تزامن موت الأبنودي مع حالة من الشماتة بين جماعة الإخوان الإرهابية والجماعات السلفية، إضافة إلى بعض الشباب الذين أشاعوا سابقًا وفاته لأكثر من ثلاث مرات في أٌقل من اسبوعين، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بحالة من الفرح الهيستيري جراء موته الحقيقي. لم تكن شماتة الإخوان هي الصدمة الوحيدة في هذا الصدد، فقد كشفت وفاة الأبنودي عن صدمة أخرى قد تكون أكثر فداحة وإيلاما من وفاة شاعر العامية الأول في مصر، وهي تغيب الوسطين الفني والثقافي عن أداء واجب العزاء وحضور الجنازة في مدينة الاسماعيلية، كما أوصى الأبنودي. فتغيب النجوم عن تقديم واجب العزاء وحضور الجنازة خلال يومين متتاليين، اعتبره الكثير من المتابعين بمثابة الموت الثاني للأبنودي، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار مواقف الكثير من المثقفين من الأبنودي واعتبارهم إياه شاعر السلطة الذي يقف على يمينها، دون أن يكون لسان الشارع الذي يعبر عن همومه وغضبه من الديكتاتوريات. ونذكر أحد المثقفين كتب على صفحة التواصل الاجتماعي "لا أدري سر الاحتفاء بموت الأبنودي، فقد مات أمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وكبار المثقفين وكان نعيهم مجرد خمسة أسطر في أي جريدة، على عكس ما يحدث الآن، فما هي المعايير؟". وعلى الرغم من ذلك شهدت جنازة الأبنودي الآلاف ممن شاركوا في تشيع جثمانه، من البسطاء الذي غزلهم الأبنودي في اشعاره مستخدمًا لغتهم الخاصة التي شكلت تعاملاتهم اليومية والموروث الشعبي المليء بالمواويل والملاحم الشعبية، واستطاع رسم الحياة الاجتماعية في مصر على مر العصور بأبسط الصور الجمالية. فعند رحيل نزار قباني اتصلت جريدة الحياة اللندنية بعدد من الكتاب والشعراء من كل أنحاء العالم ربما يود أحدهم أن يذكر الرجل أو شعره بخير وكان ماركيز ضمن من اتصلت بهم الجريدة، ويبدو أن الزميل الصحفي الذي اتصل بماركيز لم ينتبه لفرق التوقيت فردت زوجة ماركيز على الهاتف وأخبرت المتصل أن زوجها قد خلد للنوم فطلب منها إيقاظه لأن شاعرا كبيرا قد مات فسأل ماركيز الصحفي بعد أن استيقظ مفزوعا من الذي مات فأجابه: نزار قباني. فكان رد ماركيز مدهشا للغاية : أوه لا أعرفه ولكني أسف ليرحمه الله . ماركيز قدم تعازيه أيها الكبار ولم يسأل عن مواقف نزار قباني الذي كان لا يعرفه ولم يقرأ له حرفًا! أجرت البوابة نيوز تحقيق حول عدم حضور العزاء الخاص بالأبنودي الذي اقيمت فعالياته يوم الأربعاء الماضي، وفي هذا الصدد أوضح الكاتب الكبير سعيد الكفراوي، أنه لم يستطع حضور عزاء الشاعر عبد الرحمن الأبنودي لبعد المشوار، خاصة أن العزاء كان بالليل، مؤكدًا أنه مرضه زاد من الأمر صعوبة. وأضاف، قرأ للراحل الفاتحة من منزله وهو على فراش المرض، وينتظر أن تقيم جه رسمية عزاء للشاعر عبد الرحمن الأبنودي في مسجد عمر مكرم بالقاهرة، حتى يستطيع الحضور هو وامثاله من الكهول، مؤكدًا أن ليس بينه وبين الأبنودي خلاف يحول بينه وبين وداعه الأخير. من جانبه قال الشاعر سامح محجوب، إن شماتة الإخوان في وفاة الأبنودي ليست الحادثة الأولى في هذا الصدد، فقد شمتوا في رحيل الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم، وهاجمهوه بأقذع الشتائم، وشمتوا في هزيمة المنتخب الوطني ومقتل المسيحيين، وفي أي حادث مؤلم للمصريين، وإذا عدنا للتاريخ سنجدهم صلوا صلاة شكر بعد النكسة، وبالتالي فالقضية أكبر من وفاة الأبنودي، ولا أدري ماذا فعل ليكون من أعداء الله في الوطن، فقد فوجئت برئيس أحد الأندية الأدبية التابعة لقصور الثقافة يكتب رثاءً للأبنودي يقول فيه: هذا عبد الرحمن الأبنودي أفضى إلى ما قدَّم، مات، فاللهم عليك به، فقد كان من أعدائك. وأضاف محجوب: إنني أنتهز هذه الفرصة لأدعو للإطاحة بهم من كل مؤسسات الدولة لأنهم موجودين ويمارسون تخريبهم، وأمام جلال الموت نراهم يطلقون الشائعات حول وفاة الأبنودي أثناء مرضه، باعتباره رمز الثقافة الشعبية، وكذلك حدث مع الكاتبة نوال السعداوي، لأنهم أخوف ما يخافون من الثقافة والمثقفون ولو نجح المثقفون في أداء رسالتهم فلن يكون لهم مكان. وفي سياق متصل قال الكاتب جمال الجمل: مهما كان الخلاف السياسي أو الإنساني تقتضي الأخلاق السليمة عدم الشماتة في الموت، لكن الإخوان سقطوا أكثر من مرة في درك غير أخلاقي وغير إنساني ولا حيلة غير أن يمارسوا شماتة وكراهية وحقدا ضد خصومهم، والسقطة المريضة لم تقتصر على الأبنودي حدث ذلك مع الشاعر أحمد فؤاد نجم كما حدث مع الدكتور عزازي الذي استقال من محافظة الشرقية عندما تولى محمد مرسى الرئاسة، أما بالنسبة للمثقفين فإن توجيه أي ملاحظات تتعلق بالعزاء أو أي تلميح عن دور الدولة يعبر عن درجة من عدم اللياقة والابتعاد عن الذوق، ولا أتصور أن مثقفا حقيقيا يُخطئ في هذا السلوك. ومن جانبه قال الروائي عمار علي حسن : إن شماتة الإخوان في الموت شماتة الإخوان في موت الأبنودي ليست جديدة عليهم، فكلما مات أحد البارزين في البلاد ممن وقفوا ضدهم أو أولئك الذين يقولون عنهم إنهم علمانيون أوسعوه شماتة وتجريحا، وهذا دليل على خسة طبعهم، وانحرافهم عن الدين الذي يزعمون أنهم حراسه، وعن وهم لديهم بأن السماء تعمل لصالحهم وتنتقم ممن تصدوا لهم، من أن الموت راحة لكل حي، وليس فيه انتقام أبدا، فما عند الله أفضل مما عند البشر. في المقابل يموت رموز الإخوان ولا يشمت بقية المصريين فيهم، وهذا دليل على أن الناس أحسن منهم طبعا، وأفضل دينا وأصح إسلاما، وأعمق. إنسانية. وشماتة الإخوان تبرهن عن الغل الدفين الذي تمكن من نفوسهم، وأفقدهم صوابهم، وجردهم من الأخلاق، ونزع عنهم إنسانيتهم ورغم أن الإخوان يتحدثون على المنابر وفي كتبهم عن أن الآجال بيد الله، إلا أنهم ينسون هذا إن تعلق الأمر بمن لا يروق لهم مواقفهم، أو أقوالهم وأفعالهم.