من دون ضجيج أو تغطية إعلامية، صدرت رواية «الفتى المتيم والمعلم» للكاتبة التركية «إليف شافاق»، صاحبة «قواعد العشق الأربعون»، وهى الرواية التى حظيت بشهرة واسعة بين القراء العرب. الرواية الجديدة، التى صدرت عن دار الآداب، لم تنل حظا مثل «قواعد العشق» التى حملت عنوانا جانبيا هو «رواية عن جلال الدين الرومى»، وذلك على الرغم من أن العمل الجديد ترجم إلى العربية قبل شهور. ثمة تفسير يقدمه مترجم الرواية الجديدة فى مقدمته، ربما يرتبط بعدم شهرتها، يقول «إن ما تريد شافاق تحقيقه بهذه الكتابات ليست الشهرة التى يطمح إليها الكاتب المبدع، لكنها تريد أن تكتب وتواصل الكتابة لأنها تعتقد أن الكتابة هى أشبه بالصمغ الذى يلصق أجزاء كيانها المبعثرة، وهذه الكتابة كما ترى المؤلفة هى نتاج التجربة الحياتية العميقة، التجربة التى ينبغى للمرء، على وجه العموم، أن يظل يتعلم منها فضلا عن التجربة الثقافية المحلية والإقليمية والعالمية التى يتعين على أى أديب أن يطلع عليها» لكن ثمة تفسير آخر، ف«قواعد العشق» بعالمها الصوفى، وغرائبية الدرويش «شمس الدين التبريزى»، وعلاقته المثيرة بمولانا جلال الدين الرومى، كلها عوامل جذب للقراءة، فى وقت يتجه فيه الكثيرون، خاصة الشباب، إلى الحالة الروحية التى تصنعها الصوفية، بالرغم من أن هذه «الحالة» تبدو دائما من «الخارج»، ولا تقترب من حقيقة المجاهدة الصوفية، حالة أشبه بالموضة أو الفرح بكل ما هو غريب. أما عن الرواية الجديدة فهى تعود إلى عصر السلطان العثمانى «سليمان القانونى»، وابنيه «سليم ومراد»، وبداية المشاريع المعمارية الكبرى التى قام بها يوسف بن خضر بن جلال الدين الحنفى، المعروف بمعمار خواجة سنان، الذى شيد أروع الأبنية العثمانية من مساجد، وحمامات، وجسور، وسواها، وكان له آلاف العمال، والصناع، والمهرة، وأربعة تلاميذ: أحمد آغا، وداود آغا، ويتيم بابا على، وسنان الصغير. وتدور الرواية حول «جاهان» الصبى الهندى، الهارب من زوج أمه، الذى يتهمه بقتلها، على متن مركب يحمله مع فيل أبيض يروضه كهدية للسلطان العثمانى فى إسطنبول من قبل المهراجا، هذا الصبى نعيش معه قصة فريدة، من مروض للفيل فى حديقة القصر، إلى معمارى نادر المهارات، وعاشق متيم بابنة السلطان «مهرماه». اللافت أن الصحافة العالمية احتفت بهذه الرواية، وهو سبب لأن يشد القارئ العربى إليها، ومعظم القراء متيمون بكل ما يعرضه الغرب، من دون نقاش، مثالا تقول «الإندبنت»: «إليف شافاق فى أوجها تحدثنا عن قبب الاكتشافات»، فيما تقول «الجارديان»: «شافاك.. روعة الهندسة المعمارية كاستعارة لبناء ذواتنا»، وتقول «الفايننشال تايم»: «ملحمة عن السلطة والحرية، عن الإبداع والتزمت، لكنها قبل كل شيء عن الحب. حب التعلم وتعلم الحب». ولدت شافاق عام 1971، وهى من بين الكتاب الأكثر مبيعا فى إيطاليا وفرنسا وبلغاريا، ونشر لها 12 كتابا، ثمانية منها روايات باللغتين الإنجليزية والتركية، وترجمت أعمالها إلى ما يزيد على ثلاثين لغة. وروايتها «قواعد العشق الأربعون»، هى الأشهر، وترجمت عام 2012 عن دار طوى، وبها نجد لوحات متعددة لشخصيات من زمنين مختلفين، الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون فى ولاية ماساشوستس فى الزمن الحاضر والعام 2008 تحديدا والثانى فى القرن الثالث عشر ميلادى حيث يلتقى الدرويش الزاهد والطواف شمس الدين التبريزى بتوأمه الروحى مولانا جلال الدين الرومى، وهى العلاقة التى غيرت من مجرى حياة الرومى ليظهر «المثنوى» و«رقصة المولوية». تحكى شافاق قصتها مع الصوفية فتقول «اعتاد محيى الدين بن عربى أن يقول: سأبحث عن دين الحب أينما كان، حتى لو كان عند اليهود أو النصارى أو المسلمين، إن الأصوليين يتبعون دين الخوف فتكون سياستهم التخويف. والصوفى المسلم يتبع دين الحب، تماما مثلما قال ابن عربى، ولا يوجد دين أرقى من دين الحب. إن روايتى «قواعد العشق الأربعون» تعرض نظرة ثاقبة على الفلسفة القديمة القائمة على وحدة جميع الأديان والشعوب. وعبرت إليف عن هذا الرأى فى روايتها «فالله لا يقبع فى السماوات العالية، بل يقبع فى داخل كل منا، لذلك فهو لا يتخلى عنا فكيف له أن يتخلى عن نفسه، إن جهنم تقبع هنا والآن وكذلك الجنة».