لا يعد أي حديث عن المرأة كثيرا، ولا أي إشارة إلى أهميتها مبالغة، فهى تعيش في قلوبنا.. المرأة نصف المجتمع أو أكثر قليلا، فإن لم تكن الأغلبية فهى قريبة منها، ومن حقها بهذه الصفة أن يكون صوتها مسموعًا إن لم يكن مطاعًا. في كتابه «المرأة المسلمة بين تحرير القرآن وتقييد الفقهاء»، يقول المفكر الراحل جمال البنا، إن الله أراد للإسلام أن ينزل أول ما نزل على الأمة العربية لحكمة يعلمها. يوضح البنا: «لعلها أن العرب لم يكن لهم حضارة قديمة باذخة كالحضارة المصرية أو الآشورية تؤثر على مفاهيمهم وتتحكم رواسبها في قيمهم». لم يخل المجتمع العربى قبل الإسلام من سوءات قادحة استحقت أن يطلق عليها القرآن لقب «الجاهلية»، فلم يكن لهم سوى شرب الخمر ولعب الميسر والإغارة على غيرهم من القبائل. وكان من أبرز نقائص هذا المجتمع نظرته المتدنية إلى المرأة، فالمرأة لم تكن عنصرا منتجا أو محاربا، ولم تكن لها قيمة سوى إشباع غريزة هؤلاء المحاربين، فلم يكن المجتمع الجاهلى يرحب بالمرأة بل إنه رأى فيها عبئا وظهرت فكرة التخلص منها بالوأد الشنيع. ولعل أولى مآثر الإسلام في هذا الصدد هذا الجانب المهم والأصلى في المرأة لأن القدامى جميعا ركزوا على صفة المرأة كأنثى حتى محت صفتها كإنسان، فجاء الإسلام ليؤكد أن المرأة أولا وقبل كل شيء إنسان، فهى في هذا كالرجل. ومن هذا المنطلق كانت مساواة المرأة بالرجل في التكاليف وفى الثواب وفى العقاب وأى بيان أجمل أو أكثر دلالة على المساواة من الآية الكريمة: «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاء ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم» التوبة 71. واستشف العلامة الشيخ محمود شلتوت من مبايعة النبى للنساء معنى أشار إليه عندما قال: «لعلك تأخذ من مبايعة النبى للنساء مبايعة مستقلة عن الرجال أن الإسلام يعتبرهن مسئولات عن أنفسهن مسئولية خاصة مستقلة عن مسئولية الرجل». إن هذه الآيات غرست عميقا معنى إنسانية المرأة، بحيث أن السيدة أم سلمة _ أم المؤمنين _ لم تكد تسمع من حجرتها بالمسجد الرسول وهو ينادى على المنبر «أيها الناس» حتى قالت للماشطة التي كانت تمشط شعرها «لفى شعرى» فقالت لها: «يرحمك الله إنما يقول أيها الناس»، فردت أم سلمى: «أولسنا من الناس». تقف قضية الزى والحجاب ما بين وضع المرأة كإنسان ووضعها كأنثى، ولكن قد تكون علاقتها بالمرأة كأنثى أمس وأوثق. وقلما نجد من القضايا ما يتلبس الباطل بالحق، وما تحل الظنون فيها محل اليقين، فلو أخذنا الملابس قبل الإسلام لوجدنا أن المرأة البدوية كانت تغطى رأسها بخمار ليحمى شعرها من أشعة الشمس الحارقة وكانت ترسى هذا الخمار على ظهرها، فتظل فتحة جيب قميصها أو جلبابها أو فتحة الصدر حتى تظهر جذوع الثديين وما بينهما. «المرأة عورة» وإن كان هاجس الفتنة هو من أعظم ما يشغل الأديان جميعا، فالرسول كان عظيم التقدير للمرأة بحيث يصعب أن يطبق عليها عورة، ولأن القرآن الكريم لم يستخدم هذه اللفظة كوصف للمرأة، وإنما استخدمها بمعنى «السوأة» أي الأعضاء التناسلية. ومن هنا فإن القرآن لم يستخدم كلمة عورة لوصف المرأة، وأعتقد أنا الرسول الذي خلقه القرآن - وكان نصيرا للمرأة ومقدرًا لها - لا يصف المرأة بأنها «عورة» ويغلب أن الحديث من وضع بعض الذين «احتسبوا» وضع الأحاديث لأن الكثير من الأحكام الخاصة بالمرأة اعتمد على أنها «عورة» حتى أصبحت هذه الكلمة البذيئة من أكثر التعبيرات الفقهية استعمالا. كما قال الرسول: «النساء شقائق الرجال»، وقال: «ما أكرمهن إلا كريم وما أبغضهن إلا لئيم»، وكان يقوم عندما تدخل ابنته فاطمة ويعانقها ويقبل رأسها ويأخذ بيدها ويجلسها وكيف يثنى ركبته لتركب صفية ناقتها وكيف كان يبسط رداءه لمن يأتيه من كرائم النساء، وكانت آخر كلماته «استوصوا بالنساء خيرا».