العام الهجري الجديد.. فضائل شهر محرم وأسباب تسميته بهذا الاسم؟    وزير خارجية إيران يدين تصريحات ترامب تجاه خامنئي ويصفها بالمهينة    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو والقنوات الناقلة مباشر في كأس العالم للأندية    «عنده ميزة واحدة».. أول رد من الزمالك بشأن مفاوضات محمد شريف    فاجعة جديدة في المنوفية.. مصرع 3 من أسرة واحدة في حادث على كوبري قويسنا    استشهاد 11 فلسطينيا في قصف للاحتلال استهدف خيم النازحين بحى الرمال غربى غزة    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    دون فلتر.. طريقة تنقية مياه الشرب داخل المنزل    قانون العمل الجديد يصدر تنظيمات صارمة لأجهزة السلامة والصحة المهنية    رئيس الجمعية الطبية المصرية: دعم استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج    ستوري نجوم كرة القدم.. مناسبة لإمام عاشور.. تهنئة شيكابالا لعضو إدارة الزمالك.. رسائل لعبدالشافي    «ملوش علاقة بأداء الأهلي في كأس العالم للأندية».. إكرامي يكشف مفاجأة عن ريبيرو    عمرها 16 عاماً ووالديها منفصلين.. إحباط زواج قاصر في قنا    انتداب المعمل الجنائى لفحص حريق بمول شهير في العبور    أسماء أبو اليزيد: الضرب في «فات الميعاد» مش حقيقي    استمرار تدريبات خطة النشاط الصيفي بمراكز الشباب في سيناء    واشنطن تؤكد لمجلس الأمن: استهدفنا قدرات إيران النووية دفاعًا عن النفس    أحمد كريمة ينفعل بسبب روبوت يقوم بالحمل ورعاية الطفل خلال ال9 أشهر| فيديو    الخارجية الأردنية تعزى مصر فى ضحايا حادث التصادم فى المنوفية    جامعة الازهر تشارك في المؤتمر الطبي الأفريقي Africa Health ExCon 2025    عراقجي: إسرائيل اضطرت للجوء إلى الولايات المتحدة لتجنب قصفنا الصاروخي    جيش الاحتلال يصيب 4 فلسطينيين بالضفة    ترامب: من الممكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بغزة خلال أسبوع    شيخ الأزهر ينعى فتيات قرية كفر السنابسة بالمنوفية ضحايا حادث الطريق الإقليمي    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    طفرة فى منظومة التعليم العالى خلال 11 عامًا    أسعار الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض في الأسواق اليوم السبت 28 يونيو 2025    أسعار الذهب اليوم وعيار 21 الآن عقب آخر تراجع ببداية تعاملات السبت 28 يونيو 2025    عبداللطيف: الزمالك يحتاج إلى التدعيم في هذه المراكز    عمرو أديب: الهلال السعودي شرَّف العرب بمونديال الأندية حقا وصدقا    نجم الزمالك السابق: الأهلي يرفع سقف طموحات الأندية المصرية    رافينيا يوجه رسالة إلى ويليامز بعد اقترابه من الانضمام إلى برشلونة    فصل الكهرباء عن قرية العلامية بكفر الشيخ وتوابعها اليوم لصيانة المُغذى    تريلات وقلابات الموت.. لماذا ندفع ثمن جشع سماسرة النقل الثقيل؟!    التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن امتحان الفيزياء بالثانوية العامة    مقتل شاب على يد ابن عمه بسبب الميراث    شيماء طالبة بالهندسة.. خرجت لتدبير مصروف دراستها فعادت جثة على الطريق الإقليمي    حزب الجبهة يقدّم 100 ألف جنيه لأسرة كل متوفى و50 ألفا لكل مصاب بحادث المنوفية    استمرار الأجواء الحارة والرطبة.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم والشبورة صباحًا    مصرع صياد وابنه غرقا في نهر النيل بالمنيا    «الزراعة»: ملتزمون بالتعاون مع إفريقيا وأوروبا لبناء سلاسل أكثر كفاءة    هدير.. طالبة التمريض التي ودّعت حلمها على الطريق الإقليمي    عماد الدين حسين: إيران وحدها من تملك الحقيقة الكاملة بشأن ضرب المنشآت النووية    عمرو أديب عن حادث المنوفية: «فقدوا أرواحهم بسبب 130 جنيه يا جدعان» (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    الصحف المصرية: قانون الإيجار القديم يصل إلى محطته الأخيرة أمام «النواب»    لحظة إيثار النفس    «زي النهارده».. وفاة الشاعر محمد عفيفي مطر 28 يونيو 2010    مصر تفوز بعضوية مجلس الإدارة ولجنة إدارة المواصفات بالمنظمة الأفريقية للتقييس ARSO    مدارس البترول 2025 بعد الإعدادية.. المصروفات والشروط والأوراق المطلوبة    برئاسة خالد فهمي.. «الجبهة الوطنية» يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    لماذا صامه النبي؟.. تعرف على قصة يوم عاشوراء    بعنوان "الحكمة تنادي".. تنظيم لقاء للمرأة في التعليم اللاهوتي 8 يوليو المقبل    أمانة الحماية الاجتماعية ب«الجبهة الوطنية»: خطة شاملة بأفكار لتعزيز العدالة الاجتماعية والتمكين الاقتصادي    فنانة شهيرة تصاب ب انقطاع في شبكية العين.. أعراض وأسباب مرض قد ينتهي ب العمى    اعرف فوائد الكركم وطرق إضافتة إلي الطعام    15 نقطة تبرع وماراثون توعوي.. مطروح تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم بشعار تبرعك يساوي حياة    ماذا نقول عند قول المؤذن في أذان الفجر: «الصلاة خير من النوم»؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بورسعيد في "مطحنة" السياسة والبيزنس (2)
نشر في البوابة يوم 22 - 04 - 2015

كان الهدف من زيارة بورسعيد الغوص في أعماق الإنسان هناك، فربما نتمكن من إعادة قراءة التاريخ الإنسانى لهذه المدينة العريقة، بعيدا عما قرأناه في الكتب الدراسية أو سمعناه فيما يروى من حكايات، أو كما يشاع أننا لم نعرف المدينة إلا من خلال أفلام السينما التي خلدت جزءا من هذا التاريخ، ثم أعادت رسم ملامح المدينة من خلال المنطقة الحرة، حتى إن معظم شباب هذه الأيام لا يعرفون عنها غير تعصب أهلها للنادي المصرى، أو أنها موطن السلع الاستهلاكية مثل الشامبو والجينز بأنواعه، أو فيما هو سيئ مرفوض بأنها بلد «البالة»، فيما الواقع يشير إلى عكس ما يقال.
فبمجرد أن وطأت «البوابة» أرضها، كان الشعور الأول أنها قطعة من جنة تاريخية تشع جمالا وروعة، فعبق التاريخ يملأ كل شبر من شوارعها العتيقة، فيما كانت المفاجأة أن المحافظة الساحلية بدت كرجل شاخ من الداخل، تاريخه يشير إلى منطقة، فيما الحاضر يسطر عناوين أخرى لهذا الرجل، لذا رأينا أن نزيل الستار عن هذا الواقع، حتى قبيل الحديث المنمق عن الإنسان هناك، حتى لا نتهم بتجاهل ما حدث للمصريين جميعا في العقود الثلاثة الأخيرة، من تغيرات نفسية واجتماعية بل واقتصادية أيضا صبت أحيانا في مصب السياسة، التي أفادتها أحيانا وأضرت بها في آخر تلك الأحيان، فكان المنطلق هو الحياة داخل ميناء بورسعيد، باعتباره عالما قائما بذاته، فيه من المتناقضات الكاشفة الكثير...
يستخرجها المزورون بأسماء وهمية
الرخصة البيضاء.. سرداب سرى لتزوير أوراق السيارات
3800 سيارة، خرجت من الجمارك باعتبارها سيارة للمعاقين هربا من الجمارك وسعيًا للمكسب الحرام
في الحلقة السابقة تناولنا كيف سيطر أباطرة التهريب على الحياة في بورسعيد، بداية من الميناء ووصولا إلى باقى أنحاء المدينة، كما تناولنا أيضا بعض ألاعيب جماعة البيزنس الحرام، من بعض مستخلصى الجمارك، أو ملوك الميناء كما يطلق عليهم الأهالي هناك، كما فسرنا مصطلح «عصابة الأربعة» الذين يسيطرون على الميناء والنادي المصرى، وكشفنا أسرار تهريب المنسوجات وطرقها حتى القاهرة، وكذلك الألعاب النارية وكيفية دخولها للبلاد، وأمطنا اللثام عن نجم التهريب «الترامادول»، ثم بينا المهن المختلفة داخل الميناء وأسباب هجوم فئة على الأخرى، وأنواع السرقات داخله، ثم مررنا مرورا سريعا على ذبح السيارات أو تقطيعها، وهو ما يمكن اعتباره مفتتح هذه الحلقة.
فبورسعيد كما رأيناها تعيش في منطقة وسطى بين الخير والشر، بين ما هو مشروع وما هو غير مشروع، وقصة السيارات ليست سوى واحدة من زوايا التجارة غير المشروعة هناك، ذلك ما يدفعنا للقول بأن أكبر خطأ يمكن أن تقع فيه، هو أن تذهب إلى هناك لشراء سيارة، دون أن تكون على صلة بأحد تجارها الشرفاء، وهم كثيرون، لكن أن تذهب دون دليل يقودك فهذه خطيئة كبرى قد تنتهى بالسجن، إذا قادك حظك العاثر للوقوع بين براثن أحد سماسرة «قومسيونجى» السيارات.
حيث أول ما يفعله هذا السمسار هو اصطحابك إلى مكتب الاستيراد، ويتم الاتفاق معه على استيراد السيارة، ومن ثم توقيع عقد يحمل هذا المعنى، فيحصل مكتب الاستيراد على مقدم تعاقد، لا يقل عن 20 ألف جنيه، ويترك المشترى صورة بطاقته، على أن يتسلم السيارة خلال 15 يوما، وقد تم ترخيصها كخدمة من المكتب بعد فترة من الزمن يحضر العميل إلى مكتب الاستيراد لتسلم سيارته في الموعد المحدد، فيجدها تنتظره مثل العروس يوم زفافها لمن تحب، فيتسلمها ومعها رخصة خالية من حظر البيع، ويطلق عليها مصطلح «الرخصة البيضاء»، وبالتالى فهو لا يكتشف الخدعة، المهم أنه يقود سيارته فرحا بشرائه سيارة زيرو بسعر منافس، وقد يتمتع بها شهرا أو سنة أو أكثر، حتى تحين لحظة الحقيقة المرة.
فجأة تستوقفه إحدى لجان فحص تراخيص السيارات، ودون مقدمات تذكر، وبمجرد أن يلقى الضابط نظرة على رخصة السيارة «الرخصة البيضاء»، تسود ألوان الحياة في عين قائدها، وهنا يكتشف أنه وقع ضحية عملية نصب محكمة، والأدهى أن اللجنة تصادر السيارة ويتم اقتياده، دون أن يعلم السبب إلى أقرب قسم، انتظارا لعرضه على النيابة العامة بتهمة التزوير!
في هذه اللحظة فقط تنكشف الغيوم وتظهر الحقيقة، فالسماسرة استوردوا السيارة باسم المشترى، باعتبارها مخصصة للمعاقين، وهى بلا جمارك، وبنصف الثمن تقريبا، ويبيعونها له بالأسعار العادية، مستغلين جهله وربما طمعه في السعر الأرخص، وغالبا ما تخرج من مرور المقطم خالية من حظر البيع، أو من أي دليل على أنه لا يجوز أن يمتلكها إلا معاق!!
يحقق السماسرة مكسبا يزيد على خمسة وأربعين ألف جنيه في السيارة الواحدة، ويتحمل المشترى مسئولية التزوير الحاصل في الأوراق، وتنقلب الرخصة البيضاء على أيام قاتمة يعيشها داخل السجن، طالما هناك من يدلس على المزورين أو لا يقوم بمهمة البحث عنهم أو اكتشافهم.
أول ما يواجهه المشترى الذي تمت الإجراءات باسمه، بواسطة صورة بطاقته التي تخلى عنها لمكتب الاستيراد، هو دخول السيارة بطرق غير شرعية، وبالتالى فهى بدون ملف لدى المرور، ويتم عمل لوحات معدنية ورخصة لها دون وجود الملفات الرسمية، المعلومات أكدت خروج أكثر من 3800 سيارة خرجت من بورسعيد وملأت ربوع القاهرة، بالطريقة ذاتها، والضحايا لا يعرفون حتى الآن.
«علاء سالوت» أحد الضحايا، الذي كشف أول الخيط، حيث سُجل اسمه بخطاب القومسيون بالخطأ، لكى يتم تعديل الاسم كان لا بد أن يعود بأوراقه للقاهرة، لكن موظف استلام الكشوفات الطبية قام بتعديل الاسم بيده، وهو ما لاحظه رئيس لجنة متابعة السيارات في الهيئة العامة لميناء بورسعيد، ما دفعه لتحرير مذكرة يطلب فيها التحرى والكشف عن كل القومسيونات التي خرجت في الفترة من بعد ثورة يناير حتى الآن.
بالبحث فوجئت السلطات بأن هناك 3800 سيارة، خرجت من الجمارك بأسماء معاقين ليس لها أصل في القومسيون، وهو ما يعنى أنها خرجت بأوراق مزورة، وبالتحقيق تبين أن بعض الأوراق مسحوبة «سكانر» وبعضها مختوم بأختام أصلية من الجمارك، لكن ليس لها أصل بالملفات.
التقطنا طرف الخيط من أحد المقربين، من شبكة النصب على الراغبين في شراء السيارات، الذي وقع ضحية لعملية نصب منها، ويعرف خبايا ما يفعلون ما جعله يكشف أسرار رحلة التزوير وكيفية استيراد سيارات المعاقين، بأسماء أشخاص غير معاقين، ودور كل فرد في هذه العصابة.
وعلمنا أنهم لا يعملون بمفردهم، لأنهم لا يستطيعون أن يحركوا ورقة واحدة داخل الميناء، دون وجود شركاء، لأن آخر رقم للمعاق يتم تسجيله مسلسلا، ويأتى من المجالس الطبية المتخصصة، ولكى يتم تزوير كشف من القومسيون الطبى، لا بد أن يخرج من خلال رقم مسلسل، لذا فالسؤال هو: من يعرف آخر رقم مسلسل غير موظف مطلع؟! كما أن دورة المستند تتم داخل المكاتب الحكومية، وتبادل الأوراق والمخاطبات يتم عبر البريد الحكومى، وهو عمل داخلى بين الموظفين وبين القومسيون الطبى.
ولكى نعرف ما هي دورة المستندات، وما الخطوات المطلوبة للمعاق للحصول على سيارة، فإن أول الخطوات هي التقدم للقومسيون الطبى، وعند تجاوزه الكشف ترسل النتيجة في خطاب على عنوان محل إقامته، وأن القومسيون قد أخطر ميناء بورسعيد، وتم إرسال أصل الموافقة للإعفاءات الجمركية هناك، لإتمام إجراءات حصول المعاق على السيارة،
وأيضا للإدارة العامة للمرور بالقاهرة واللجنة الطبية بالمحافظة الموجود بها محل إقامة المعاق وكذا إدارة المرور التابعة لمحل إقامته، أي أن هناك 4 نسخ من الموافقة لأربع جهات، وكل ذلك مخاطبات حكومية لا يتدخل فيها المعاق طالب الشراء، فكيف للشخص العادى أن يزور هذه الأصول ويرسلها للجهات الأربع، رغم أن الإرسال يتم عبر البريد الحكومي؟!
كما أن المعاق يحضر للتوقيع على شاسيه السيارة في إعفاءات بورسعيد، ويتم الاستعلام مرة أخرى من المجالس الطبية، عن القومسيون وأصله، وما إن كان المعاق سبق له الحصول على سيارة قبل ذلك أم لا، لأنه في هذه الحالة لا يسمح له بالحصول على السيارة الجديدة، حيث لا بد من مرور خمس سنوات على حصوله على آخر سيارة.
الموضوع إذن فيه من التلاعب الكثير فطالب السيارة، لا يحصل عليها إلا من خلال الكشف الطبى، داخل المجالس الطبية المتخصصة، والتأكد من صحة المراسلات المتبادلة بين الميناء بإداراته المختلفة، فكيف يتم تزوير الأوراق في القومسيون وفى المرور وداخل الميناء دون أن يكون هناك تنسيق كامل بين ضعاف النفوس في كل هذه الأماكن؟!
ثم تأتى مرحلة خروج السيارة بعد انتهاء دور الجمرك، فيبدأ دور المستخلص الخاص بالمعاقين، ولكل تاجر مستخلص حاصل على تصريح من الهيئة العامة للاستثمار، وتصرف السيارة عن طريق المخزن، ويحصل المستخلص على شهادة الإفراج، فيذهب للموظف الذي قام بتسهيل إجراءات القومسيون، ويحصل منه على أصل شهادة الكشف الطبى، وبحسب الاتفاق يخبر صاحبها أن الإفراج يتم خلال شهر.
تبدأ خطوة جديدة من خطوات التزوير في مكاتب المرور، فينقل الموظف الأوراق للمجالس الطبية لختمها، ويعود بها للمرور، وهنا يأتى دور أحد أفراد عصابة الجمرك، التي تستغل جمالها الساحر في المساعدة على إنهاء الأوراق المزورة، من مكتب المرور الذي نحتفظ باسمه، ويتم ترخيص السيارة من خلال معارفها من أمناء الشرطة، أصدقاء أحد أعضاء العصابة وهو أمين شرطة مفصول «نحتفظ باسمه»، ويتم ترخيص السيارة مشمولة بحظر البيع، ويتم إخفاؤها عن صاحب السيارة، وتسلمه الفتاة المشار إليها سالفا، رخصة أخرى مزورة هي ال«رخصة البيضاء» خالية من حظر البيع. يتركز نشاط هذه العصابة في بورسعيد والإسكندرية، حيث يتم في بعض الأحيان إنهاء الإجراءات في بورسعيد، مع الحصول على موافقة على استلام السيارة من ميناء الإسكندرية للتمويه.
المؤهل المتوسط شرط الحصول عليه
«الباسبور الأسود» لتهريب البشر عبر البحر
بعد الرخصة البيضاء يأتى جواز السفر «الباسبور» الأسود، وهو مصطلح يعرفه جيدًا العاملون على السفن في الميناء، كما يعرفه أيضًا كل من تمكن من الهرب على ظهر المغادرة من تلك السفن، سواء إلى أوربا أو إلى دول أخرى، حيث الانضمام لتنظيم «داعش» الإرهابى، والقتال في سوريا والعراق!! فالجواز البحرى هو الوسيلة المثلى لتحقيق حلم كل من يريد أن يتنفس نسائم العبير الأوربي، وكذلك كل من يتخيل أن الجنة تقبع في سراديب القتال إلى جوار الدواعش.
ويطلق على الباسبور الأسود هذا الاسم نسبة إلى لونه، وهو جواز سفر بحرى تصدره الأكاديمية البحرية بالإسكندرية لكل من يجتاز فترة تدريب على السباحة والغطس لديها، وهى الدورة التدريبية التي تستمر لمدة 15 يومًا فقط، وهو يمثل جواز مرور للحاصلين عليه للصعود على متن السفن للعمل بها، والسفر معها إلى أي ميناء في العالم. 1200 جنيه فقط هي رسوم الحصول على هذا الجواز الرهيب، بعد أن يتدرب طالب الحصول عليه على السباحة والإنقاذ البحرى، وينال شهادة تسمى «الحتميات».
المثير للدهشة أنه رغم خطورته، فإن الحصول عليه لا يشترط مؤهلا دراسيا معينا، بل يتم ذلك مهما كان هذا المؤهل، ولو كان متوسطا، كما أن المستندات المطلوبة للحصول عليه لا تقل سهولة عن الدورة التي يحتاج الفرد لاجتيازها حتى ينال ذلك الجواز الساحر، فيما تكشف المعلومات عن أن معظم الحاصلين على هذا الجواز بالإضافة للمصريين، من السوريين واللبنانيين والليبيين أيضا.
عقب الحصول على دورة «الحتميات»، يصبح من حق الفرد العمل على المركب في أي وظيفة، مثل كهربائى أو مساعد كهرباء بحرى، أو ميكانيكى سفن، أو عامل نظافة، أو حتى عامل تربية ماشية، فالوظيفة تتحدد بحسب احتياجات المركب الذي حصل العامل على الضوء الأخضر للعمل به.
ويتم الاتفاق بين العمال الذين يرغبون أصلًا في الهرب إلى خارج البلاد، وبين شركات النقل البحرى، وسماسرة البحر، الذين يعملون تحت مسمى (توظيف العمالة البحرية) للعمل على المراكب والسفن بكل أنواعها. ويعد القبطان السورى «يحيى» والهارب في الإسكندرية، أهم السماسرة في هذا المجال لأنه على علاقة وطيدة جدا بربابنة السفن من مختلف الجنسيات، فيعقد معهم الاتفاقيات على أن يتم تنفيذها في ميناء بورسعيد، بحيث يصعد للعمل على كل مركب من يريد السفر إلى البلد التي تحمل السفينة جنسيتها، وذلك بالاتفاق مع القبطان، مقابل المال، فمن يريد السفر لإيطاليا يتم إلحاقه بالعمل على سفينة إيطالية الجنسية، ومن يريد الذهاب لفرنسا أو هولندا أو تركيا أو أي بلد آخر، ليس عليه سوى الالتحاق بالعمل على سفينة تحمل جنسية الدولة التي يرغب في الهرب إليها، وتزداد هذه الأيام العمالة على السفن التركية باعتبارها، كما أكد العاملون بالميناء، أسهل الطرق إلى الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي!
فيما يعتبر من تحدثت «البوابة» معهم أن الكارثة الأشد قوة، هي أن هذا الجواز موجود في معظم دول العالم، مما يعنى كونه وسيلة لمرور أعداد هائلة من الخارجين على القانون، والإرهابيين أيضًا إلى داخل البلاد، عن طريق الحضور مع السفن التي تزور مصر، والتحايل للهروب على الداخل بعد الحصول على تسهيلات من هذه المافيا العالمية. إلا أن الأخطر على الإطلاق، كما قال البعض في الميناء، يتمثل في أن مصر يمكن أن تتحول إلى محطة لتجنيد الأجانب للعمل مع «داعش»، حيث يقوم كل قبطان، على السفن المتواطئة مع السماسرة، بإحضار الأجانب الراغبين في الذهاب لتركيا، وفى ميناء بورسعيد يتم إلحاقهم بالعمل على السفن التركية، ومنها إلى أنقرة للهروب من هناك إلى سوريا والالتحاق ب«داعش»، وجماعة النصرة وغيرهما. أما السيناريو الأكثر سوءا كما يقولون، فهو أن يكون الجواز الأسود وسيلة لعودة الإرهابيين الذين ذهبوا للقتال في صفوف التنظيمات المتطرفة، دون أن تلحظهم الأجهزة الأمنية.
يتم تدبير عملية الهرب للعامل الذي عقد الاتفاق مع القبطان عن طريق استغلال حقه في النزول إلى البلد الذي تتوقف فيه السفينة لمدة ساعتين، فينزل إلى أسواقه ولا يعود، ويتجاهل القبطان واجبه في أن يحرر محضرًا بغياب العامل، وتتحرك السفينة دونه. وتكتمل حلقات القصة بأن هذا العامل الذي نزل على أرض الدولة الراغب في البقاء بها، يتسلمه أحد أتباع القبطان في هذا البلد، حتى يفلته من أيدى رجال الأمن ولا يتم ضبطه. المخاوف داخل الميناء تزداد، حيث تكمل المصادر هناك بالقول إن العملية لا يمكنها أن تتم إلا بعد إتمام خطوة أولىة تسمى «تزفير الجواز»، وتعنى حصول العامل على أكثر من تأشيرة لعدد من الدول التي تزورها السفينة، حتى لا يكون موضع شبهة عندما يغادر سفينته للتجول داخل البلد الذي ينوى الهرب إليه عندما يحين موعد تنفيذ الخطة، وفى حالة فشل خطة الهروب، واضطرار العامل للعودة، لا تسمح هذه المافيا العالمية بانكشاف الأمور، حيث يتم الإسراع بحل الأمر وديًا، وإرضاء العامل منعًا لحدوث أزمة تكشف التفاصيل المسكوت عنها.
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.