خليفة "داعش" الغامض، اختلف الكثير على هويته؛ فمنذ قيام ما وصف ب"دولة الخلافة الإسلامية" "داعش" لأول مرة على الأراضي التي سيطر عليها في العراق والشام في 29 يونيو 2014، وتنصيب أبوبكر البغدادي، إمامًا وخليفة للمسلمين، ودعا ما سماها الفصائل الجهادية في مختلف أنحاء العالم لمبايعته. كان إعلان البغدادي خليفة للمسلمين أمرًا غامضًا عن شخص لم يتوافر عنه الكثير من المعلومات، خاصة أنه اختار عدم الظهور علنًا قبيل تنصيبه خليفة وبحسب تعريف التنظيم فهو (إبراهيم بن عواد بن إبراهيم بن على بن محمد البدري القرشي الهاشمي الحسيني، جهادي عراقي نصبه تنظيمه "الدولة الإسلامية" المنبثق عن تنظيم القاعدة خليفة على المسلمين في كل أنحاء العالم ودعاهم لبيعته وطاعته. تفيد المعلومات المتداولة عن ولادة إبراهيم عواد إبراهيم بأنه ولد عام 1971 في مدينة سامراء العراقية لعائلة متدينة، وهو ينتمي إلى عشيرة البدري. وبقي البغدادي في الحي نفسه حتى العام 2004، وكان يسكن في غرفة ملاصقة لمسجد الحي الذي عمل فيه إمامًا لنحو 14 عامًا، لكنه غادر المنطقة. ظهر "البغدادي" للعالم بشكل علني لأول مرة من خلال شريط مصور بثه تنظيم "داعش" الجمعة 4 يوليو 2014، ظهر كصاحب لحية طويلة مرتديًا عباءه وعمامة سوداء وكخطيب لصلاة الجمعة على منبر المسجد الكبير بالموصل، طالب خلال الخطبة بمبايعته خليفة للمسلمين. وأشارت مواقع مقربة من التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى أن البغدادي التحق بجماعة التوحيد والجهاد التي تستلهم نهج تنظيم القاعدة وكان يقودها الأردني أبومصعب الزرقاوي وكانت تقاتل في محافظة الأنبار، وقد اعتقلته قوات الاحتلال أواخر عام 2005 وسجن لمدة أربعة أعوام في سجن بوكا في البصرة، حيث تعرف إلى أعضاء معتقلين من تنظيم القاعدة وانضم إليهم. وتقول معلومات وزارة الداخلية العراقية بهذا الصدد: إن إبراهيم عواد إبراهيم كان يعرف بأبي براء وتشرب الفكر التكفيري من قادة التنظيم الذين كانوا معتقلين معه وقتها، وحصل على شهادته الجامعية والماجستير من جامعة العلوم الإسلامية ثم حصل على الدكتوراه في القانون الإسلامي من الجامعة ذاتها في العام 2000. وقاتل البغدادي القوات الأمريكية في العراق تحت إمرة الزرقاوي حتى مقتل الأخير في غارة أمريكية عام 2006 ومن بعده خليفته أبوعمر البغدادي الذي قتل هو الآخر في العام 2010، وهو العام الذي تزعم فيه أبوبكر البغدادي تنظيم دولة العراق الإسلامية. وتوضح المواقع الجهادية أن البغدادي انتهز فرصة اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فأرسل مساعده أبي محمد الجولاني إلى سوريا لكي يضع لتنظيم القاعدة موطئ قدم هناك، وشكل جبهة النصرة التي أعلنت عن نفسها بسلسلة تفجيرات وباتت رقمًا صعبًا ضمن المعارضة المسلحة التي تقاتل نظام الأسد. وفي التاسع من أبريل 2011، ظهر تسجيل صوتي منسوب للبغدادي أكد فيه أن جبهة النصرة في سوريا هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن توحيد اسمي "جبهة النصرة" و"دولة العراق الإسلامية" تحت اسم واحد وهو "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، (داعش). ومع تزايد نفوذ الجولاني بسوريا، ورفضه فتوى بدمج قواته تحت قيادة زعيم تنظيم الدولة بالعراق، شنّ البغدادي حربًا على جبهة النصرة مما أدى إلى انفصاله عن تنظيم القاعدة. وتجاهل البغدادي نداءات زعيم القاعدة أيمن الظواهري لترك سوريا لجبهة النصرة، ووسّع عملياته في شمال وشرق سوريا عامي 2012 و2013، واشتبكت عناصره مع قوات النظام السوري، غير أنها كرست كل جهودها لمحاربة كتائب المعارضة المسلحة الأخرى. ونقلت وكالة "رويترز" عن مقاتل غير سوري ضمن صفوف تنظيم الدولة قوله: إن البغدادي كان الشخص الوحيد الذي لم يبايع الظواهري بعد مقتل أسامة بن لادن الذي كلفه بتأسيس الدولة الإسلامية في العراق والشام. يوصَف البغدادي داخل تنظيم "داعش" بأنه مقاتل شرس وقائد عسكري ميداني وتكتيكي، وهذا ما يميزه بشكل كبير عن الظواهري الذي تعتقد الاستخبارات الأمريكية أنه مختبئ في باكستان، وهذه الميزة هي التي دفعت أعدادًا كبيرة من المقاتلين المحليين والأجانب إلى الالتحاق بتنظيمه. ويدين تنظيم "داعش" للبغدادي بتحقيق أكبر مساحة توسع منذ تأسيس تنظيم القاعدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، ففي عهد البغدادي امتدت مناطق نفوذ التنظيم من محافظة ديالى شرقي العراق مرورًا بمناطق بمحافظات صلاح الدين ونينوى (شمالًا) والأنبار غربًا، اتصالًا مع محافظة دير الزور شرقي سوريا والرقة المعقل الرئيسي للتنظيم في البلاد، وصولًا إلى ريف محافظة حلب شمال سوريا التي يسيطر التنظيم على مناطق فيه. واحتفل التنظيم مطلع يونيو الماضي بإزالة ما اسماه "حدود الذل" بين سورياوالعراق التي أحدثها المستعمر، معلنًا إقامة الخلافة الإسلامية في تلك المنطقة. حياة البغدادي المليئة بالغموض، اكتنفها غموض آخر بعد التقارير التي ترددت خلال الساعات القليلة الماضية وتتحدث عن إصابته وأخرى عن مقتله في غارة شنتها طائرات التحالف الدولي، حيث تداول نشطاء صورة لمقتله. فيما قال حساب على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" منسوب لأبو محمد العدناني، المتحدث باسم "داعش": إن زعيم التنظيم أبوبكر البغدادي أصيب، دون أن يحدد طبيعة الإصابة أو توقيتها. وجاءت التغريدة بعد أن قال مسئولان عراقيان في تصريحات صحفية: إن قياديين اثنين من "داعش" قتلا خلال قصف شنته قوات التحالف على مواقع للتنظيم في الأنبار، غربي البلاد، ليس من بينهما البغدادي. بينما قالت المتحدثة باسم البنتاجون إليسا سميث، في تصريح صحفي: أستطيع تأكيد أن طيران التحالف نفذ سلسلة من الغارات، مساء يوم الجمعة، في العراق ضد ما قيمناه على أنه تجمع لقادة "داعش" قرب الموصل، لكن لا نستطيع تأكيد إذا ما كان زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي ضمن الموجودين، في مشهد متكرر لعمليات استهداف زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ويبقى لغز مقتله أو بقائه حيًا مستمر إلى أن تبايع "داعش" خليفةً غيره ليتحقق العالم من مقتله.