تبقى أعمال الأيرلندي صمويل بيكيت، مُعتمدة بشكل كبير على الكآبة والسوداوية، لكنها في الوقت نفسه تتجه دائمًا نحو البساطة، لكن لا أحد ينفي أنه واحدًا من آباء مسرح العبث في العالم، مثل الروماني يونسكو، وهو كذلك أحد أشهر الكتّاب الذين ينتمون للحركة التجريبية الأدبية في القرن العشرين. ولد بيكيت في 13 إبريل عام 1906 لأبوين من دبلن بأيرلندا ينتميان لطائفة البروتستانت، وهو الابن الثاني لهما، كان منذ الصغر متفوقًا في دراسته ومهتمًا بالرياضة، خاصة الكريكيت، وكان يهوى مشاهدة الأفلام الصامتة لشارلي شابلن، وبوستر كيتون، ما أثر فيما بعد بشكل كبير على أدبه فيما بعد، فكان من مؤسسي مسرح العبث الذي يُعّد الصمت أحد مميزاته. التحق بيكيت بكلية ترينيتى بدبلن، وتخصص في الآداب الفرنسية والإيطالية، ليحصل على الليسانس ثم يتجه إلى باريس ويعمل أستاذًا للغة الإنجليزية بإحدى المدارس هناك؛ وفى هذه الأثناء تعرف على الأديب الأيرلندي جيمس جويس صاحب رواية "عوليس"، وسرعان ما أصبح عضوًا بارزًا في جماعته الأدبية وصديقًا شخصيًا له. بدأ بيكيت الكتابة بدراسة عن الروائي الفرنسي مارسيل بروست صاحب رواية "البحث عن الزمن المفقود"، ثم عاد إلى أيرلندا ليقوم بتدريس الفرنسية بالجامعة، لكنه سرعان ما قدّم استقالته؛ ثم توفيَّ أبوه تاركًا له ميراثًا صغيرًا، وفي هذه الأثناء كتب المجموعة القصصية "وخزات أكثر من ركلات"، وأعقبها بروايته الأولى "مورفي". تعرض بيكيت في باريس للطعن من شحاذ رفض مُساعدته، ولكن في التحقيق لم يتهم بيكيت الشحاذ بشيء، وكان قد سأله عن سبب محاولته فقال الشحاذ "لا أعرف ياسيدي"، وهي الجملة التي استخدمها بيكيت كثيرًا في مسرحياته؛ وتعّرف بعدها على طالبة البيانو الفرنسية سوزان دوميسنيل التي تزوجها في وقت لاحق. مع اندلاع الحرب العالمية الثانية عاد بيكيت إلى فرنسا واشترك في صفوف المقاومة هناك كمراسل ومترجم، وهرب بعد تقدم الألمان واكتشافهم للخلية إلى جنوبفرنسا ليعمل مزارعًا، وفى هذا الوقت كتب روايته "وات" ثم عاد يستقر بباريس بعد هزيمة الألمان، ثم كتب"ميرسيه وكاميه"، وأعقب ذلك بثلاثيته الشهيرة "مولوي"، "مالون يموت"، و"اللامسمى". أشهر مسرحيات بيكيت هي "في انتظار جودو" التي تدور حول شخصيات معدمة مهمشة ومنعزلة تنتظر شخص يدعى "جودو" ليُغير حياتهم نحو الأفضل، ولكنه لا يأتي أبدًا، وعبّرت بصدق وببشاعة عن حال إنسان ما بعد الحرب العالمية الثانية، والخواء الذي يُعاني منه العالم؛ وعندما تم عرض المسرحية في باريس لاقت نجاحًا باهرًا، ليُصبح بيكيت مشهورًا في العالم كله، ثم كتب مسرحية "نهاية اللعبة"، وتم عرضها في لندن بنفس العام، وقيل عنها أنها أفضل من "جودو" رغم أنها لم تحظ بنفس الشهرة. و في نهاية الخمسينيات توجه بيكيت للكتابة الإذاعية، فكتب للإذاعة البريطانية أعمال متميزة مثل "كل الساقطين"، "الجمرات"، "الأيام السعيدة"؛ وفي عام 1969، حصل بيكيت على جائزة نوبل للأدب، ولما سمعت زوجته بالخبر قالت عنها إنها كارثة؛ واختفى بيكيت تمامًا ولم يذهب لحفل تسليم الجائزة. قضى بيكيت فترة طويلة منعزلًا في بيته الهادئ حتى ماتت زوجته سوزان، فلحقها بأشهر في 22 ديسمبر 1989 بعد تعرضه لأزمة في جهازه التنفسي.