عبدالناصر أخفى عن زوجته وفاة شقيقها.. وأحاط تنظيم الضباط الأحرار بالسرية.. وتنبأ بيوم النكسة تزوجنا بشكل تقليدي لعلاقات صداقة بين الأسرتين.. وكان يأكل «الخضار المسلوق» «لقد كنت المتآمر لفترة طويلة لدرجة أني صرت لا أثق فيمن حولي»، هكذا وصف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حاله فى عبارة منسوبة له، فامتاز بالسرية المطلقة منذ سعى لتكوين تنظيم الضباط الأحرار مرورا بفترة تواجده بالحكم وصولا لحياته الشخصية، وحتى اللحظة يختلف المؤرخون حول التحليل السياسي للفترة التي قاد فيها عبدالناصر مصر، وما حملته من تناقضات سياسية واجتماعية، وهل كان عبدالناصر مسئولا مباشرا عن التعذيب بالسجون والاعتقالات وما حدث فى نكسة 1967، أم أن أهل الثقة هم من حاكوا تلك السقطات فى تاريخ جمال عبدالناصر زعيم الاشتراكية والعدالة الاجتماعية؟. ما ذكرته تحية كاظم، زوجة الزعيم الراحل، يؤكد غموضه وإخفاءه الأسرار حتى عن الزوجة والأبناء، ونظرا لعدم فضولها وسعيها لمعرفة ما يجرى حولها، كانت تعرف عن الأمور ظاهرها وليس باطنها، وكان عبدالناصر وفقا لما أوردته فى مذكراتها التي حملت عنوان «ذكريات معه» قليل الحديث عن تفاصيل حياته الخارجية فى العمل، وكانت بدورها تبتعد عن إلقاء الأسئلة الاستفهامية والتعجبية حول زيارات الأصدقاء وأسباب إخفاء كميات كبيرة من السلاح فى منزل الأسرة، وهو أمر غريب فلم تخش على سلامة أبنائها حال القبض على زوجها الذي لم يكن رئيسا بعد. تطرقت تحية فى مذكراتها إلى أحداث فارقة فى عمر الوطن، وجاء حديثها فى إطار زوجة تتابع زوجها من بعيد ولا تتطلع لمعرفة الحقيقة كاملة، وبدا ذلك واضحا فى أنها لم تعلم شيئا عن تنظيم الضباط الأحرار حتى اندلاع الثورة، ولم تعلم عن تأميم قناة السويس شيئا حتى مرضه الذي لم يفصح عنه إلا بعد أن اشتد عليه. زواج عبدالناصر وتحية تزوجت تحية زواجا تقليديا من عبدالناصر، إذ كانت الأسرتان على علاقة صداقة قديمة، إلا أنه منذ اليوم الأول لزواجه كان يحجب عنها كل شيء، حتى إنه حجب عنها خبر وفاة شقيقها الأكبر عقب وضعها مولودها الثالث خالد. مرض الزعيم لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يخفي فيها جمال شيئا، تقول تحية: «الوقت سنة 1953 شهر مايو، كان جمال يشعر بألم فى بطنه، لم أعلم به إلا بعد مدة، لعدم وجوده فى البيت أغلب الوقت، فى يوم قبل خروجه فى الصباح قال لي: سأحضر على الغداء وأريد أكلا خفيفا من الخضار المسلوق، لأنى أشعر بألم بسيط فى بطني، جهزت الأكل الذى طلبه وحان وقت الغداء ولم يحضر، وبعد أن انتظرته تناولت الغداء، وقلت إنه مشغول ولم يجد وقتا للحضور، حضر عبد الحكيم عامر وطلب مقابلتي، وقال لي: جمال الحمد لله بخير وفاق من البنج، بعد إجراء عملية المصران الأعور له، ويسأل عنك ويريدك أن تذهبي له فى المستشفى الآن». بداية الضباط الأحرار كانت تحية عبدالناصر «ست بيت» من الطراز الأول، لم تشغل بالها يوما بما كان يفعله جمال خارج البيت، إلا بما يطمئنها عليه فقط، يأتي ذلك واضحا مما قالته عن نمط الحياة التي عاشتها فى بيت منشية البكري، والذي حمل الكثير من الأسرار وبينها اجتماعات تنظيم الضباط الأحرار الذي لم تعرفه حتى قيام الثورة، إذ لم تكن تلتقي بهم ولم يكن جمال يطلعها على تفاصيل اللقاءات التي تتم بمنزلها، فتقول تحية فى مذكراتها: «كان يحضر زوار، وأغلبهم من الضباط، يقابلهم ويجلس معهم، ولا يحضرون كلهم مرة واحدة، يعنى واحد يأتى وواحد يذهب، وأحيانا يكونون اثنين أو ثلاثة مع بعض، ثم بعد ذلك إما أن يبقى جمال فى البيت أو يخرج، وإما بمفرده أو مع زائر أو اثنين»، ولم تكن تحية تعرف من هؤلاء الزائرين. حريق القاهرة رصدت تحية عبد الناصر تفاصيل أيام عبد الناصر الخالدة بالتفاصيل الدقيقة التي عاشتها هي بالطبع، فهي كانت ترى الصورة من بعيد، فتروى ذكرياتها معه عن حريق القاهرة وتقول اليوم 26 يناير سنة 1952 يوم حريق القاهرة، رجع جمال من الشغل وأخبرني عن الحريق، وسمعت فى الإذاعة التفاصيل، وبعد تناولنا الغداء رأيته يخرج فقلت: الحريق ما زال مشتعلا، فقال لا تخافى سأرى ماذا حصل وأرجع، وظل فى الخارج حتى الليل. ثورة يوليو بعد اندلاع ثورة 23 يوليو وإعلان سقوط الملكية وإعلان مصر جمهورية عربية، تقول تحية: قال جمال لقد اقتحمنا القيادة العامة بفرقة من الجيش ومعي عبد الحكيم عامر، ولم يصب إلا اثنان من الجنود، وأحد حرس القيادة وواحد من الفرقة التي معنا، واستسلم كل الموجودين فى القيادة وكانوا مجتمعين، وأخذتهم واحدا واحدا وأدخلتهم فى مبنى المدرسة الثانوية العسكرية، ثم قال وسلمتهم للسجان حمدي عاشور وضحك. محاولات اغتيال الزعيم أعقب الثورة ثلاثة أحداث هي الأبرز فى حياة عبدالناصر أولها محاولة اغتياله فى الإسكندرية، ولم تمتلك تحية تفاصيل لترويها فاكتفت بذكر رواية عادية عن عادة كان يمارسها عبدالناصر وهى حمل مصحف صغير فى جيبه وكان معه أثناء حادث المنشية، وربما أرادت أن توصل رسالة أن الله حماه فى ذلك اليوم الذي أطلق عليه فيه 8 رصاصات وتم إلقاء القبض على الشخص الذي حاول اغتياله وعرف من خلال التحقيقات أنه ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. تأميم القناة والحدث الثاني والأكبر فى حياة عبدالناصر تأميم قناة السويس، وتروي تحية تفاصيل هذا اليوم وتقول: فى 25 يوليو ذهبت إلى الإسكندرية، وفى يوم 26 يوليو فى المساء حضر الرئيس للإسكندرية لإلقاء الخطاب فى ميدان المنشية، حضر جمال وألقى خطابه التاريخي، وبعد رجوعي إلى البيت حضر الرئيس وجاء كثير من الزوار، وقال لي: لم يكن أحد من الوزراء يعلم بتأميم القناة غير اثنين لم تذكر اسميهما وربما لم تتذكرهما. هزيمة 1967 والحدث الأكبر الذي مر على عبدالناصر كان خبر هزيمة 1967، تقول تحية: أول يونيو 1967، كان الاعتداء الإسرائيلي على سوريا وكان الرئيس يجلس معنا فى الصباح، قال: إن اليهود سيعتدون على مصر، وحدد بالضبط يوم الاثنين المقبل، وحصل الاعتداء الإسرائيلي فى نفس اليوم الذى حدده الرئيس 5 يونيو 1967 فى الصباح. فى يوم 9 يونيو ألقى الرئيس خطابا، وكنت جالسة فى الصالة كعادتي وقت إلقائه خطاباته أمام التليفزيون ومعي أولادنا، وسمعته وهو يعلن تنحيه عن الحكم، ورأيت الحزن على وجهه وهو يتكلم، ولم أكن أعرف أو عندي فكرة أبدا عن التنحي. وفاة لحظات المرض الأخيرة كانت لحظات المرض الأخيرة لعبدالناصر هي الأصعب فى حياة تحية تقول: يومها قال لي تعالى يا تحية، فدخلت الحجرة، وأشار لي بيده وهو راقد على السرير أن أجلس، فجلست على طرف السرير فسألنى: هل تناولت الغداء يا تحية، فقلت: نعم تناولته مع الأولاد، فقال لي أنا مش هتغدى».