يكشف التقرير الذي نشرته مجلة "فوربس" عن "مليارات الملالي" في إشارة إلى رجال الدين الإيرانيين أو المرجعيات الشيعية للطائفة الإثنى عشرية، وفي مقدمتهم بالطبع علي خامنئي، المرشد الاعلى للثورة الإيرانية، الذي قدرت المجلة ثروته بحوالي 95 مليار دولار، مجموعة من الدلالات الهامة والخطيرة التي لا تكشف فساد رجال الدين في إيران بقدر ما تكشف حقيقة ومخاطر التوجه الإيراني في المنطقة، وهي الرؤية التي غابت عن كثير من المتابعين والمعلقين على التقرير الذي نشرته قناة العربية قبيل أيام، حيث ذهب معظمهم إلى إبراز فساد النخبة الدينية في إيران، دون أن يدركوا المخاطر الحقيقية للتقرير، ولعلهم معذورون في تناولهم للتقرير بهذا الشكل السطحي، فلم يكن أحد يتوقع أن خامنئي، رجل العلم والدين، يمتلك وحده هذا المبلغ الذي لا يمتلكه أي ثري عربي وربما أجنبي. على أن التحليل الدقيق لهذا التقرير يشير إلى دلالة واضحة هي أن هذه الأموال، ليس كما يشاع، ينفقها قادة إيران "الدينيين" على متعهم وملزاتهم الخاصة، ففي هذا الكثير من السطحية، ولكن الحقيقة أن هذه الأموال، التي لا تدخل ضمن الموازنة العامة بطبيعة الحال ولا تخضع لأي رقابة أو محاسبة من أي جهة في إيران، موجهة كسلاح فتاك للدول العربية، من خلال دعم حلفائها في دول البحرين واليمن ولبنان وسوريا والكويت والسعودية في المنطقة الشرقية، فالجميع لم يسأل نفسه من أين ينفق الحوثيين على تجهيز جيوشهم التي لا تفعل لشيء سوى الحروب؟ ومن يدعم المعارضة الشيعية في البحرين؟ ومن يقدم الدعم المالي والعسكري لحزب الله والنظام السوري؟ فحتى القريب كان الشائع عن إيران أنها دولة تعاني من ضعف الاقتصاد وغلاء الأسعار، بسبب سلسلة العقوبات المفروضة عليها من الخارج بسبب برنامجها النووي، وكان حكام إيران دائما ما يرسخون لصورة ذهنية عن تواضعهم وفقرهم، حيث كان يتردد عن الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، أنه يقود سيارة فئة بيجو 504، موديل السبعينيات، فضلا عن إظهاره تواضعه وفقره، وقد كان من حق الجمهورية الإسلامية وقتها أن تقنع العالم بأنها لا تستطيع الانفاق على حلفائها المنتشرين في دول الجوار بسبب ضائقتها المادية، لكن بعد انكشاف حجم ثروة الحكام الحقيقيين للدولة الإيراينية، تبين للعالم كله من يدعم الإرهاب في الدول العربية ودول الخليج! أيضا يكشف التقرير حقيقة هامة جدا، ربما يجب على الشعوب العربية النظر إليها جيدا، وهي أن فكرة الثورة ليست دائما على حق، وقد يكون الحاكم الحالي أفضل بكثير من الثائر الذي لا يعلم توجهه، فثروة "خامنئي" تفوق بثلاثين مرة تلك التي كان يملكها الشاه محمد رضا بهلوي، الذي قامت الثورة عليه في بدايتها بسبب فساده المالي، فجاء من بعده ليرسخ بأن الشاه كان زاهدا مقارنة بجشع خامنئي وعصابات مدينة قم في إيران، كما كانت ثورة الخميني وبالا على الشعب الإيراني الذي عزلته عن العالم وتركته يعيش في جزيرة منعزلة، محاصرا بالعقوبات من الخارج، ومحاطا بالعصا الأمنية الغليظة من الداخل، في ظل عملية إفقار منظم للشعب الإيراني. وفي هذا رسالة أيضا للمعارضة البحرينية التي تسعى للوصول للسلطة، فأي نموذج يعدون به الشعب البحريني وقد تبين زيف مرجعياتهم التي تتلمذوا على أيديها في مدينة قم بإيران؟ ومن سيصدق حديثهم المزعوم، اليوم، عن الظلم الذي يتعرض له الشعب البحريني؟ وليس أكثر بجاحة من مرجعيات شيعة البحرين إلا بجاحة مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يتحدث عن الظلم في البحرين وإن إيران تساعد المظلومين في المملكة، وهي نفسها أي إيران تعيش أوضاعا من الفقر إلى درجة أن المواطن هناك لا يستطيع توفير احتياجاته من المواد الأولية الرخيصة كالأرز والماء والخبز؟ كما وصلت البطالة في إيران إلى أرقام مرعبة حوالي 10 ملايين عاطل، نخر الغلاء ظهورهم وأوصلهم إلى العيش في الكهوف. أخيرا فإن التقرير قد أظهر حقائق وأرسى قناعات وهي أن حكام العرب أفضل بألف مرة من الثورة المزعومة التي ينادي بها خلايا إيران في المنطقة الخليجية، ولم يعد من المقنع أبدا لأي مواطن عربي أن يثور ليكرر مأساة "المملكة الإيرانية" التي أصبحت "جمهورية العبيد والفقراء" بينما يرتع حكامها في خيرات الشعب وينهبون قوت يومه باسم "الخمس الشيعي"!