تأتي قوة فن النميم من تلقائيته، حيث يلقي ولا يكتب ويأتي وليد الصدفة دون ترتيب أو إعداد مسبق من الشاعر ولكنه يأتي معبرا عن روح الجماعة الشعبية، وإن كان إبداعا فرديا حيث يبدع الشاعر بمفرداته متأثرا بما حفظته ووعته الذاكرة من أسلافه شعراء النميم والذي شكل حصيلة إبداعه الفكري، شريطة اتحاد القافية والوزن. وتتحد القافية في نهاية الشطرات كجناس ناقص، كما تتحد كجناس تام مثل كلمة "الجاني" فهي قد تأتي بمعنى المجرم، وقد تأتي بمعنى الحاصد، وقد تأتي بمعنة "الجني". ويعتبر جنوب الصعيد خاصة أسوان والبحر الأحمر، هو الموطن الأساسي لهذا الفن، الذي يعتمد على الارتجال وليد اللحظة، وأشهر ما قيل في فن النميم نعناع الجنينة، والتي تغني بها جميع الفنانين، مثل محمد منير ودينا مسعود، وأشهر أهل فن النميم، فنان قديم اسمه الأمين، والليثي، وأبو الحسن، والفنان ربيع البركة الذي وافته المنية في شهر مارس الماضي، وهو من أبناء السباعية في إدفو بأسوان، صاحب صوت جميل، ويلقبه محبوه ب "الأسطورة". ويعتبر هذا الفن أحد الكنوز والثروات في الأدب الشعبي العربي، ويمكن أن يكون مصطلح النميم قد اشتق من نمنم الشيء أي زخرف الشيء وبرقشه، والمنمنم هو الشيء الذي كثرت نقوشه وزينته، ففي فن النميم يحاول كل شاعر أن يكون إبداعه بليغا ومعبرا ومزخرفا بالمفردات والمحسنات. ويعتبر النميم ذو جذور سودانية قدم إلى مصر عن طريق قوافل تجارة الإبل، وهو نتاج بعض فنون الشعر الشعبي السوداني وبخاصة "الحردلو" و"المربع". ولقد أبدع شعراء النميم في وصفهم وتفننوا في رسم حدودهم الشعرية، فالجمال الذي نحسه أثناء الاستمتاع بفن النميم، والمتعة التي تسعدنا إنما يرجع مصدرها إلى أن الشاعر الشعبي حينما يبدع فإنه يتأمل ما يدور بنفسه من مشاعر وخواطر، ويتأمل في الطبيعة والحياة، فهو يتدبر الماضي ويستخلص عبر التاريخ، ويتطلع إلى المستقبل فمن خلال التواصل الثقافي المتوفق بين الأجيال فإنه يعبر عن كل ذلك في صور إبداعية رائعة ذات طابع فردي في التشكيل، ولكنه معبر عن ذوق ووجدان الجماعة الشعبية. ويتم عادة فن النميم فيما يسمى بالمطارحات أو الأمسيات الشعرية، وتجري فيها القبائل مسابقات في هذه المطارحات، بمعنى أن يصعد الشاعر أو المنشد على المسرح، ويقف بعض الشعراء اسفل المسرح فيعطوا له بيتًا شعريًا موزونًا بقافية، وعلى الشاعر أن يبدأ في الغناء بنفس الوزن والقافية، ويعزف خلفه عواد فقط، وعليه أيضًا أن يبدأ في ارتجال اللحن بالوزن والقافية الجديدة أمام الجمهور. تبدأ عادة المطارحة الشعرية أو التباري الشعري في مناسبات كحفلات الزفاف، وليالى الحنة، وحفلات ختان الأولاد، وحفلات الذهاب والعودة من الأراضي الحجازية، وأحيانا تقام أمسيات جر النميم في موالد الأولياء والصالحين، والذي يقرر إحياء تلك الليالي أحد محبى وعشاق هذا الفن، وتبدًا من بعد صلاة العشاء حتى قبيل أذان الفجر، وتسير وفق منهج صارم حيث يبدأ الشعراء واحد تلو الآخر في إلقاء مقطعه الشعري الذي لا بد وأن تكون بدايته البسملة والصلاة على الرسول الكريم ثم السلام على الحاضرين ثم يتناول الشعراء الغرض الشعري الذي يطلبه المتلقون منهم، وكل شاعر يؤدى مقطعه الشعري بعد تفكير عميق يستدعى من ذاكرته ما حفظته من أسلافه وما أعده بذهنه أثناء خلوته بنفسه انتظار لدوره في الأداء هادفا التفوق على أقرانه من الشعراء ليرون المستمعين وينال استحسانهم، ليظفر بلقب فارس الليلة أو الكبدار يعني –أبو الرجال-.