يعد افتتاح قناة السويس الجديدة حدثا تاريخيا مهما سيغير شكل مصر على الخريطة، ويرسم حدودًا جديدة للمحافظات والمدن، إلا أن المغرضين طوال الوقت يحاولون تثبيط العزيمة والتقليل من أهمية هذا الحدث التاريخى الجديد، الذى صنعته قواتنا المسلحة، فنشروا الأكاذيب والشائعات حول أهمية المشروع، سواء فى افتتاح القناة الجديدة أو حتى القديمة، حيث تعرضت قناة السويس الأولى أيضًا إلى مثل هذه الأكاذيب التى تحولت فيما بعد إلى حقائق تدرس بالمدارس وتلتصق بالأذهان. كان مشروع قناة السويس الأول، قد وافق عليه محمد على بشرطين الأول هو أن تضمن القوى العظمى حيادية القناة، وبالتالى استقلال مصر، والشرط الثانى هو أن تمول القناة بالكامل من الخزانة المصرية، وبالطبع كان الشرطان مستحيلين فلم يتم المشروع، وكان الشرطان ضمانًا لمحمد على ضد أطماع القوى الاستعمارية، ولكنه تم فى عهد الخديو سعيد. كان الخديو سعيد الذى وقع على اتفاقية حفر قناة السويس مشهورًا بالبدانة، إضافة إلى حبه وولعه الشديد بأكل المكرونة، وكان يعتبر نفسه أول خديو مصرى يحكم مصر، ولم يشعر فى لحظة أنه ألبانى من سلالة محمد علي، وكان صديقه المقرب إليه هو «فرديناند ديليسبس»، وتعود بداية صداقتهما بعد خروج الحملة الفرنسية عام 1801 وعودة نابليون إلى فرنسا وبعد استقراره بها ب 13 شهرا أرسل دبلوماسيا اسمه ماتيو ديليسبس، لاختيار حاكم لمصر بعد أن قامت إنجلترا بتعيين البرديسى حاكمًا، ورشح محمد على للحكم، وبعد أن مات جاء ولده فرديناند ديليسبس كقنصل فاستقبله محمد على استقبال الفاتحين. وتوطدت الصداقة بين الدبلوماسى الفرنسى والأمير سعيد الذى لم يكن يعرف أن محمد على أراد أيضا أن يقوم ديليسبس بعملية تخسيس صعبة للأمير، الذى كان سمينا إلى الحد الذى أقلق الباشا على مستقبل ابنه، ومن هنا بدأ ديليسبس برنامجا رياضيا شاقا يرويه بالتفصيل فى مذكراته التى تعرضها الوثائق كاملة، وتكشف الوثائق أن محمد على أصدر أمرا بمنع طبخ أو تناول المكرونة فى القصر حتى لا يغرى ذلك الأمير الذى كان يعشق المكرونة. ولكن ديليسبس كان يسمح للأمير الشاب بتناول أطباقه المفضلة من المكرونة خلسة دون علم الأب، متحملا بذلك مسئولية خطيرة أمام الباشا. ومرت الأيام وولى عصر محمد على ثم عباس حلمى الأول وجاء سعيد الى الحكم فى وقت كانت أسرة ديليسبس تعانى الفقر، والعزلة منذ سقوط إمبراطورية نابليون، فما كان من ديليسبس إلا أن ركب أول سفينة متجهة للإسكندرية ليصل فى صباح السابع من نوفمبر عام 1854 ويلتقى بالأمير الذى أصبح عزيز مصر فى خيمة بصحراء العامرية بالقرب من الإسكندرية فى 11 نوفمبر، وهنا يعرض ديليسبس مشروع حفر القناة على سعيد الذى قبل فورا ما رفضه والده، وكأن سعيد أراد أن يعبر عن امتنانه لمن قدم له طبق المكرونة الممنوع، والواقع أن هذه القصة تكشف أن سعيد الذى كان بالفعل أول من أدخل العنصر القومى المصرى فى الجيش، وكان مولعا بجيشه لم تكن لديه أية مصادر مالية للمشروع، ولم تكن لديه أى قوة سياسية، فوافق على امتيازات مجحفة نظير تمويل عملية حفر القناة، وهذا هو بعينه الذى جعل المؤرخين يعتقدون أن ديليسبس استطاع الحصول على امتياز حفر القناة بفضل طبق المكرونة. الكذبة الثانية هى الاعتماد على السخرة فى حفر القناة، وهى ليست أكذوبة فى المطلق، ولكنها كانت حقيقية استمرت مدة عامين فقط، وهذا ما تقوله أكثر من ألف صفحة مثيرة تضمها مراسلات فرديناند ديليسبس مع المهندس الفرنسى فوازان المعنى بحفر القناة، وتكشف المراسلات الحياة اليومية فى موقع الحفر بكل التفاصيل، من تقدم عملية الحفر إلى النفقات إلى العلاقات بين العمال من مختلف الجنسيات، إلى مسألة السخرة الواقعة على الفلاحين المصريين، التى كانت نظاما اجتماعيا وواقعا يعيشه المصريون فى كل الإنشاءات المدنية كالطرق والترع وغيرها، ولكن كما يقول ديليسبس فى مراسلاته إن إنجلترا وراء حملة مبالغة فى موضوع السخرة الهدف منه هو وقف المشروع لأن وراءه فرنسا، مع العلم أن نظام السخرة توقف تماما بعد عامين فى حفر القناة الذى استمر عشر سنوات، وتم إحلال الآلة محل اليد العاملة وتم تقديم الفرنسى الذى كان يستخدم السخرة للمحاكم فى باريس. فى قناة السويس الثانية التى أمر بحفرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، زادت الأكاذيب والافتراءات، حتى خرج علينا مؤخرًا الإرهابى الهارب وجدى غنيم، مدعيًا، أن «طشت» أمه أكبر وأطول من 35 كيلو حفرها المصريون فى عام واحد، وهو طبعًا مبالغ مثله مثل القوى الاستعمارية التى روجت للأكاذيب لوقف حفر القناة فى الماضي، محاولًا مثله مثل جميع الخونة تثبيط العزيمة.