الإسلاميون يقررون معاقبة المرأة بالضرب والسب إذا رفضت ارتداء الحجاب يبدو أن تيارات الإسلام السياسي المتطرفة لا تريد أن تتعلم الدرس، وتصر على الدخول في مواجهات مع المجتمع المصرى وتأجيج الصراع بأفعال خرقاء ودعوات لن تزيد العلاقة بينهم وبين بقية المصريين إلا احتقانا، فقد خرجت مؤخرا دعوات من قبل مجموعات سلفية تطالب بمحاسبة الفتيات اللواتى لا يرتدين الحجاب في نهار رمضان ومعاقبتهن بالضرب أو الإهانة حفاظا على قدسية الشهر الكريم والمجتمع من التحلل والانحدار الأخلاقى، بحسب بيان نشروه على موقع فيس بوك، هذه الدعوة تحاول إقرار الوصاية على المجتمع، ضاربة بعرض الحائط نصوص القانون والدستور واحترام خصوصية الآخر، والأخطر أن تلك الأفعال قد تؤدى إلى مواجهات دامية، فالتعرض للفتيات في الشوارع لن يمر مرور الكرام وستكون العواقب وخيمة. هؤلاء لا يخدمون الدعوة أو حماية الشرع والأخلاق كما يدعون، لكنهم يثبتون بهذه الدعوات الحمقاء أنهم قطيع يريد بالإسلام العودة إلى نظام الحسبة الذي طبق في العصور الإسلامية الأولى. الظاهرة انتشرت في مصر عقب ثورة يناير، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية مقتل شاب بالسويس كان برفقة خطيبته، ما دفع ثلاثة شباب إلى قتله بزعم أنهم وجدوه في وضع لا يجوز السكوت عنه، وأنه لا يحمل ما يثبت زواجهما أو خطبتهما. وبتجاهل تلك الحادثة خرجت علينا اليوم دعوات جديدة لمنع المرأة من النزول في نهار رمضان، حفاظا على المجتمع، وأن خروجها يبرر لهم فضحها عبر وسائل التواصل الاجتماعى تحت شعار «الغاية تبرر الوسيلة»، لتبقى التساؤلات مطروحة عن نوايا التيار السلفى، وما يسعون إلى تطبيقه في قادم الأيام. شباب السلفية يسيرون على نهج مشايخ الوهابية التهديد بالفضيحة على مواقع التواصل شعار رمضان لا أحد في مصر يستطيع أن يجزم بعدم وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أو حجم المؤمنين بها من التيارات المتشددة التي تستمد مرجعيتها من ظاهر النصوص الشرعية وأقوال مشايخ السلفية في بلاد الحرمين في كل مسألة، لتجعل من رجالها وأتباعها أوصياء الله على عباده المسئولين عن معاصيهم وخطاياهم، وتؤكد دعواتهم المتكررة لتطبيقه في الخفاء والعلن والرغبة في تطبيق ما يعتقدون أنه شرع الله. لا يدرك السلفيون في مصر خطورة وجود مثل هذه الهيئة واحتمال تحولها إلى وجه من أوجه الصراع مع الإسلاميين، خاصة أن مثيلتها في السعودية نتج عن تصرفاتها بعض الحوادث المؤسفة، فبعد مطاردة قام بها ستة من أعضاء الهيئة السعودية، قتل شابان بعد سقوط سيارتهما من فوق أحد جسور العاصمة الرياض أواخر سبتمبر 2013 على خلفية اصطحابهما لفتيات دون محرم، وشهدت مصر واقعة مماثلة، قتل على إثرها شاب بالسويس أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، كان الشاب بصحبة خطيبته دون محرم أو إثبات خلاف «دبلة الخطبة»، فكان جزاؤه القتل، وصدر بيان عن الهيئة المزعومة أعلنت فيه مسئوليتها عن مقتل الشاب، ويدعى أحمد حسين عيد 20 عاما طالب بالفرقة الثالثة كلية الهندسة جامعة السويس على يد أحد أعضائها. حيث زعمت تلك الهيئة أنه في ساعة متأخرة من فجر الخامس من يوليو لعام 2012، وأثناء استقلال عضوين من أعضاء الهيئة لدراجة بخارية، وأثناء تفقدهما لقطاع «بور توفيق» في مدينة السويس، لاحظا وجود أحد الشباب الذي كان يقف مع فتاة على جانب الطريق، بالقرب من موقف سيارات أجرة، مما استدعى نزولهما لسؤاله عن سبب تواجده في تلك الساعة المتأخرة من الليل مع الفتاة، وعن العلاقة التي تربطه بها. كما زعمت أيضا أن الشاب في البداية عرف نفسه بأن اسمه أحمد حسين عيد طالب بكلية هندسة، والفتاة خطيبته، «أي أنها أجنبية عنه والعياذ بالله»، وبسؤاله عن ما يثبت ارتباطه الرسمى بتلك الفتاة أشار لهما الشاب بدبلة من الفضة في يده «لا تغنى ولا تسمن من جوع»، ولا تفيد بشيء، مما أقنع أعضاء الهيئة الكرام بضرورة إنفاذ شعيرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في ذلك الشاب الذي تواجد مع امرأة أجنبية عنه، بغير ذى حق ولا عقد في ساعة متأخرة من الليل. وذكرت: «أنه قام أحد أعضاء الهيئة بإخراج عصا من الخيزران الخفيف، وكان ينوى ضرب الشاب بها ضربة خفيفة لا تؤذى، ثم نهره ونصحه بعدم الإتيان مرة أخرى بمثل ما أتى من مخالفة لشرع الله ومعصية لأوامره». وتابعت: «إن الشاب ثار وارتفع صوته، وقام بدفع عضو الهيئة على الأرض، وحاول الاعتداء عليه، فما كان من العضو الثانى إلا أنه أخرج العصا الكهربائية، وقام بمحاولة ردع الشاب، ومحاولة حمله على التراجع عن عدوانه، إلا أن الشاب استمر في ثورته، وقام بتوجيه السباب بأقذر الألفاظ لأعضاء الهيئة، وسخر من زيهم الإسلامى وارتدائهم الجلباب القصير، فاضطر بعد ذلك أحد أعضاء الهيئة لإخراج سكين كان يحمله معه لأغراض الدفاع عن النفس، وقام بضربه بها في قدمه ضربة خفيفة لم يقصد منها إيذاءه». وأكدت الهيئة المزعومة فتح تحقيق داخلى مع عضوها المتسبب في وفاة الشاب، ووعدت بتفتيش أعضائها تفتيشا دقيقا وكاملا قبل انطلاق حملاتهم، وذلك للتأكد من عدم حمل أي نوع من أنوع الأسلحة. مؤخرا ظهرت حملة دشنها عدد من شباب السلفية بعنوان «الغاية تبرر الوسيلة.. إن لم تستر نفسها.. نفضحها»، للتحريض على الفتيات اللواتى لا يرتدين ملابس محترمة - من وجهة نظرهم- خلال شهر رمضان القادم، حيث أعلنوا نيتهم تصويرهن ونشر الصور على الفيس بوك. وكتب منظمو الحملة في البوستر الدعائى: «أخى العزيز، أختى العزيزة، تبدأ حملتنا في أول شهر رمضان المبارك، سنلتقط صورًا وفيديوهات لأى فتاة ترتدى ملابس فاضحة وننشرها في جميع المواقع، إن لم تستر نفسها فمن سيسترها؟ سنفضح كل فتاة ترتدى ملابس فاضحة، اللهم بلغنا». وهو نفس طريقة الهيئة السعودية الأم في إجبار الفتيات على الالتزام بزى معين، حيث تشير إحدى الوقائع التي شهدتها السعودية مؤخرا إلى ما يتمتع به القائمون على النظام من غلظة شديدة، فقد ذكرت إحدى الصحف خبر مفاداه يفرض أعضاء الهيئة الفصل بين الجنسين ويجبرون النساء على ارتداء ملابس تغطيهن بالكامل. وأن سيدة ترتدى العباءة السعودية السوداء التقليدية ولا يظهر منها سوى يديها، عند محاولتها دخول متجر في إحدى الإسواق في مدينة حائل، أوقفها رجل ملتح وصرخ في وجهها مطالبا إياها بتغطية يديها، وطلب منها المغادرة قائلا: «توكلى على الله.. البسى قفازات». بدأت بشعار «التنبيه الشفهى» في إيران.. الحجاب بالإكراه وحمض الكبريتيك عقوبة «غير الملتزمات» على خلاف ما تشهده المملكة العربية السعودية من نماذج كثيرة جعلت من هيئة الأمر بالمعروف في المملكة نموذجا لا يجب الاقتداء به من قتل وضرب وفساد، تظل هيئة الأمر بالمعروف الإيرانية النموذج الأقبح من حيث التطبيق، فالشباب الموكل بالمهمة أبيح له كل شيء بما في ذلك إقامة الحدود على مرأى ومسمع من الجميع. وتأتى واقعة رش حمض الكبريت على وجوه وأجساد أربع فتيات في مدينة أصفهان، أكتوبر الماضى، لعدم ارتدائهن الحجاب، على رأس القضايا التي لم تجد حلا إلى الآن، رغم خروج تظاهرات عارمة للمطالبة بحماية الفتيات كجزء من الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها القائمون على الهيئة في حق الإنسانية. وتعود فكرة تشكيل هيئة الأمر بالمعروف في إيران إلى عام 1993، حينما أعلن مرشد الجمهورية الإيرانية، على خامنئى، ضرورة وجود فرقة في المجتمع تقوم بأداء مهام الأمر بالمعروف بشكل شفهى، معتبرا الهيئة مؤسسة ثقافية تعنى بنشر ثقافة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في المجتمع. وفى عام 2003، بات لدى الهيئة هيكل ومكاتب تمثلها في عدة مناطق، فضلا عن تشكيل إدارة مالية باتت تحظى بدعم العديد من المؤسسات الرسمية، وهو ما أعطاها طابعا شبه رسمى، لكن بلا قانون ينظم عملها. واعتمدت إيران في طريقة تشكيل الهيئة على لجان لأداء مهمة الترويج لثقافة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولهذه اللجان التي يتشكل كل منها من سبعة أشخاص مشرفين خصوصيين، وأيضا يوجد في كل أنحاء البلاد وفى المدن والضواحى نحو ألفى لجنة، وهناك لجان شعبية منها تتكون من المتطوعين المدنيين، كما جعل لها ممثلون في عدة مؤسسات رسمية مختلفة، معظمهم من الشباب والشابات، لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاما. وأكد الأمين العام للهيئة، أحمد زركر، في حديث له على قناة محلية إيرانية مؤخرا، أن «أعضاء الهيئة ينبهون بعض السيدات، وحتى بعض الرجال الإيرانيين، إلى طريقة ارتدائهم لملابسهم، وأمور أخرى تتعلق بالأخلاق الإسلامية، ويعلمونهم في ذات الوقت كيفية نشر هذه الثقافة». وأضاف زركر، في حديثه التليفزيونى، أن شعار الهيئة هو «التنبيه الشفهى مهمة الجميع»، مشيرا إلى أن عملها يتطور عاما بعد آخر، بعد أن بدأت بمجموعات صغيرة في خمس مدن إيرانية، ولكن العام الماضى وصل تواجد مجموعاتهم إلى 210 في المدن والقرى، معتبرا أن عملهم يعنى تطبيق المادة الثامنة من الدستور الإيرانى، والتي تحض على الأمر بالمعروف وفعل الخير. سلفي يفشل في تأسيسها بمصر.. والحملات مستمرة في الجزائر «الأمر بالمعروف».. أسطورة «كيل الشرع بمكيالين» تتمدد خارج المملكة صنعت في المملكة العربية السعودية، لكن الصورة الذهنية عنها سيئة، هكذا استقرت الصورة الذهنية لجماعة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» عند عموم المسلمين، ففى السعودية رغم أن الهيئة الإسلامية هي التي تقف وراءها، وهى التي لا تتورع في تنفيذ «الحد» على أي مذنب تراه، لكن تجربة الهيئة في السعودية كان عليها كثير من المثالب، ومنها أنه طالما كان المذنب من غير أبناء الطبقة الحاكمة، فلا عذر له، كما أنه مرورًا بتجارب أخرى لهيئات مماثلة، لا تبدو الصورة جيدة. وفى مصر كانت هناك محاولة لترسيخ هيئة بهذا الشكل والهدف، عقب وصول الإخوان للحكم، ورغم أنها لم تسقط بسقوطهم، إلا أن الرفض الشعبى حال دون استقرار المحاولة، إذ أنه وبعد زوال حكم الإخوان خرجت دعوة مؤخرا من مجموعة تطلق على نفسها «حماة الإسلام» تطالب الأزهر والأوقاف بإنشاء لجنة لمراقبة المجتمع، وهو ما أعاد المخاوف من مدى علاقة تلك الجماعة الجديدة بمحاولة تأسيس سابقتها، وظهرت علامات استفهام حول الداعين لها وعلاقتهم بهيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» السعودية. إلا أن الأمر لم يتوقف عند مصر، فقد تبنى عدد من الشباب الجزائرى حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعى تحت شعار «كن رجلًا ولا تدع نساءك يخرجن بلباس فاضح»، واتخذ هؤلاء من الصورة الأساسية لحملتهم حجابا في مقابل «فستان قصير»، وشهدت الحملة تفاعل الآلاف من الشباب الجزائرى الذين بدءوا يشاركون فيها عبر نشر صور لنساء عائلاتهم يرتدين ملابس محافظة، فضلًا عن نشر شعارات تشجع على ارتداء الحجاب. إلا أن هذه الحملة واجهت هجوما مضادا من شباب جزائريين آخرين، اعتبروا أن التركيز على تلك الأمور هو مما جلهم في ذيل الأمم. وقالت لومة الدليمى: «أريد أفهم ممن يدعون لذلك باسم الإسلام لماذا يقصدون المرأة فقط، ولا يعالجون الفساد، والقذارة والسرقة والغش، والقتل والأخلاق المتدنية التي يمارسها الشباب والرجال الفاسدون، قبل أن يلتفتوا إلى لباس المرأة، وكأن كل شيء تمام وبقى الحجاب فقط». وقالت هناء نور: «لأن المرأة أضعف وأقل قيمة في المجتمعات العربية يحاول الذكور تطبيق الشرع عليها، فقط لأنه أسهل وأبسط فيبرز تدينه عن طريق فرض سطوته على المرأة، ليتعالى برجولته وتدينه»، وتابعت، للشرع فروض كثيرة على الرجل والمرأة، لكنهم لا يجدون إلا زى المرأة فقط، إنها الجاهلية، فنساؤهم أحرار ورجالهم كل الذنوب يرتكبونها. ورغم أن تلك الهيئات أو الحملات التي تحاول أن تسير على طريقها، تبدأ بحديث منمق وتأكيدات على أنها لن تقع في العنف، أو يتعدى دورها النصح، إلا أن ذلك لا يحدث إطلاقا، ولنا في هيئة الأمر والمعروف والنهى عن المنكر التي تأسست بمصر في يناير 2013، المثل، حيث أسس تلك الهيئة سلفى يدعى هشام عشرى، وهو من أصول أمريكية، حيث ترك منكر أمريكا، وجاء ليواجه المنكر في مصر، وأعلن عن الهيئة عبر بيان تأسيسى، وفى تصريحات صحفية له قال: إن الهيئة ستفرض الزى الشرعى على الرجال والنساء في مصر، إذ ستمنع الرجال من ارتداء البناطيل الضيقة أو «الحلقان والغوايش»، لأن ذلك فيه تشبه بالنساء، في حين ستفرض الحجاب على جميع النساء، بما فيهن النساء المسيحيات، قائلا: إذا لم ترضَ القبطية بالإسلام، فيجب أن ترتدى الحجاب حتى لو كانت غير مقتنعة. وبعد قرابة العام من ظهور تلك الهيئة سقط أول ضحاياها، وكان شابا في السويس، سقط قتيلًا على إيدى ثلاثة ملتحين حاولوا نهيه عن قيامه بما اسموه «فعلًا فاضحًا»، وهو الإمساك بيد خطيبته خلال سيرهما في الشارع. أزهريون يحذرون من فرض الوصاية على المجتمع عبد الجليل: لا يجوز لآحاد الناس اغتصاب صلاحيات الدولة اتفقت رؤية علماء الأزهر الشريف على كون الحسبة أمرا واجبا شرعا، إلا أنه ليس لعموم المسلمين تطبيقه في ظل وجود الدولة ككيان مسئول عن إقرار الحقوق والواجبات. الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف السابق، شدد على أن الأصل في مسألة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المعروفة في الفقه الإسلامى بنظام الحسبة يجب أن تكون بالقول اللين والكلمة الطيبة البعيدة عن الشدة أو العنف، امتثالا لقوله تعالى في مخاطبة رسوليه موسى وهارون «اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى». وقال عبد الجليل: إن البشر جميعا وكلوا كدعاة في نهى الناس بالقول اللين أو تجاوز ذلك بالدعاء لهم لا أن يجعلوا أنفسهم قضاة أو يراقبون أفعال الناس ويوجهونها كما يرغبون، مشددا على أن المسلم مهمته الإرشاد بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يجوز التحول عنها إلى العنف والغلظة والسب أو الإهانة أو ما شابه ذلك من تجاوز يرفضه المشرع الكريم. وأكد عبد الجليل أن مسئولية ضبط المجتمع ونظامه تقع على عاتق الدولة وحدها، ولا يجوز لآحاد الناس الخروج على الدولة في ذلك أو أن اغتصاب صلاحياتها ومسئوليتها بزعم عدم قيامها بالأمر المفروض عليها، موضحا أن الحسبة المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر -وإن كان ذلك واجبا- لها من الضوابط الكثير، مما يكفل عدم التجاوز في حقوق الآخرين، وتقييد حريتهم بمنعهم من ارتداء ملابس معينة أو الخروج لقضاء حوائجهم بحج تتعلق بالشخص الراغب في فرض وصايته، وأهمها أن يكون التوجيه باللين والكلمة الطيبة بعيدا عن الشدة. وفيما إن كانت مصر بحاجة إلى إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما يطالب شباب التيار السلفى في مصر لضبط الأخلاق ومواجهة التحلل الأخلاقي، أكد عبدالجليل أن المسألة ترجع إلى رؤية أولى الأمر بإنشاء هيئة أو عدمه، لكنها في نهاية الأمر مسئولية تقع على الدولة وليس على الأفراد أو مجموع المسلمين أو خواصهم. فيما ذهب أيمن أبو الخير، إمام بالأوقاف، إلى أن هذه الهيئة المزعومة تهدف إلى تركيع وإذلال الشعب المصرى باسم الدين، فالتاريخ السلفى في مصر يثبت أنهم مجموعة من المتآمرين، ولا يتناصحون بينهم بالمعروف إنما يصمون آذانهم ويغمضون عيونهم عن مصائبهم التي يرتكبونها، بينما يحاسبون الناس على هفواتهم. وتساءل «أبو الخير»: ماذا فعل السلفون مع نائب مجلس الشعب الذي ألقى القبض عليه متلبسا داخل سيارته بأفعال منافية للآداب، وماذا فعلوا مع البلكيمى الذي كذب على مصر كلها من أجل تجميل أنفه، وغيرها من الوقائع، فلماذا لم نر محاسبة لهؤلاء؟ هدفها صيانة المجتمع من الانحراف ابن تيمية: «الحسبة» ولاية دينية يُعَيّن الحاكم بمقتضاها من يتولى مهمتها ابن القيم: الرسول رأى أكثر المنكرات بمكة ولم يُغيرها يعرف شيخ الإسلام ابن تيمية الحسبة بأنها ولاية دينية يقوم ولى الأمر - الحاكم - بمقتضاها بتعيين من يتولى مهمة الأمر بالمعروف إذا أظهر الناس تركه، والنهى عن المنكر إذا أظهر الناس فعله، مشيرًا إلى أنها صيانة للمجتمع من الانحراف، وحماية للدين من الضياع، وتحقيقًا لمصالح الناس الدينية والدنيوية وفقًا لشرع الله. ويضيف: «لقد أوجب الله تعالى على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب قدرته وعلمه، وقال الله تعالى: «وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»، وأوضح أنها وظيفة رسمية من وظائف الدولة المسلمة، تختص بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وأنها وسيلة رسمية للقيام بهذا الواجب. ويتابع ابن تيمية قائلًا: «يقوم نظام الحسبة في جوهره على حماية محارم الله تعالى من الانتهاك، وصيانة أعراض الناس، والمحافظة على المرافق العامة والأمن العام للمجتمع، إضافة إلى الإشراف العام على الأسواق وأصحاب الحرف والصناعات وإلزامهم بضوابط الشرع في أعمالهم، ومتابعة مدى التزامهم بمقاييس الجودة في إنتاجهم، وكل ذلك يتم بالتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص من وزارات ومؤسسات وغيرها». ويشدد ابن تيمية على أن الإسلام يهدف من خلال الحسبة إلى خلق مجتمع آمن مستقر تسوده المحبة، ويجتمع أفراده في التعاون على البر والتقوى، وأن الواجب منها تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدين مع احتمال أدناهما هو المشروع. وللإمام ابن القيم رأيه فيما يخص النهى عن المنكر، فهو عنده يجب على أولى الأمر وهم علماء كل طائفة، وأمراؤها، ومشايخها، المفترض بهم أن يقوموا على عامتهم ويأمروهم بالمعروف وينهوهم عن المنكر، موضحًا أنه شرع للأمة إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر. وأشار ابن القيم إلى حديث النبى: «من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يدا من طاعته»، ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى بمكة أكبر المنكرات ولا يستطيع تغييرها، بل لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثى عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه كما وجد سواء. النسخة الورقية