أصبحنا نستقيظ هذه الأيام على حوداث غريبة تحدث في المدارس، يتم نشرها في الصحف وتتناولها برامج التوك شو.. للوهلة الأولى ستندهش عند سماعك عن أي منها وتسأل هل هذا الحدث وقع فعلاً في مصر أم في دولة أخرى نامية متخلفة ليس لها تاريخ عريق في التربية والتعليم؟.. فتاريخ نشأة وزارة مختصة بشئون التعليم في مصر يعود لأكثر من مائة وخمسين عامًا وكان اسمها "ديوان التعليم" عام 1837 أنشئت في عهد محمد علي.. ويكفي أن أذكر اسمين ممن تقلدا هذه الوزارة وهما الزعيم سعد زعلول والدكتور طه حسين عميد الأدب العربي لكي تعرف قيمتها وأهميتها، وكيف كانت تساهم المدارس في إخراج أجيال لها اهتمامات ونشاطات ثقافية وأدبية ورياضية وفنية حتي بداية الستينيات من القرن الماضي.. وكيف كان الطالب يقدر أستاذه ويحفظ الجميل له.. وكلنا سمع قصص من آبائه وأجداده عن تقديرهم لمعلميهم وكيف ساهم هذا المعلم في تكوين شخصية الطالب.. ونسمع من بعض كبار الفنانين والكتاب والسياسيين أن من اكتشفهم وساهم في ظهور نبوغهم ومواهبهم كان المدرس في المدرسة.. أما الآن تسمع عن مدرسة حلقت شعر تلميذة لأنها رفضت الحجاب أو مدرس ضرب طالبًا ضربًا مبرحًا وأدى هذا الضرب الى وفاته.. والمدرس الذي يتحرش بطالباته والطالب الذي تعرض لاعتداء جنسي من مدرسه.. وفي المقابل نسمع عن الطالب الذي فقأ عين أستاذه والطالبة التي صفعت استاذتها والطالب الذي تحرش بمدرسته ويصورها كل هذه الأحداث تصدرت المشهد وتابعها الملايين في اخر اربع سنوات.. كانت هذه الاحداث موجودة قبل ذلك ولكنها حوادث فردية ولا تذكر ولكن هذه الايام أصبحت الحوادث شبه يومية وأصبح الإعلام يسلط الضوء بقوة عليها ولكن من باب الاثارة. لم نجد حتى الان عقوبات رادعة او حلولا اجتماعية ودينية ونفسية لحل المشكلة إنما نرى تصريحات عنترية وموسيقى حزينة في خلفية المشهد وبرامج التوك الشو ومداخلات الأهالي المليئة بالغضب والكراهية والشحن ضد المدرسين.. وفي المقابل أيضا عند حدوث الاعتداء على المدرسين تجد المدرسين يقومون بعمل مداخلات تليفونية في البرامج، ويتهمون الطلبة بأبشع الاتهامات ويتحول الموضوع الى صراع بين الطالب والاستاذ مع ان العلاقة مبنية في الاساس على التفاهم والتبجيل والتقدير وليس الندية.. فخبراء علم النفس الاجتماعي يهتمون بتلك العلاقات ويصنفونها كعلاقة الابوة و علاقة الحاكم والمحكوم وعلاقة صداقة وعلاقة مودة ثم نصل الي درجة المحبة وتتدرج علاقة الطالب والاستاذ في اطار علاقة الحاكم والمحكوم ويغلفها بعض المودة، لكنها في هذه الايام اصبحت علاقة عداوة وثأر للأسف. نأتي الى محاولة التفسير والتحليل النفسي لكمية العنف الرهيبة التي تصل الي قتل وفقأ العين وإزالة شعر الرأس والتشويه والاعتداء الجنسي. العنف كما تقول مراجع الطب النفسي له تفسيرات عديدة منها بيولوجية واقتصادية ونفسية واجتماعية وسياسية ودينية واعلامية، وكل هذه العوامل متداخلة فالعامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والديني بالطبع له تأثير على الناحية النفسية بالسلب والإيجاب. فلو رصدنا المدارس التي حدثت فيه حالات العنف فسوف نجد أن أغلبها أماكن عشوائية وبها تطرف ديني ونسبة أمية وغياب ثقافة، وازدحام وضغط سكاني وارتفاع معدل البطالة والعنوسة وانخفاض الدخل وانفلات امني وانتشار المخدرات التي تؤدي الى غياب الوعي وعدم القدرة على الإدراك ما يؤدي الي قيام الشخص بتصرفات غير مسئولة.. كل هذه العوامل تؤدي الى الكبت والاحباط والكبت الجنسي والمادي فيتولد العنف وينفجر بركان الغضب والعنف نوعان لفظي ثم يتحول بعد ذلك الى عنف جسدي.. وكما ذكرنا ان الاعلام والسينما خلال الاربع سنوات الاخيرة التي اعقبت ثورة 25 يناير جعلت البعض يعتقد أن الحرية تعني الفوضى وأن عدم احترام الكبير يعني الثورية واهانة اي رمز اصبح شيئًا عاديًا. واول من بدأ هذا الموضوع هم الاخوان والسلفيون الذين يتشدقون، ويبررون كلام الله ورسوله لحسابهم فأغفلوا الآيات والأحاديث التي تتكلم عن احترام الكبير والعطف على الصغير، وهم اول من قاموا بسب مبارك بأفظع الالفاظ وسب الشرطة والجيش.. كل هذا ادى الى ترسيخ مفهوم الفوضى عند العقل الجمعي للأجيال الصغيرة وجعلهم يفكرون ان العنف هو الحل للخروج من كبتهم وان ليس هناك عقاب لأن الأمن غائب. سؤال اخر نطرحه وهو ما هي المعايير النفسية التي يتم اختيار المدرس على اساسها فالمدرس يجلس في بعض الأحيان يجلس مع الطالب اكثر من اهله وهو من يشكل وعي الطالب. فالخارج والدول متقدمة تعليميا كفنلندا واليابان والدانماراك والسويد كما ذكرت التقارير الأخيرة لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحددة ومؤسسة جودة التعليم العالمية أن اهم معايير اختيار المدرسين هو ان يجتاز المعلم دورات وامتحانات علم النفس التربوي وان يتم وضعه تحت الاختبار والتدريب والاشراف في مدرسة لمدة ستة اشهر قبل ان يتم اعتماده وان يكون لديه إلمام بعلوم الاجتماع وان يكون مثقفا ويجتاز اختبارات في المعلومات العامة.. بجانب قدرته على التواصل مع الطلبة والاقناع وتوصيل المعلومة ومعرفة مشاكل الطلاب واحتوائها ووجود روح الدعابة والمرح لديه الى جانب قدرته على كسب احترام الطلبة والحزم.. ويتم اجراء اختبارات للكشف عن تعاطي المخدرات للمعلمين بجانب تقييم للذكاء الاجتماعي كل ستة اشهر وتقييم السلوك خارج المدرسة.. ومن يعتبر دخل المعلم في هذه الدول من أعلى الدخول لدرجة ان هناك اساتذة جامعة يدرسون للابتدائية والاعدادي لأن الحكومات هناك تتعامل مع التعليم قبل الجامعي كمحمور وضلع رئيسي من ضلوع الامن القومي.. لذلك نطالب بتفعيل دور الاخصائي النفسي والاجتماعي داخل المدارس ووجود مستشار للطب النفسي في وزارة التربية والتعليم تكون وظفيته تحليل حوادث العنف في المدراس ووضع حلول واقعية وعلاج لهذه السلوكيات التي لا يمكن أن تصدر عن اشخاص أسوياء متزنين.. لأنها للأسف تصرفات لا تصدر الا من خلال اشخاص سيكوباتيين ضد المجتمع متبلدي المشاعر وفاقدي القيم والضمير.