أكد الباحث الأثري أحمد عامر أن كل بلدان العالم تحتفل بيوم العامل تقديرًا لما يبذله من جهد، إذ يمثل إعلاء لقيمة العمل للإنسان في كل مكان سعيًا لبناء حضارته ورقيها والمضيّ بها قُدمًا في طريق التطور، وتُعد مصر من أوليّ دول الحضارات التي قدست العمل والإنتاج وحققت إكتفائها الذاتي بنفسها،ومن ثمّ قدست العامل والمهن الحرف وبفضل هؤلاء المهرة من الصُناع والفنانين والمثالين والنحاتين الذين كانوا يعملون في الخدمات العامة فقد شيدت وقامت روائع الأعمال المعمارية من العمائر الدينية والجنائزية والتي تُعد من أهم خصائص الحضارة المصرية القديمة،وتمثل فئة العمال والمزارعين الكثرة الغالبة من الشعب،وقد كان الملك "أمنحوتب الأول"هو أول من فكر في تكوين طائفة خاصة من العمال والنحاتين والفنانين ولهذا أصبح محل تقديس بعد وفاته،وفي عصر الدولة الحديثة بدأ العمال يستقرون في قُري خاصة بهم ليكونوا بالقرب من عملهم فإستقروا بقرية "دير المدينة" والتي يرجع اسمها إلى "الدير القبطي" الذي أُنشئ في القرن السابع الميلادي أما الاسم القديم لها فكان "مكان الحق"،ويبدو أن أقدم قرية في دير المدينة قد شُيدت في عهد "تحوتمس الأول"الذي عُثر على اسمه مختومًا على قوالب من الطوب اللبن التي إستُخدمت في بناء السور الذي أحاط بأول قرية،وقد أدي حريق إلى تدمير تلك القرية الأولى فأعادت الدولة بناءها قبيل عهد الملك "تحوتمس الأول"وعندما جاء الملك "إخناتون"استعان بأهل هذة القرية ليساعدوه في تأسيس عاصمته الجديدة ب"تل العمارنة" بالمنيا ولكن إزدهار القرية ظهر واضحًا في عصر الرعامسة. وفي تصريحات صحفية اليوم أشار "عامر" إلى أن اللقب الكامل لأي عامل في الجبانة الملكية خلال الأسرة الثانية عشرة هو "الخادم في المكان العظيم"أو"الخادم في المكان الجميل لجلالة الملك"،وكان يطلق عليهم في عصر الرعامسة لقب"خُدام ساحة الحق"وكانوا ينقسمون إلى مجموعتين هما اهل اليمين وأهل اليسار وربما كان إنقسامهم عائدًا إلى طريقة عملهم في المقابر الملكية التي كانوا يعملون بها حيث كان يقسم العمل إلى مجموعتين إحداهما تعمل إلى يمين المقبرة والأُخري تعمل إلى اليسار،وكان المسئول عن كل مجموعة سواء في المقبرة أو المدينة شخص يحمل لقب "كبير العمال"وكان يُعينه وزير يقوم بتوزيع العمل على العمال وكان يشرف على توزيع الحصص التموينية"الأجور"ويساعده في عمله "نائب كبير العمال"ثم يأتي في المرتبة الثالثة "كاتب المقبرة"الذي كان يسجل العمل المنفّذ في المقبرة الملكية ويوزع مواد وأدوات البناء من المستودعات الملكية ويسجل المتغيبين عن العمل،وقد عُثر على "أوستراكا" مؤرخة بالعام الأربعين من حكم الملك "رمسيس الثالث" محفوظة بالمتحف البريطاني كُتب عليها رئيس العمال أسماء عماله البالغ عددهم ثلاثة وأربعين عاملًا وأمام كل اسم عدد أيام الشهر التي غابها عن العمل كما كُتب أعذار التخلف بالمداد الأحمر أمام كل تأخير وكان من ضمن هذه الأسباب المرض،لدغة العقرب،الذهاب إلى تقديم القرابين للمعبودات وكان بعض العمال يوصفون بالألقاب التي تدل على مهنتهم الأصلية فنجد من بينهم قاطع الأحجار،الحفار،النحات،النقاش والرسام. وتابع أنه إلى جانب العمال الحرفيين نجد أنه كان يوجد فريق من العمالة المساعدة من العاملة والممولين الذين كانوا أساسًا من المزراعين وقاطعي الأخشاب والسقائين والصيادين وكانوا مسئولين عن نقل المواد الغذائية ومعدات العمل،كما تذكر النصوص أيضًا حُراس المقابر الملكية التي لم ينته العمل بها،وطانت الأجور تصرف في شكل مواد غذائية من الصوامع أو المخازن الملكية وأحيانًا ما كانوا يمنحون مكافأت تشجعية من الملك في مناسبات مختلفة مثل الجعة المستوردة،اللحوم،ملح النطرون،قطع من القماش أو النحاس كما كانوا يمتّعون بالإجازات وعطلات الأعياد الكثيرة فكانوا يُمنحون ثلاثة أيام كعُطلة كل شهر،وكان هناك مكتب لإدارة شئون طائفة العمال الذي كان يحتوي على أرشيف يقوم الكتبة بوضع التقارير فيه عن حياة العمال الجماعية ومشاكلهم في القرية،وقد تألف مجتمع العمال أيضًا من زوجات وأطفال العمال وكان بعض الأولاد الصغار يمارسون الأعمال المؤقتة مثل توصيل الرسائل ولذلك عُرفوا ب "أطفال المقبرة"بالرغم من أنهم لم يُدرجوا رسميًا ضمن قوة العمل وإذا لم يحالفهم النجاح في العثور على مكان ما بين الشباب الذين أُدرجت أسماؤهم كعمال فقد كان يتعين عليهم مغادرة القرية والبحث عن عمل في مكان آخر، ويجب علينا أن نتذكر مدي التقدير الذي كان يناله العمل في مصر القديمة على مر العصور حيث نجد ما جاء في نصين من عصر الدولة الوسطى أحدهما نقش لقائد حملة يذكر فيه بعد أن أكد أنه لم تحدث أي وفاة أثناء العمل "لقد عاملتُ جميع رجالي بكثير من الطيبة ولم أنادِ العمال صائحًا على الإطلاق".