لم يكن أهل مصر المحروسة في حاجة إلى استعادة أخلاقهم وصفاتهم النبيلة في أي وقت عبر مراحل التاريخ أكثر مما نحتاجه الآن. فحتى نستعيد مكانتنا وسط الأمم ونلحق بركب التقدم الذي تخطانا بعشرات السنين -مع أننا أول حضارة عرفتها البشرية- علينا أن نعترف أننا لن نحقق التقدم إلا إذا استطعنا استعادة الشخصية المصرية وعاداتها وتقاليدها التي بدأت تتوارى في التراب لتفسح المجال أمام أخلاقيات جديدة لم نعهدها طوال آلاف السنين. للأسف الشديد فقدت شخصية المصريين أهم مميزاتها التي كان يحسدنا العالم عليها.. فإذا نظرت في الشارع الآن فلن تجد السماحة والحب والشهامة والرجولة والتكاتف، وغيرها من أخلاق “,”أولاد البلد“,”.. ولكنك ستجد التطرف والحقد والبلطجة.. وكل إنسان يريد أخذ ما ليس له، ولا يسأل نفسه هل هذا حقي أم لا! وحتى أصحاب الحقوق فإنهم يتعجلون ولا يريدون الصبر، مع أننا صبرنا طويلاً دون أي أمل. وإذا كان الإمام أبو حامد الغزالي عمل على “,”إحياء علوم الدين“,”، فعلينا “,”إحياء الشخصية المصرية“,” من جديد. فبدونها لن نستطيع بناء مصر الجديدة. وكما لم يغفل الغزالي في كتابه “,”إحياء علوم الدين“,” آداب السفر والصحبة والكسب وغيرها، فعلينا تعليم أولادنا آداب الحوار وحسن طلب الحقوق وتقديس العلم والعمل. وكما اكتشف الغزالي أسرار الصلاة والزكاة والصيام؛ فمن الواجب علينا أن نعمل على البحث عن أسرار شخصية “,”ابن البلد“,” قبل أن نتحدث عن العمل والإنتاج؛ لأن صناعة البشر هي الأهم. دون إحياء الشخصية المصرية وأخلاقيات أولاد البلد، ودون عودة الحب إلى القلوب والسماحة إلى العقول؛ فلن نتقدم ولن ننهض. لذلك علينا أن نبحث عن المصريين ونستعيدهم، قبل البحث عن الدولة والدستور. فالأخلاقيات والعادات والتقاليد المصرية لا تموت.. علينا أن ننفض عنها التراب لتعود تلمع كالألماس.