استفز، فعندئذ فقط كان يمكن أن يبين عما يعتمل فى داخله دون قصد. ويروى عبدالرحمن شلقم الذى كان مندوبا لليبيا فى الأممالمتحدة وقت الثورة، وقد انحاز للثوار مبكرا جدا، وشغل منصب وزير الخارجية فى الجماهيرية لسنوات، أنه حضر اجتماعا ضم القذافى والشيخ حمد بن خليفة، الذى كان منبهرا بجمال الطبيعة فى الجبل الأخضر شرقى ليبيا، وقال للقذافى: إنه يطمح إلى الاستثمار هناك، وإن القطريين يمكن أن يقصدوا هذه المنطقة باعتبارها منتجعا سياحيا بدلا من أوروبا التى تختلف عادات أهلها وطريقة حياتهم عنهم. عندما سمع القذافى هذه الكلمات رفع رأسه إلى فوق، وبدأ يتحدث للشيخ حمد عن مطامع اليهود القديمة فى هذه المنطقة، وأنها كانت من البقاع المرشحة لإقامة دولة إسرائيل، كان هذا الرد غير المباشر والاستفزازى على كلام الشيخ حمد يفصح عما يكنه القذافى لهم، فقد سوى مطامعهم بمطامع اليهود، وربما أراد أن يقول إنهم امتداد للسياسات الإسرائيلية فى المنطقة. كانت قطر تتلاعب بالجميع فى ليبيا، عملت على الإيقاع بين القذافى وابنه ليقضى على الجميع، ففى 17 فبراير وهو الموعد المحدد لخروج الثورة ضد النظام، حدث فعلا ما تم الاستعداد له، بوقوع مظاهرات فى بنغازى وبداية الانتفاضة، جرى بعد ظهر هذا اليوم اتصال هاتفى بين أحد أفراد أسرة الشيخ حمد وسيف الإسلام، نقل فيه هذا الشخص رسالة شفوية مفادها أن الإسلاميين انضموا إلى الثورة فى شرق البلاد، وأن هذه الثورة سوف تكون دموية، وسوف تشمل عموم التراب الليبيى، ونصح سيف بالانضمام إليها لأن ذلك سيكون من مصلحة البلاد وسيمكنه من أن يعتلى سدة الحكم. وعندما اتصل عبدالله السنوسى فى وقت لاحق بأمير قطر ليطلب منه تخفيف حدة التوتر بين النظامين ومنع قناة الجزيرة من تهييج الرأى العام وتأجيج حالة التمرد، رد عليه الأمير بأن رأيه كان واضحا، وقد أبلغه لسيف الإسلام منذ اليوم الأول من خلاله رسوله. يجزم الهونى بأن الشيخ حمد أمير قطر ولمعرفته بالنظام الليبى وآليات صنع القرار والتحكم بداخله ما كان يقصد من هذه النصيحة التى أسداها لسيف من خلال رسوله، وفى ذلك الوقت المبكر بالذات، إلا خلق بلبلة فى داخل بيت القذافى وإرباكه، ونشر ظلال الشك بين أفراد أسرته حتى يتم الإجهاز عليه لاحقا. فى إبريل 2011 تلقى سيف مكالمة من الشيخ حمد بن جاسم رئيس وزراء قطر وقتها، نصحه فيها بأن يخرج كل أفراد أسرة القذافى من ليبيا، وأنه يضمن سلامتهم وعدم ملاحقتهم إلى مكان آمن، وعرض مبلغ 5 مليارات دولار لقاء ذلك، لكن الشىء الذى أدهش سيف أكثر من غيره هو قصف الناتو للمكان الذى كان يوجد فيه، وقد خرج منه لتوه بعد انتهاء المكالمة مباشرة. يخرج الهونى تحريض قطر لسيف للإنقلاب على أبيه باستنتاجين لا ثالث لهما. الأول: فى حالة ما إذا كان سيف قادرا وراغبا فى أخذ زمام المبادرة وإقامة حكومة تضم إسلاميين وإقصاء والده حتى بالتوافق معه، فإن الإسلاميين سوف يستعملونه كحصان طروادة للانقضاض من خلاله على الدولة، وإقامة مشروعهم بعد اتخاذه وسيلة من وسائل التمكين. الثانى: فى حال فشل التصور الأول، فلا مانع من خلق المزيد من التفكك وزرع بذور الريبة والشك بين أفراد عائلة القذافى، وهذا يؤدي إلى عجزها عن رؤية الواقع ويمنعها من الخروج من ورطتها، فيعجل بسقوطها، وفى كلتا الحالتين كان الهدف النهائى هو إسقاط النظام والاستيلاء على السلطة من قبل الإخوان المسلمين مدعومة من قوى إقليمية ودولية.