يحتفل العالم غدا باليوم العالمي للتنوع البيولوجي 2015 تحت شعار "التنوع البيولوجي من أجل التنمية المستدامة" حيث يبرز موضوع هذا العام أهمية الجهود المبذولة على كل الصعد لوضع أهداف إنمائية مستدامة تكون جزءا لا يتجزأ من جدول الأممالمتحدة لأعمال التنمية للفترة 2015 - 2030 وما يعنية التنوع البيولوجي للتنمية المستدامة. ويرتبط مصير الإنسانية ارتباطا وثيقا بالتنوع البيولوجي من حيث تنوع الحياة على الأرض، والتنوع البيولوجي هو بذلك أمر أساسي للتنمية المستدامة ورخاء الإنسان، من حيث أنه عامل حاسم نظرا للسلع الأساسية والخدمات الإيكولوجية التي يقدمها في الحد من الفقر . ويعتمد 3 مليارات نسمة على التنوع البحري والساحلي، في حين يعتمد 1.6 مليار نسمة لكسب معايشهم على الغابات والمنتجات الحرجية غير الخشبية، وبالتالي فإن تدهور الموئل وخسارة التنوع البيولوجي يهددان معايش ما يزيد عن مليار إنسان ممن يعيشون في الأراضي الجافة وشبه الرطبة، ولذا يلزم تطوير خطط شاملة لحماية التنوع البيولوجي بما يحقق التنمية المستدامة وخفض الفقر. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت بموجب قرارها 55/201 في 20 ديسمبر عام 2000، يوم 22 مايو يوما دوليا للتنوع البيولوجي لزيادة الفهم والوعي بقضايا التنوع البيولوجي، وخصص هذا التاريخ تحديدا لإحياء ذكرى اعتماد نص اتفاقية التنوع البيولوجي في 22 مايو عام 1992 بحسب الوثيقة الختامية لمؤتمر نيروبي لإقرار النص المتفق عليه لاتفاقية التنوع البيولوجي. والتنوع البيولوجي هو مصطلح يطلق على مجموعة متنوعة من الحياة على كوكب الأرض والأنماط الطبيعية التي تكونها، والتنوع البيولوجي كما نرى اليوم هو ثمرة مليارات السنين من التطور شكلته العمليات الطبيعية وبصورة متزايدة التأثير البشري كذلك، ويكون التنوع البيولوجي بذلك شبكة الحياة التي نحن جزء لا يتجزأ منها كما أننا نعتمد عليها اعتمادا كليا.. وغالبا ما يفهم هذا التنوع في إطار التنوع النباتي والحيواني والكائنات الدقيقة، وحتى الآن تم تحديد ما يقرب من 1.75 مليون نوع معظمها مخلوقات صغيرة كالحشرات. ويقدر العلماء أن هناك ما يقرب من 13 مليون نوع، على الرغم من أن التقديرات تتراوح ما بين 3 إلى 100 مليون نوع، ويشمل التنوع البيولوجي أيضا الاختلافات الوراثية في كل نوع على سبيل المثال، الاختلافات بين الأنواع الجديدة من المحاصيل والسلالات الحيوانية، وتحدد الكروموسومات والجينات والحمض النووي## DNA ## وهي اللبنات الأساسية للحياة ما يفرد كل شخص وكل نوع. إن حاجتنا إلى أجزاء من الطبيعة التي غالبا ما نتجاهلها هي غالبا حاجة ذات أهمية قد لا تدرك مسبقا، فقد هرعنا عائدين إلى خزانة الطبيعة بحثا عن العلاج للأمراض أو للحصول على جينات قوية من النباتات البرية لإنقاذ محاصيلنا من تفشي الآفات، وأكثر من ذلك، فما يجعل هذا الكوكب صالحا لحياة كل الأنواع بما فيها البشر، هي التفاعلات بين مجموعة متنوعة من المكونات المختلفة للتنوع البيولوجي، فالصحة الشخصية وصحتا الاقتصاد والمجتمع البشري، تعتمد على الإمداد المستمر للخدمات الإيكولوجية المتنوعة التي كان من الممكن أن تكون مكلفة جدا أو أن يكون من غير المحتمل إيجاد بدائل لها، وتتنوع هذه الخدمات الطبيعية تنوعا لا يمكن حصره، فعلى سبيل المثال، لن يكون عمليا إلى حد كبير استبدال ماتقوم به المخلوقات التي تتغذى على بعضها بعضا من مكافحة الآفات أو التلقيح الذي تقوم به الحشرات والطيور في إطار حياتها اليومية. وتشير تقارير برنامج الأممالمتحدة للبيئة الخاصة بالتنوع البيولوجي البحري، حيث تقدم الأسماك 20% من البروتين الحيواني لنحو 3 مليارات إنسان، وتقدم 10 أنواع فقط نحو 30 % من كميات الصيد البحري الطبيعي، كما تقدم 10 أنواع زهاء 50% من إنتاج قطاع تربية الأحياء المائية. وقد تكلف شبكة من المناطق البحرية المحمية، يهدف منها الحفاظ على 20 إلى 30 % من البحار والمحيطات، ما بين 5 مليارات إلى 19 مليار دولار، إلا أن ذلك يساعد على حماية ما قيمة 70 إلى 80 مليار دولار من المصيد السمكي، بالإضافة إلى توفير خدمات النظم الإيكولوجية البحرية التي تبلغ قيمتها من 4.5 إلى 6.7 تريليون دولار سنويا، كما قدرت القيمة الاقتصادية الوسطية السنوية لمصايد الأسماك، مدعومة بموائل المانغروف في خليج كاليفورنيا، بحوالي 500 37 دولار لكل هكتار من أغصان غابات المانجروف. وتبلغ قيمة غابات المانجروف كمحمية ساحلية 300 ألف دولار لكل كيلومتر من الساحل.. وتسند المناطق البحرية والساحلية والداخلية تشكيلة واسعة ثرية من التنوع البيولوجي المائي تساهم في تحسين حياة السكان من النواحي الاقتصادية والثقافية والتغذوية والاجتماعية والترفيهية والروحية. وتقدر مساهمة الحاجز المرجاني العظيم في الاقتصاد الأسترالي ب 6 مليارات دولار أسترالي، بحساب قيمة السياحة وغيرها من أنشطة الاستجمام والصيد التجاري فقط.. كما توفر السياحة المعتمدة على الطبيعة في أفريقيا نفس مبلغ الإيرادات التي توفرها الزراعة والغابات ومصايد الأسماك مجتمعة. أما التنوع البيولوجي للنباتات، إن التفاوت الموجود بين الكائنات الحية التي تتراوح من الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا والفطور والكائنات وحيدة الخلية إلى الحيوانات المتوسطة الأكبر حجماً كالقراد والحشرات نابضية الذيل أمر أساسي وضروري للزراعة. ومن بين 80 ألف نوع شجري، تمت دراسة ما يقل عن 1% لمعرفة إمكانات استخدامه، وتقدم النباتات أكثر من 80% من الوجبة الغذائية البشرية، وتقدم 5 محاصيل حبوب فحسب نحو 60% من الطاقة المتحصل عليها. وقد تمت زراعة نحو 7000 نوع من النباتات عبر التاريخ البشري من أجل الاستهلاك. وتقدم الغابات، بوصفها أحد أهم مستودعات التنوع البيولوجي اليابسي، سواء منها الغابات الإستوائية والمعتدلة والشمالية ، موائل طبيعية متنوعة جداً للنباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة، وتخزن المنتزهات الوطنية لكندا 4.43 جيجا طن (مليار طن متري) من الكربون، وهي خدمة تقدر قيمتها ما بين 11 مليار دولار إلى 2.2 ترليون دولار اعتمادا على الأسعار السوقية للكربون. وتخزن المناطق المحمية في المكسيك 2.45 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهي أكثر من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المكسيك لخمس سنوات، وتقدر قيمتها ب 12.2 مليار دولار. في حين قدر أن القيمة الإجمالية لفوائد المملكة المتحدة السنوية من غاباتها هي في حدود مليار جنيه أسترليني. ويشمل ذلك على الاستجمام (393 مليون جنيه أسترليني)، والتنوع البيولوجي (386 مليون جنيه أسترليني)، والمناظر الطبيعية (150 مليون جنيه أسترليني)، وتنحية الكربون (94 مليون جنيه أسترليني). ولم تشمل التقديرات، التي قامت بها لجنة الغابات البريطانية، قيما مثل مساهمة الغابات في العرض ونوعية المياه العذبة، وتنقية الهواء، والحد من انجراف التربة. ويشكل التنوع البيولوجي لنحو 35 نوعاً حيوانياً تم تدجينها للاستخدام في الزراعة وإنتاج الأغذية رأس المال البيولوجي الأساسي لتنمية وتطوير الثروة الحيوانية، وهو كذلك حيوي لكل من الأمن الغذائي والتنمية الريفية المستدامة.. وتشير التقارير إلى أن من بين 8300 سلالة حيوانية معروفة، إنقرض 8 %، و 22% يتهددها خطر الإنقراض.. وإن استهلاك صنف ما فوق صنف آخر يمكن أن يصنع الفارق بين الكفاية التغذوية وبين عدم الكفاية.. وتعد الكائنات الدقيقة والفقاريات عاملاً رئيسياً في خدمات النظم الإيكولوجية ، غير أن مساهماتها ما زالت تعاني من قلة المعرفة والتقدير من جانب بني الانسان. وتشير التقارير إلى أن فقدان التنوع البيولوجي يقلل إنتاجية النظم الإيكولوجية كثيرا، ويقلل بالتالي سلة الطبيعة من السلع والخدمات التي نستخدمها دائما.. كما أنه يزعزع استقرار النظم الإيكولوجية، ويضعف قدرتها على التعامل مع الكوارث الطبيعية مثل الفياضانات والجفاف والأعاصير، فضلا عن تلك التي يتسبب فيها الإنسان مثل التلوث وتغير المناخ. ونحن ننفق بالفعل مبالغ طائلة في التصدي للكوارث التي تفاقمها إزالة الغابات مثل الفيضانات والأضرار الناجمة عن العواصف، ومن المتوقع تزايد هذه الأضرار بسبب الإحترار العالمي، ونتعرض للضرر بصور كثيرة بسبب فقدان التنوع البيولوجي، فالهوية الثقافية متجذرة في البيئة البيولوجية والنباتات والحيوانات هي رموز لعالمنا، يحافظ عليها في الأعلام والتماثيل وغيرها من الصور التي تحدد هويتنا ومجتمعاتنا.. كما أننا نستلهم الجمال والقوة بمجرد النظر في الطبيعة. وفي حين أن فقدان الأنواع كان دائما ظاهرة طبيعية، إلا أن وتيرة الانقراض تسارعت بشكل كبير نتيجة للنشاط البشري.. فالنظم الإيكولوجية تجزأ أو يقضى عليها، وهناك أنواع لا حصر لها آخذة في الإنقراض أو أنها قد أنقرضت بالفعل.. ونحن نتسبب في أكبر أزمة انقراض منذ الكارثة الطبيعية التي قضت على الديناصورات قبل 65 مليون سنة.. وهذه الإنقراضات لا يمكن عكس مسارها، وتمثل تهديدا لرفاهنا بسبب اعتمادنا على محاصيل الغذاء والأدوية وغيرها من الموارد البيولوجية.. ومن غير الأخلاقي أن ندفع أشكال الحياة الأخرى إلى الإنقراض، وبالتالي حرمان أجيال الحاضر والمستقبل من خيارات البقاء والتنمية. وتشكل الأخطار التي تتهدد التنوع البيولوجي، حيث لا يزال فقدان الموئل، من خلال التغيرات في استخدام الأراضي وبخاصة تحويل الأنظمة الإيكولوجية الطبيعية إلى أراض زراعية، هو أكبر سبب مباشر لفقدان التنوع البيولوجي، فقد حول 20 إلى 50 % من مجموع مساحة الأحياء البرية 14الموجوة على كوكب الأرض إلى أراض زراعية.. ولا يزال الاستخدام غير المستدام للنظم الإيكولوجية والاستغلال المفرط للتنوع البيولوجي تمثل تهديدات رئيسية، ويستخدم البشر الكثير من الأنواع لتلبية الاحتياجات الأساسية، وتعاني الكثير من الأنواع من التدهور نظرا لاستخدامها على مستويات غير مستدامة أو لحصادها بصور تهدد النظم الإيكولوجية التي تعتمد عليها، وينتشر هذا التدهور على نطاق واسع. ومن المتوقع أن يغدو تغير المناخ بصورة تدريجية تهديدا كبيرا للتنوع البيولوجي في العقود المقبلة.. فقد لوحظت التغيرات في توقيت الإزهار وأنماط الهجرة، فضلا عن توزع الأنوع بالفعل في أنحاء العالم، وفي أوروبا على مدى40 سنة الماضية، تقدمت بداية موسم النمو بنسبة 10 أيام في المتوسط، ويمكن لهذه النوعية من التغيرات أن تغير في سلاسل الغذاء وخلق تباين في إطار النظم الإيكولوجية التي طورت فيها الأنواع المتعددة فيما بينها اعتمادا متبادلا ومتزامنا، مثل الاعتماد المتبادل القائم بين التعشيش وتوافر الغذاء.. ومن الممكن أن يتسبب نقل النباتات والحيوانات والكائنات الدقية بقصد أو بدون قصد إلى منطقة خارج نطاقاتها الجغرافية الطبيعية في حدوث أضرار كبيرة للأنواع الأصلية التي تتنافس معها على الغذاء أن تتغذى عليها، وبالتالي نشر الأمراض والتسبب في حدوث تغيرات جينية من خلال التناسل مع الأنواع الأصلية، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى تعطيل جوانب عدة من شبكة الغذاء والبيئة المادية. وقد عثر على 530 نوعا غريبا تحمل دليلا ثابتا بالأثر الواقع على التنوع البيولوجي في 57 بلدا جمعت بياناتها، وبمتوسط 50 نوعا لكل بلد في نطاق من 9 إلى 200 نوع غريب. ويسبب تراكم تلوث الفوسفور والنيتروجين الذي يسببه بشكل كبير فائض الأسمدة الزراعية المتسربة من الأراضي الزراعية ومن المجارير والنفايات السائلة الأخرى، في تراكم طحالب قادرة على الاستفادة من العناصر الغذائية المضافة.. ويمكن أن تكون الطحالب نفسها سامة وتسبب خطرا على الصحة، إلا أن ضررها الأكبر على التنوع البيولوجي هو الذي يسببه عندما تحليلها للأوكسجين أو استخدامه بكميات كبيرة في المياه، مسببة بذلك مناطق موت لا يمكن لاي شكل من أشكال الحياة من البقاء فيها. وقد ارتفع عدد مناطق الموت هذه من 149 منطقة في عام 2003 إلى ما يزيد عن 200 منطقة في عام 2006.. وقد يؤدي استمرار إطلاق الملوثات من المصادر الحضرية والزراعية مجتمعة مع النمو المتوقع في التنمية الساحلية والتكثيف الزراعي، إلى تكاثر عدد مناطق الموت في العقود القادمة، إلا إذا نفذت تغييرات كبيرة في السياسات. وتعتبر البحار والمحيطات التي تضم ثاني أكبر تنوع بيولوجي في العالم، لا بل يمكن القول إن التنوع البيولوجي البحري يضارع التنوع الموجود في الغابات الأولية والمدارية، ولكن حالة المحيطات في أقطاب العالم الأربعة تتراجع بسبب نشاطات الإنسان، فارتفاع درجات الحرارة ، وارتفاع مستوى البحر (بين 7 و70 مترا في ظل السياسات المتهاونة المعتمدة على الصعيد الدولي حالياً)، والأضرار غير المسبوقة الملحقة بالشعاب المرجانية، واختفاء مستنقعات المياه المالحة وأشجار المانجروف، والتناقص المتسارع للأسماك، والإرتفاع الخطير لمعدلات التلوث، هي بعض المخاطر البالغة التي تحدق بالتنوع البيولوجي البحري وبصحة المحيطات. ويعتبر أحد أبرز عوارض أزمة التنوع البيولوجي البحري هو حالة صيد الأسماك المقلقة في العالم، حيث تعاني 70% من الأرصدة السمكية في 12 منطقة صيد من أصل 16 منطقة أحصتها منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) من الإستغلال الكامل أو الإستغلال المفرط.. وقد تسرع تربية الأحياء المائية التي تفضل الأسماك آكلة اللحم، انهيار الأرصدة السمكية.. بالإضافة إلى ذلك تعزز زيادة التلوث بأشكاله كافة وتحمض المحيطات بسبب التغير المناخي وامتصاص المحيط لثاني أوكسيد الكاربون، خسارة التنوع البيولوجي البحري ونفوق المرجان المبرمج إن جاز التعبير، ففي آسيا مثلا 80 % من الشعب المرجانية معرضة للخطر وقد تختفي بحلول العقدين القادمين. ويشكل زوال أشجار المانجروف، خصوصاً بسبب الإضفاء المتنامي للطابع الإصطناعي على الشواطئ، والتنمية الحضرية والسياحية، والإستغلال المفرط، مأساة أخرى من مآسي التنوع البيولوجي لأنها كانت البيئة البحرية الأغنى بهذا التنوع. وتجدر الإشارة إلى أن 70% من أشجار المانجروف الآسيوية سبق أن اختفَت، فيما يمكن أن يلقى ما تبقى منها المصير نفسه بحلول العام 2030.