يوافق غدا "الثلاثاء" الثلاثين من يونيو ذكرى خروج أكبر حركة شعبية شهدها تاريخ الثورات في العالم، ثورة مصرية جماهيرية بلغت ذروتها في هذا اليوم قبل عامين، حين خرجت جموع الشعب الغاضبة للشوارع والميادين مع صباح يوم الثلاثين من يونيو من عام 2013، مطالبة برحيل النظام، خرجت الجماهير لتعرب عن ارادتها التواقة لبناء وطن يليق بمصريته ويفخر بشهدائه، وطن متوج بماض عريق معتز بحاضره ومتفائل بمستقبله. ثورة مصرية قادها 30 مليون مصرى بحماية الجيش الذي أكد أن الشعب مصدر السلطات والشرعية، وكل فئات المصريين الذين حملوا تطلعاتهم وآمالهم لمستقبل أفضل كانوا نبض الثورة، ثورة شاركت في بطولتها المرأة المصرية المحرك لكل الثورات الناجحة. وفى خلفية الصورة كانت ارهاصات الثورة التي نبأت بميلادها، ارهاصات ويوميات كانت في واقع الأمر الأيام الأخيرة في حكم نظام الإخوان السابق، إذ كانت مؤسسة الرئاسة تحتفل في ذات الوقت بمرور عام على حكم الرئيس السابق محمد مرسي، وسط حديث عن الإنجازات، وفيه اعترف بنفسه ولأول مرة بوجود أخطاء إلا أنه حمل عدة جهات مسئوليتها وحمل نفسه جزءا منها، وهو ما لم يقبله الشارع الذي انتفض بسبب الأزمات المتلاحقة التي مايلبث أن يفيق من واحدة إلا ويدخل في غيرها دون استجابة من الحكومة. وبموجب ما تم اعتباره البيان الأول للثورة الذي أصدره وزير الدفاع حينئذ المشير عبد الفتاح السيسى، قامت القوات المسلحة بنشر عدد من قواتها ووحداتها لتأمين المصالح الحيوية داخل مصر وتأمين الحدود ورفع درجة الاستعداد على كل الحدود المصرية. وفى يوم 28 يونيو، دعت التيارات الدينية للتظاهر والاحتشاد بميدان رابعة العدوية تحت شعار تأييد الشرعية، وأعلن مؤيدو الرئيس المعزول محمد مرسي الاعتصام بالميدان، وكذلك بميدان نهضة مصر أمام جامعة القاهرة، وردا على ذلك قامت القوات المسلحة بزيادة أعداد القوات المنتشرة في الشوارع والميادين لتأمين المصالح والهيئات ودواوين المحافظات على مستوى الجمهورية، والتهبت حرارة الشارع المصرى بخروج المعارضة التي قادتها حركة "تمرد". توافدت الجموع المطالبة بسقوط النظام على ميدان التحرير وعدد من الميادين الأخرى منها أمام قصر الاتحادية وأمام وزارة الدفاع في شارع الخليفة المأمون وعدد من المحافظات تحت شعار الطريق إلى 30 يونيو، لتتوالى الأحداث متصارعة مع تصاعد التهديدات من بعض رموز التيار الدينى بحرق مصر، واتهامهم للمعارضة بالكفر، ومع اقتراب عصر يوم 30 يونيو كان هدير صيحات المعارضين للرئيس السابق يزلزل أرجاء الكون بصيحات أكثر من 30 مليون مواطن. وفى يوم الإثنين الأول من شهر يوليو 2013 أصدرت القوات المسلحة بيانا أعاد الثقة للشارع المصرى، وذلك عقب انتهاء المهلة المحددة بأسبوع، ورفعت فجر ذلك اليوم درجة الاستعداد على الحدود لمنع دخول أي عناصر خارجية إلى البلاد، وتم تأمين الحدود الشرقية والجنوبية والغربية بشكل كامل، تحسبا لمحاولات بعض العناصر المسلحة الوصول إلى أماكن حيوية أو ميادين التظاهرات وإحداث حالة من الفوضى. وعادت الجموع التي تطالب برحيل النظام إلى الشوارع مرة أخرى بعد ظهر يوم الإثنين الأول من يوليو لتواصل مطالبها بسقوط النظام وفى الساعة الرابعة والنصف كان بيان القوات المسلحة الذي وصفه الخبراء بأنه البيان رقم 2 للثورة ليضع ملامح اللحظات الأخيرة من عمر النظام ليمنحه مهلة 48 ساعة للتوافق وإعادة لم الشمل ووحدة الصف حفاظا على الأمن القومى المصرى الذي بات مهددا بسبب الانقسامات الداخلية. وكان يوم الثلاثاء 2 يوليو هو اليوم الأول للمهلة التي حددتها القوات المسلحة، وفيه واصلت الجموع المؤيدة لنظام محمد مرسي اعتصامها في ميدان رابعة العدوية لليوم الخامس على التوالى ومطالبة بضرورة إلتزام المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية معتبرة أنها الشرعية الدستورية التي يجب أن يلتزم الشعب بها، ودعوا إلى تظاهرات مؤيدة للرئيس السابق (محمد مرسي ) أخرى بميدان النهضة أمام جامعة القاهرة، بدعوى مساندة الشرعية. وفى الوقت ذاته كانت جموع الشعب المصرى تستعد ليوم فاصل في تاريخ حكم النظام وقامت المعارضة تقودها الحركة الشبابية تمرد بحشد الجماهير استعدادا ليوم الفصل في حياة النظام، وقام المتحدث العسكري بنشر بيان القوات المسلحة باللغة الانجليزية والتأكيد على أن بيان القوات المسلحة لا يعنى انقلابا عسكريا لأن عقيدة القوات المسلحة المصرية ترفض ذلك ولا تتخذه منهجا، وجاء البيان لتحفر كلماته في قلوب المصريين لتعود سيول المتظاهرين زاحفة باتجاه ميدان التحرير ومحيط قصر الاتحادية وقصر كوبرى القبة الذي نقل إليه الرئيس ليمارس مهام عمله من هناك بعد استحالة وصوله إلى قصر الاتحادية بسبب الجموع الغاضبة التي أحاطت بالقصر. وارتفعت صيحات التكبير في كل الميادين على مستوى الجمهورية عقب البيان، وخرجت جموع الشعب تهتف برحيل النظام، في الوقت ذاته اعتبر مؤيدو الرئيس أن بيان القوات المسلحة انقلابا على السلطة وطالبوا الرئيس بضرورة إقالة الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى القائد العام للقوات المسلحة، وحاول صفوت حجازى إلهاب الجماهير في ميدان رابعة العدوية ومعه عدد من قيادات التيار الدينى، وقام مؤيدو الرئيس بالحشد للخروج في محافظات أخرى مقابل الحشود الشعبية التي خرجت مطالبة برحيل النظام. واحتشد المواطنون في مختلف محافظات الجمهورية مطالبين برحيل النظام، وجاء الخطاب قبل الأخير الذي القاه الرئيس المعزول بمثابة الوقود الذي زاد لهيب الثورة ضده رغم أنه بدأه بتجديد تأكيده على خارطة الطريق التي استجاب فيها للنداء ودعا كل القوى الوطنية للحوار حولها لإجراء المصالحة الوطنية الشاملة التي تلبى مطالب الجماهير وتستوعب كل القوى الوطنية والشبابية والسياسية وتزيل الاحتقان السياسي الذي تشهده مصر في هذه الأيام، وأكد الرئيس السابق أن تجاوز الشرعية الدستورية يهدد الممارسة الديمقراطية بالانحراف عن مسارها الصحيح ويهدد حرية التعبير التي عاشتها مصر بعد الثورة، لأن الشرعية هي الضامن الوحيد للاستقرار ولمقاومة أحداث العنف والبلطجة. وبدأت الحشود تتزايد من الجانبين إلا إن الحشود المعارضة للنظام والمطالبة برحيل الرئيس فاقت التوقعات وإعادة إلى الاذهان مشهد يوم الأحد 30 يونيو معلنة الاستمرار في الميادين حتى انتهاء المهلة التي حددتها القوات المسلحة وتحول ليل القاهرة والميادين في المحافظات إلى نهار ساطع بصيحات أبناء الشعب المطالبة برحيل النظام في الوقت الذي كانت الحشود المؤيدة قد تواجدت أمام جامعة القاهرة تطالبه بالاستمرار. وفى يوم 2 يوليو جاءت كلمة الرئيس السابق محمد مرسي مساء الثلاثاء مخيبة لآمال المعارضة حيث أكد أن الدولة المصرية الديمقراطية المدنية الحديثة هي أهم مكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة ولن تسمح مصر بكل قواها بالعودة إلى الوراء تحت أي ظرف من الظروف. ويوم الأربعاء 3 يوليو كان يوم الرحيل وانتصار إرادة الشعب، حيث كانت الحشود المطالبة برحيل الرئيس تستعد لاستقبال بيان القيادة العامة للقوات المسلحة حيث قام وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى ورئيس الأركان بمتابعة الأحداث من خلال مركز عمليات القوات المسلحة وذلك منذ اليوم الأول للأحداث وحتى نهايتها، وفى الثامنة مساء صدر بيان القيادة العامة للقوات المسلحة عقب الاجتماع بعدد من الرموز الدينية والوطنية والشباب، القاه الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع والإنتاج الحربى حينئذ معلنا فيه أن القوات المسلحة لم يكن في مقدورها أن تصم أذانها أو تغض بصرها عن حركة ونداء جماهير الشعب التي استدعت دورها الوطنى وليس دورها السياسي على أن القوات المسلحة كانت هي بنفسها أول من أعلن ولا تزال وستظل بعيدة عن العمل السياسي، مشيرا إلى استشعار القوات المسلحة بأن الشعب الذي يدعوها لنصرته لا يدعوها لسلطة أو حكم. وأعلن اتفاق المجتمعين على خارطة مستقبل تتضمن خطوات أولىة تحقق بناء مجتمع مصرى قوى ومتماسك لا يقصى أحدا من أبنائه وتياراته وينهى حالة الصراع والإنقسام، وتتضمن استحقاقات 3 هي وضع دستور جديد للبلاد، إجراء انتخابات رئاسية مبكرة على أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شئون البلاد خلال المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات برلمانية تستند على قانون جديد تضعه المحكمة الدستورية.