حين تلتقط اسم علاء الأسوانى على كتاب أو مقال أو رواية.. لا بد أن تتحسس مسدسك.. فهو لا يريد بهذا البلد خيرًا. دخل المؤلفان الفرنسيان كلود جيبال، وتانجى سالون، ميدان التحرير ب«كارنيه وكالة أجنبية»، بحثا عن الثوار فوجدا كل شيء فى انتظارهما: التمرد والشباب والحب والرقص.. ثم سقط «مبارك». تفاعل «المؤلفان» مع شباب الثورة، فكان هذا الكتاب «مصر التحرير.. ميلاد ثورة»، الصادر فى نسخته العربية عن المركز القومي للترجمة التابع لوزارة «الثقافة» المصرية والإهداء الموقع باسمهما: «إلى شاهيناز إلى معاذ رواد جيل الشباب الواعي إلى لوسيل، بنت الثورة». فى مقدمة الكتاب الموقعة باسم «الأسواني» كان متحمسًا للتجربة التى دفعت كاتبين فرنسيين قدما من «باريس» لتأريخ الثورة المصرية، فكتب: «عرفت المؤلفين شخصيا وأعجبنى فيهما اهتمامهما البالغ بمعرفة ما يحدث فى مصر، وميلهما إلى اكتشاف الحقيقة دون الخضوع لأى أفكار مسبقة، أذكر لهما بامتنان حماسهما للثورة وتعريض حياتهما للخطر من أجل أن ينقلا إلى العالم الجرائم التى ارتكبها نظام مبارك فى حق الثوار، كما أشكرهما على تأليف هذا الكتاب الذى قدم للقارئ الفرنسى صورة صادقة عن الثورة المصرية الآن». اختار مؤلفا الكتاب أن يتخذا منذ البداية موقعًا وسطًا من الأحداث، اعتبره محايدًا، فلا انحازا إلى جانب «الإخوان»، ولا طلبا القرب من الجيش كما يفعل بعض الصحفيين المصريين والأجانب.. يمكن أن تقول جملة مبسَّطة: «وقفا مع الثورة»، أو بجملة أخرى: كتبا قصة قيام آل «مبارك» وسقوطهم. وهل فى الوقوف مع الثورة أذى؟ فى أدبيات «المقرّبين من دوائر السلطة» يحتسب الموقف خطرًا على الأمن القومي، أما فى أدبيات العقلاء الموقف مختلف.. إنه مجرد رأى سياسي، وتماه مع «رد فعل» غاضب ظن البعض أنه لن يأتى أبدًا. ضمن فصول الكتاب فصل بديع وشاخص وحقيقى إلى أبعد مدى سواء فى معلوماته أو تحليله بعنوان: «الإخوان المسلمون جيش الظل»، يحلل ظاهرة الجماعة المحظورة التى اعتقدت أن كل الأمور راقت لها.. فانقلب السحر على الساحر، وأصبحت جماعة من «المساجين» و«أصحاب البدل الحمراء» فى انتظار «حبل المشنقة». هل نعود إلى الكتاب «المشبوه»؟ من زاوية ضيقة لا يمكن أن ترمى الكاتبين ب«العمالة» لأجهزة مخابرات أجنبية.. كل ما ورد بالكتاب جس نبض للثورة، وشباب «التحرير»، ووصف تفصيلى لما جرى دون التدخل حاملًا «زجاجات المولوتوف». من المتورط إذن؟ علاء الأسوانى قرأ الترجمة العربية للكتاب ثم كتب مقدمة نشرت على «ظهر الغلاف». وما ذنب المترجم الآن؟ الاسم الكامل لمترجم الكتاب عاصم عبد ربه حسين، يعمل بالمركز القومى للترجمة، كتب فى مقدمته الخاصة، التى يصدر بها «مصر التحرير» للقراء: «بعد أن تحدث الكتاب عن الشباب، بعدها يكون للجيش المصرى نصيبه بين ضفتي هذا العمل، وكيف كان شبه مرادف للدولة فى ضمير المصريين الجمعي، وكيف تبنى موقف الثوار بعكس الشرطة التى كانت تمثل وجه النظام البغيض وذراعه الغشوم، غير أنه لم يغفل وضع الكثير من علامات الاستفاهم حول مواقفه التى لا تخلو من غموض». منتقلًا إلى الضفة الأخرى بخفة، وخبث، يخلع «المترجم» عن الجيش المصرى وطنيته فى كتاب صادر عن وزارة «الثقافة» المصرية، يقول: «انزلق الجيش إلى تصرفات تجرح فكرة انحيازه إلى الثورة وتهدمها من أساسها. ولقد أثبتت الأحداث بعدها أن يديه قد تلوثتا بدم الثوار، وأنه لم يفرق فى تنكيله بهم بين رجل وامرأة، شيخ وصبي، مسلم ومسيحي». من حق «المترجم» أن يقول رأيه فيما يكتبه، إذ إن لمسته الخاصة لا بد أن تكون «بارزة» على صفحات الكتاب، فهو ليس ناقلًا.. أما أن ينشر له «المركز القومى للترجمة» التابع للدولة هجومه الحاد على الجيش المصري.. بشكل صريح وحاد ووقح.. فهذه مسألة أخرى. الخبر الآن.. إن وزارة «الثقافة» أصدرت كتابا يهاجم الجيش ويتهمه ب«الخيانة والتنكيل بالمصريين وتلطيخ يديه بدم شباب الثورة» فى عهد «السيسي»، القادم- رأسًا- من وزارة «الدفاع» بالعباسية. هل بقى من الأمر شيئًا؟ لا.. انتهى.