جلس «محسن» الشاب الذي لم يتجاوز عقده الثالث في أحد أركان محكمة الأسرة بإمبابة ينتظر دوره لمقابلة موظف التسوية، وبدت عليه علامات الحزن والألم، وبمجرد أن حان دوره دخل مسرعًا إحدى غرف المكتب وكأنها المنقذ الوحيد الذي سيتمكن من خلاله من استعادة طفله الصغير. وروى لنا «محسن» تفاصيل عامين سابقين قائلا: «لم أكن كباقى جيلى من الشباب الذين يسعوا إلى السفر والخروج ومصاحبة الفتيات، فقد اختلفت عنهم كثيرا، حيث عملت على رسم مستقبلى وتحقيق أهدافى، حيث عملت بجهد حتى تمكنت من إنهاء دراستى الجامعية داخل كلية الهندسة، وعملت في مجال بناء العقارات وبدأت حياتى تستقر ماديا، ولم يكن ينقصنى شىء سوى الزواج لذلك طلبت من أفراد أسرتى البحث عن عروسة مناسبة، وبالفعل رشحوا لى عددا من الفتيات وقمت باختيار واحدة جلست معها وشعرت نحوها بحالة من الارتياح، وسريعا تقدمت لخطبتها، ولم تمر عدة أشهر حتى تمكنا من عقد القران، وأصبحت «آمال» زوجتى». صمت للحظات ثم استكمل حديثه قائلا: «كل شىء في بداية الأمر يكون جميلا ومع مرور الأيام يتغير، فبعد أن تزوجنا حاول كل منا إسعاد الآخر بكل الطرق المتاحة، ومرت الشهور الأولى وأخبرتنى زوجتى أنها تحمل داخل أحشائها طفلنا، وهنا أدركت أن الحياة ابتسمت لى، ومرت شهور الحمل وجاءت اللحظة المنتظرة ووضعت الطفل الذي أطلقنا عليه لقب «آدم»، ومن هنا بدأت التفكير في الأيام القادمة كيف نستطيع تربيته وتوفير حياة كريمة له، لذلك حاولت العمل بجد حتى أتمكن من توفير جميع متطلبات الحياة وتلبية احتياجات زوجتى وطفلي، ومع مرور الأيام لم أدرك أننى أهملت منزلى، فقد استحوذ الشغل على كل حياتى ولم يعد هناك وقت كاف أستطيع من خلاله الجلوس مع زوجتى، ما دفعها إلى الشعور بالوحدة والغضب، وقد حاولت زوجتى كثيرا أن تلفت انتباهى لذلك، ولكن دون جدوى، لذلك بدأت المشاكل بيننا، حتى تطورت إلى مشاجرات تزداد كل يوم، وفى أحد الأيام عند عودتى إلى المنزل لم أجد زوجتى وطفلي، وحاولت البحث عنهما كثيرا لكنى لم أجدهما، وظننت أنها ذهبت لمنزل أهلها، فأسرعت بالاتصال والسؤال عنها وأخبرونى أنها لم تأت، وأثناء البحث وجدت أحد الخطابات التي تخبرنى فيها أنها غادرت ولن تعود مرة أخرى، وأنها لن تستطيع أخذ الطفل معها لذلك ستقوم بوضعه أمام أحد المساجد، وهنا كانت الصدمة، فكيف تفعل ذلك بطفلها، وأسرعت كالمجنون للبحث عن ابنى «آدم»، وبعد عدة أيام تمكنت من العثور عليه داخل أحد دور رعاية الأيتام «ملجأ»، وعندما حاولت أخذه أخبرنى المسئولون أن أحد عمال المساجد قد وجده وقام بتسليمه لهم، ولن أستطيع أخذه إلا عندما أقوم بإثبات طفلى عن طريق إجراء تحليل DNA وحكم قضائى، وبالفعل أسرعت إلى محكمة الأسرة لرفع دعوى إثبات نسب حتى أتمكن من الحصول على طفلى». النسخة الورقية