مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 24 مايو في محافظات مصر    أسعار الدواجن واللحوم اليوم 24 مايو    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الجمعة 24 مايو 2024    قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيتونيا وحي جبل الطويل بالضفة الغربية    سيد معوض: كولر ليس مطالب بتغيير لاعبين في التشكيل والترجي لايمتلك لاعب خطير    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    نجم الأهلي السابق: نتيجة صفر صفر خادعة.. والترجي فريق متمرس    أشرف بن شرقي يقترب من العودة إلى الزمالك.. مفاجأة لجماهير الأبيض    بعد انكسار الموجة الحارة.. تعرف على حالة الطقس اليوم    نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 برقم الجلوس الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني محافظة جنوب الوادي    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    مصرع شخص فى مشاجرة بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    هشام ماجد: أرفض المقارنة بين مسلسلي «أشغال شقة» و«اللعبة»    عودة الروح ل«مسار آل البيت»| مشروع تراثي سياحي يضاهي شارع المعز    الشرطة: نحو 50 محتجا يواصلون الاختباء بجامعة ألمانية    ألمانيا تعلن اعتقالها نتنياهو في هذه الحالة    أستاذ اقتصاد: التعويم قضى على الطبقة المتوسطة واتمنى ان لا أراه مرة أخرى    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    أوقاف الفيوم تنظم أمسية دينية فى حب رسول الله    شخص يحلف بالله كذبًا للنجاة من مصيبة.. فما حكم الشرع؟    هيثم عرابي: فيوتشر يحتاج للنجوم.. والبعض كان يريد تعثرنا    عائشة بن أحمد تكشف سر العزوبية: أنا ست جبانة بهرب من الحب.. خايفة اتوجع    الزمالك ضد فيوتشر.. أول قرار لجوزيه جوميز بعد المباراة    منتخب مصر يخسر من المغرب فى ربع نهائى بطولة أفريقيا للساق الواحدة    وفاة إيراني بعد سماعه نبأ تحطم مروحية رئيسي، والسر حب آل هاشم    بايدن: لن نرسل قوات أمريكية إلى هايتى    السفير رياض منصور: الموقف المصري مشرف وشجاع.. ويقف مع فلسطين ظالمة ومظلومة    بوتين يصل إلى بيلاروس في زيارة رسمية تستغرق يومين    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    «حبيبة» و«جنات» ناجيتان من حادث معدية أبو غالب: «2 سواقين زقوا الميكروباص في الميه»    وفد قطرى والشيخ إبراهيم العرجانى يبحثون التعاون بين شركات اتحاد القبائل ومجموعة الشيخ جاسم    مرفق الكهرباء يوجه نصائح عند شراء 3 أجهزة لترشيد الاستهلاك    متحدث الوزراء: المجلس الوطني للتعليم والابتكار سيضم رجال أعمال    تشييع جثمان شقيق مدحت صالح من مسجد الحصرى بعد صلاة الجمعة    أصداء «رسالة الغفران» في لوحات عصر النهضة| «النعيم والجحيم».. رؤية المبدع المسلم وصلت أوروبا    الهندية كانى كسروتى تدعم غزة فى مهرجان كان ب شق بطيخة على هيئة حقيبة    تمنحهم رعاية شبه أسرية| حضن كبير للأيتام في «البيوت الصغيرة»    كسر محبس مياه فى منطقة كعابيش بفيصل وانقطاع الخدمة عن بعض المناطق    سورة الكهف مكتوبة كاملة بالتشكيل |يمكنك الكتابة والقراءة    يوم الجمعة، تعرف على أهمية وفضل الجمعة في حياة المسلمين    شعبة الأدوية: التسعيرة الجبرية في مصر تعوق التصدير.. المستورد يلتزم بسعر بلد المنشأ    الصحة العالمية تحذر من حيل شركات التبغ لاستهداف الشباب.. ما القصة؟    بعد تثبيت الفائدة.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 مايو 2024    وفد قطري يزور اتحاد القبائل العربية لبحث التعاون المشترك    سعر الدولار مقابل الجنيه بعد قرار البنك المركزي تثبيت أسعار الفائدة    إخفاء وإتلاف أدلة، مفاجأة في تحقيقات تسمم العشرات بمطعم برجر شهير بالسعودية    "قمة اليد والدوري المصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    افتكروا كلامي.. خالد أبو بكر: لا حل لأي معضلة بالشرق الأوسط بدون مصر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: الحصول على العضوية الكاملة تتوقف على الفيتو الأمريكي    إصابة فتاة إثر تناولها مادة سامة بقنا    «صحة البرلمان» تكشف الهدف من قانون المنشآت الصحية    حظك اليوم برج الحوت الجمعة 24-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. فرصة للتألق    حظك اليوم برج الجدي الجمعة 24-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    لمستخدمي الآيفون.. 6 نصائح للحفاظ على الهواتف والبطاريات في ظل الموجة الحارة    «فيها جهاز تكييف رباني».. أستاذ أمراض صدرية يكشف مفاجأة عن أنف الإنسان (فيديو)    انتهاء فعاليات الدورة التدريبية على أعمال طب الاسرة    في إطار تنامي التعاون.. «جاد»: زيادة عدد المنح الروسية لمصر إلى 310    ما هي شروط الاستطاعة في الحج للرجال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعراء يتبعهم الغاوون.. والمؤمنون أيضًا
نشر في البوابة يوم 03 - 04 - 2015

ظلت العلاقة بين الدين والثقافة محورًا لنقاش واسع وجدل متجدد وأزمات لا تنتهى منذ صدر الإسلام وحتى اليوم، الغريب أن أحد الاتهامات التي وجهها كفار قريش للنبى «صلى الله عليه وسلم» كان اتهامه بكتابة الشعر الأمر الذي استدعى تبرئة إلهية جاءت في قوله تعالى « وما علمناه الشعر وما ينبغى له »، الشعر كانت له مكانته الخاصة في مجتمع ما قبل الإسلام فالشعراء كانوا لسان حال القبيلة الذين يسطرون أمجادها ويهجون أعداءها ويمجدون قادتها، وعلى الرغم من الآية الكريمة « الشعراء يتبعهم الغاوون» فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع إليه ولقب حسان بن ثابت بشاعر الرسول، بل إن قصيدة « أنبئت أن رسول الله أوعدنى» لكعب بن زهير كانت سببًا في إنقاذ حياته بعد أن أهدر النبى دمه فما كان من كعب إلا أنه دخل على الرسول في المسجد ملقيًا قصيدته فعفا عنه «صلى الله عليه وسلم».
وهكذا ظلت الثقافة مصدرًا للجدل والمعارك، وشهد العصر الحديث العديد من الخلافات بين الفقهاء والمثقفين من بينها معركة عميد الأدب العربى طه حسين مع الأزهر حول كتابه « في الشعر الجاهلى»، الذي اقتيد بسببه لنيابة العامة واتهم بالإلحاد، إضافة إلى المعركة الشهيرة مع الأديب العالمى نجيب محفوظ حول روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا»، والتي كانت سببًا في محاولة اغتياله على أيدى الجماعات الإرهابية، وكانت آخر تلك المعارك مع الشاعر الراحل حلمى سالم حول قصيدته «شرفة ليلى مراد».
أما الإمام الشافعى فقد استند إلى الحديث الشريف «حسنه حسن وقبيحه قبيح» ليحسم الجدل القائم حول حرمة الشعر مفسرًا ما ذكر في القرآن الكريم من قوله «والشعراء يتبعهم الغاوون»، كذلك المفسرون الأكثر وسطية الذين قالوا إن الآية الكريمة استثنت أنواعًا محددة من الشعر بقوله تعالى « إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا»، الأكثر من ذلك أن كل الروايات المأخوذة عن الرسول الكريم محمد «صلى الله عليه وسلم» أكدت على ترحيبه بالشعر وترديده لأبيات شعرية، والأهم أن الإسلام ولد في بيئة شعرية، وهو كلام منصوص وجد ليدحض تكذيب أهل الجزيرة العربية بدعوة محمد، لكن المتشددين تمسكوا بأول الآية ليدللوا على جهلهم وإنكارهم للجمال والتذوق الذي لم ينكره الشرع خاصة أن الشريعة الإسلامية وما بنى عليها من حضارة اتخذت من الشعر وسيلة تبرز مشاعر الإنسان النبيلة، وتعبر عن مستواه الفكرى العميق والإسلام كدين شامل كامل لا يصادر الشعر إذا كان هذا هدفه ومبتغاه والنبى وهو القدوة والنموذج الرفيع في ذلك شجع على قول الشعر وجعله أسلوبًا من أساليب الدعوة عندما حارب قريش بنفس سلاحها وهو الشعر فحض المسلمين على قول الشعر المكافح ضد الضلال والشرك، فقد كان يقول لحسان بن ثابت «يا حسان اهجهم وروح القدس يؤيدك».
حسان بن ثابت بكى بين يدى الرسول بعد نزول «والشعراء يتبعهم الغاوون»
زعم مؤرخون عدة، أن الإسلام في بداية ظهوره هاجم الشعر والشعراء ونفر الناس من هذا الفن الجميل، ومن هؤلاء المؤرخين أحمد حسن الزيات في كتابه «تاريخ الأدب العربي، وجورجى زيدان الذي قال: إن الرسول لم يكن راغبًا في الشعر لأنه من عوامل التفريق بينما الإسلام يدعو العرب إلى الاجتماع».
وقال البعض: جاءت آيات تستنكر الشعر والشعراء ومنها قوله تعالى «والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، ولفتوا إلى أنه يفهم من ظاهر هذه الآيات أن القرآن الكريم يعارض الشعر ويذمّه، ولذلك لما نزلت هذه الآيات ذهب حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك الأنصارى إلى الرسول وهم يبكون. كما أن هناك أحاديث صحيحة وردت في ذمّ الشعر وممارسته مما يدلّ على أن النبى لا يحبّ الشعر، كما روى عن سعد بن أبى وقاص عن النبى «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحًا يريه خير له من أن يمتلئ شعرًا»، وحديث آخر رواه عن عمر بن عن أبى سعيد الخدرى يقول: «بينما نحن نسير مع رسول الله بالعرج إذ عرض شاعر ينشد، فقال النبى خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان»، مؤكدين أن هذه الأحاديث تدلّ على مدى استقباح النبى للشعر والشعراء، إضافة إلى ما رواه بن ماجة عن عائشة رضى الله عنها: «أعظم الناس فرية اثنان شاعر يهجو قبيلة بأسرها، ورجل انتفى عن أبيه». ومن جانبه قال الشاعر إبراهيم داود: مروجو حرمة الشعر لا يستحقون الرد عليهم، فهؤلاء قادمون من عصور أخرى ونحن نتطلع إلى المستقبل، كما أن المشكلة الرئيسية تكمن في أن السلفيين يروجون لتلك الأفكار في ظل التجمعات التي تنتشر فيها الأمية، لذلك يلقى الحديث قبولًا لديهم، وإذا أرادت الدولة أن تحاصر تلك الآراء فعليها أن تهتم بتلك الطبقات وترفع مستواها المادى والتعليمى.
وأشار الشاعر المصرى إلى أهمية الشعر قائلًا: الشعر من الفنون التي لا غنى عنها في العالم لما له من تأثير على الوجدان والروح وقدرته على معالجة العديد من القضايا.
«فقهاء»: بعض الشعراء يستحقون «حد الردة».. ولا فرق بين جاد ومستهزئ
الخلاف بين الفقهاء والشعراء أزلي، فدائمًا ما يفتى الفقهاء ب«ردة» الشعر في تشبيهاتهم وأبياتهم الشعرية.
حيث نجد أن الإمام محمد بن على الشوكانى قال في أسباب الردة أو لفظ كفرى «وإن لم يعتقد معناه»، وقال سيد سابق في أسباب الردة: «إنكار ما علم من الدين بالضرورة، استباحة محرم، تحريم ما أجمع على حله، سب النبى «صلى الله عليه وسلم» والاستهزاء به أو بدينه، ومن أنكر الشفاعة أو الرؤية أو فتنة القبر أو الصراط أو الحساب» فهو زنديق.
ومن الفقهاء المعاصرين يقول الشيخ صالح بن فوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في الملخص الفقهى في مبحث أسباب الردة: «الشرك بدعاء غير الله، والنذر لهم، وطلب الغوث والمدد من الموتى، من سوغ اتباع غير الإسلام، من لم يكفر غير المسلمين، وقال: لا فرق فيها بين الجاد والهازل والمستهزئ.
وكان فوزان قد علق على أبيات أبى القاسم الشابى «إذا المرء يوما أراد الحياة ** فلا بد أن يستجيب القدر» بأنه كلام فاضى.. قائلًا: لابد أن يستجيب القدر يعنى أن المرء هو الذي يفرض على القدر أنّه يستجيب العكس القدر هو الذي يفرض على الإنسان.
وتابع هذا كلام شاعر، الله أعلم باعتقاده أو أنّه جاهل لا يعرف الحرام من الحلال، على كل حال هذا كلام شاعر والله -جل وعلا- يقول: «وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ».
ويقول الإمام محمد بن ناصر الألبانى في فتواه معقبًا على البيت ذاته، هذا هو الكُفر بعينه، وهو يدلُّ على أنَّ النَّاس ابتعدوا عن العلم، فلم يعرفوا ما يجوز وما لا يجوز لله وحده وما لا يجوزُ لغيرِهِ، وهذا مِن الغفلة وهى من الأسباب التي جعلت هذا الشَاعر يقول ذلك، وأنْ تتبنى ذلك بعض الإذاعات العربية نشيدًا قوميًا عربيًا يقول إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر مما يعنى أن القدر تحت مشيئة الشعب، وهذا خلاف ما قال الله تعالى في كتابه وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
مروجو حرمة الشعر لا يستحقون الرد عليهم فهؤلاء قادمون من عصور أخرى ونحن نتطلع إلى المستقبل
كبار المفسرين: «الشعر» و«الغي» وجهان لعملة واحدة
المفسرون الأولون عادوا الشعر ووصفوه «بالكفر» وبعضهم طالب بتطبيق «الردة»
تعامل كبار مُفسرى الأئمة مع الشعر بمنتهى الشدة، والرفض المعمم دون تخصيص، مطلقين حكمهم على الشعر بأنه والغى وجهان لعملة واحدة، دون النظر إلى النوع أو الهدف أو الجهة الصادر عنها، فحتى أشعار المدح الإلهى وقصائد مدح الرسول لم يشفعوا لها، معتمدين على النص القرآنى «الشعراء يتبعهم الغاوون»، فنجد الطبرى عند تفسيره لتلك الآية قال «أولى الأقوال بالصواب أن يُقال فيه ما قال الله جل ثناؤه من أن شعراء المشركين يتبعهم غواة الناس ومردة الشياطين وعصاة الجن»، مشيرًا إلى أن ذلك التفسير لا يقتصر على شعراء المشركين.
وأضاف «الله عمم في تلك الآية ولم يخصص بذلك بعض الغواة دون بعض، فذلك على جميع أصناف الغواة التي دخلت في عموم الآية، قوله «ألم تر أنهم في كل واد يهيمون» ما معناه ألم تر يا محمد أنهم - يعنى الشعراء- في كل وادٍ يذهبون كالهائم على وجهه على غير قصد بل جائرا عن الحق وطريق الرشاد وقصد السبيل، وإنما هذا مثل ضربه الله لهم في افتنانهم في الوجوه التي يفتنون فيها بغير حق فيمدحون بالباطل قومًا ويهجون آخرين كذلك بالكذب والزور.
أما تفسير الجزء من الآية الذي يقول «إنهم يقولون ما لا يفعلون»، ففسره ابن كثير معتمدًا على تفسير ابن عباس له حيث قال فيها « أكثر قولهم يكذبون فيه»، وأضاف ابن كثير «إن الشعراء يتبجحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم فيتكثرون بما ليس لهم»، بينما اعتمد الإمام جلال الدين السيوطى في كتابه «لباب النقول في أسباب النزول» على واقعة مُحددة لتفسير الآية، وهى أن رجلين تهاجى على عهد رسول الله «صلى الله عليه وسلم»؛ أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه وهم السفهاء، فانزل الله عز وجل هذه الآية، وأخرج ابن أبى حاتم عن مكرمة عن عروة، قال «لما نزلت والشعراء إلى قوله تعالى وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، قال عبد الله بن رواحة «قد علم الله أنى منهم فانزل الله «إلا الذين آمنوا» إلى آخر السورة، لم يقف تعامل أوائل المفسرين مع الآية بتلك الصورة، بل ذهب بعضهم إلى ما هو أكثر حزمًا، حيث طالب بعض الفقهاء بتطبيق حق الردة على الشعراء، وعلى رأسهم الألبانى الذي أفتى بكفر مقولة «الشابي» في حديثه عن استجابة القدر.
كما نجد أن الفقهاء في كتب الفقه حينما يذكرون أسباب الحكم بالردة لا يستثنون كلام الشعراء، وهو أمر معروف بالرجوع إلى حد المرتد من الكتب الفقهية من أهل المذاهب الأربعة أو الظاهرية، إضافة إلى غيرهم، ومن المتأخرين نجد أن الإمام محمد بن على الشوكانى قال في أسباب الردة أو لفظ كفرى وإن لم يعتقد معناه، وقال سيد سابق في أسباب الردة «إنكار ما علم من الدين بالضرورة، استباحة محرم، تحريم ما أجمع على حله، سب النبى والاستهزاء به أو بدينه، ومن أنكر الشفاعة أو الرؤية أو فتنة القبر أو الصراط أو الحساب فهو زنديق.
وإذا ما انتقلنا إلى الفقهاء المعاصرين فبعضهم لا يزال يتمسك بتلك النظرة الأصولية عن الشعر، فيقول الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، في الملخص الفقهى في مبحث أسباب الردة «الشرك بدعاء غير الله، والنذر لهم، وطلب الغوث والمدد من الموتى، من سوغ اتباع غير الإسلام، من لم يكفر غير المسلمين، وقال «لا فرق فيها بين الجاد والهازل والمستهزئ إلا المكره. وكان الفوزان قد أفتى في كشف وجوه غلط في أبيات أبى القاسم الشابى «إذا المرء يومًا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، بأنه كلام فاضى، لا بد أن يستجيب القدر ؟، يعنى أن المرء هو الذي يفرض على القدر أنّه يستجيب؟، العكس القدر هو الذي يفرض على الإنسان، وتابع «هذا كلام شاعر الله أعلم باعتقاده، أو أنّه جاهل ما يعرف، على كل حال هذا كلام شاعر والله - جل وعلا - يقول «وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ». وأضاف: يقول أهل البلاغة عن الشعر: «أعذبه أكذبه»، وهذا كلام باطل بلا شك، هذا يُنسب للشابي: شاعر تونسى من الشعراء المعاصرين، مؤكدًا بعض الناس وبعض الصحفيين يكتبون كتابات سيئة يقول «يا ظُلم القدر، يا لسخرية القدر»، هذا كلام باطل يؤدى إلى الكفر.
ويقول الإمام محمد بن ناصر الألبانى في فتواه معقبًا على البيت ذاته «هذا هو الكُفر بعينه، وهو يدلُّ على أنَّ النَّاس ابتعدوا عن العلم، فلم يعرفوا ما يجوزُ وما لا يجوزُ لله وحده، وما لا يجوزُ لغيرِهِ، وهذا مِن الغفلة، وهى من الأسباب التي جعلت هذا الشَّاعر يقولُ ذلك، وأنْ تَتبنَّى ذلك بعض الإذاعات العربية نشيدًا قوميًّا عربيًّا، وهذا الشَّعر يقول «إذا الشَّعبُ يومًا أرادَ الحَياة.. فلابُدَّ أنْ يَستَجيبَ القَدر» يعنى أنَّ القدر تحت مشيئة الشعب، وهذا عكس قول ربِّ العالمين: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.
الأزهر: النبى خلع بردته لأحد الشعراء
عميد أصول الدين: الرسول كان يردد بعض كلمات الشعر استحسانا لها
عوض: الشعر في الإسلام ليس محرمًا.. وكل قصيدة تقاس بحسب مضمونها
أبو الخير: تحريم الشعر اعتمادًا على «والشعراء يتبعهم الغاوون» قصور وعجز
اعتبر علماء الأزهر الشريف تحريم الشعر أو إباحته جزءًا من الجهل والعبث؛ فالنبى «صلى الله عليه وسلم» أقر مقولة بعض الشعراء، وكان يردد بعض الكلمات منه، بل إنه خلع بردته لأحد الشعراء إعجابًا بمقولته، بل إن من أعظم الشعراء في الإسلام كان على بن أبى طالب وحسان بن ثابت وغيرهما كثيرون من الصحابة، ويردد قولهم حتى وقتنا هذا، مؤكدين أن من يقول بالتحريم إما حاقد أو جاهل لا يعى منطوق العربية، مشددين على عدم تكفير الشعراء استنادًا لبعض أبيات شعرهم.
الدكتور زكى بدر عوض، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، قال إن الشعر في الإسلام ليس محرمًا على إطلاقه ولا مباحًا على إطلاقه، فهناك ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم من خلعه للبردة، حينما وصل كعب من زهير في إنشاده لقصيدة بانت سعاد إلى قوله: «إن الرسول لنور يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول»، فأعجب الرسول بهذه الكلمات وأعطاه بردته الشريفة واستحسن قولته.
وتابع عوض كان هناك من الشعراء من يدافع عن الإسلام وعن رسوله، أمثال حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، زيد بن ثابت، وعلى بن أبى طالب وكثيرون، من الشعراء الذين يحفل بهم التاريخ الإسلامى، مشيرًا إلى أن النبى كان يستحسن الشعر، مرددًا للكلمة الأخيرة من الشطر الثانى للبيت.
وأكد عميد أصول الدين، أن عدم جواز تكفير الشعراء لما يصدر عنهم من قول فبيان نواياهم وما يرمون إليه يبقى في قرارة أنفسهم، ولا يحاسبون به في الدنيا، بل مردهم إلى الخالق عز وجل الذي يحاسب على الأقوال والنوايا، مشيرًا إلى أن الشعراء أمثال بشار بن برد، الرواندي، والمتنبى فأقوالهم مفوضة إلى الله ولا يجوز محاسبتهم على ما قدموه والحكم عليهم لا يتأتى شرعًا، ويسألون عن نيتهم.
وأضاف: ليس الشعر حرامًا كله ولا حلال كله، وإنما تقاس كل قصيدة بحسب مضمونها، ولهذا فقد عاب الله عز وجل قول بعض الشعراء ووصف مبتدعيهم بالغواية في قوله « والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون»، وجاء الاستثناء بعد ذلك في قوله تعالى: «إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون»، لينتصر للذين جندوا قلمهم ولسانهم في الدفاع عن الدين الإسلامى.
واستشهد عوض بالمرفوض من الشعر بقول الشاعر قدر أحمق الخطى فقد وصف القدر بالحمق وهو ما لا يجوز بحق الذات الإلهية لكنه لا يكفر ويسأل عما قال به من قبل المولى عز وجل ولا يجوز ترديده بين العوام، وكذلك قصيدة «قولى ولا تخبيش يا زين» فقد أباح الشاعر القبلة ألوفا وليست مرة واحدة، ويعد ذلك مستهجنًا من الشعر ومحرما لكن صاحبه لا يكفر.
في حين، أكد أيمن أبو الخير، إمام مسجد أبو العزائم وأحد قيادات الصوفية، على أن تحريم البعض للشعر في عمومه اعتمادًا على الآية الكريمة « والشعراء يتبعهم الغاوون» إنما هو قصور وعجز على نظم شعر مثل الذي تنظمه الصوفية في مدح الله ورسوله وآل بيته، ومن باب الحقد، وعدم الفهم.
وقال «أبو الخير»، في تصريحات خاصة ل«البوابة»، إن الشعر حسنه حسن وقبيحة قبيح كما قالت السيدة عائشة رضى الله عنها، مستشهدًا بالشعر الذي كان يقوله الصحابى حسان بن ثابت في مدح الرسول، وبواقعه الرسول «ص» مع كعب بن الزهير ومنحه بوردته رغم أن القصيدة التي قالها بدأت بمدح لسيدة، ولم ينهره الرسول أو ينهيه، وهو ما يدل على أن حتى شعر المدح والغزل مباح طالما كان عفيفًا. وأضاف أن الشعر فن له ما لباقى الفنون من تأثير على الروح والوجدان وجذب انتباه الناس، لذلك يجب استغلاله والاستفادة منه وليس تحريمه ومهاجمته.
وأشار أمام مسجد أبو العزائم إلى أن المقصود بالآية شعراء النفاق الذين يستخدمون الشعر للتقرب إلى الملوك والتودد إليهم، إضافة إلى الشعر غير العفيف المشغول بالحديث عن جسد المرأة والتفتن بها، فذلك هو الشعر الذي يتبعه الغاوون ممن ليس لديهم أعمال أو هدف نبيل يسعون إلى تحقيقه.
وأوضح القيادى الصوفى، أن أئمة الصوفية أكثر من كتبوا شعرًا في مدح الله ورسوله، لا يزال يلقى حتى الآن، ويعاد توزيعه حتى أنه انتشر بين الشباب، مشيرًا إلى أن إحدى تلك القصائد التي حققت شهرة كبيرة وأثرت في العالم الإسلامى القصيدة التي استخدمها القائمون على مسلسل الخواجة عبد القادر كتتر للمقدمة والتي تقول « والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرونًا بأنفاسي، وما هممت بشرب الماء من عطش إلا رأيت خيالًا منك في الكأس».
«حسان بن ثابت».. حجة النبى إلى أمته في «إباحة الشعر»
«فإذا اختلفتم في شيء فردوه إلى الله والرسول»، وإذا كان القرآن الكريم لم يرد في الشعر إلا الآية التي استعان بها المفسرون لتحريم الشعر ونصب العداء له، يبدو أن هؤلاء نسوا تلك الآية، وتجاهلوا تعامل الرسول مع حسان بن ثابت، وكأن الرسول بنفسه أقام الحجة على المعادين للشعر من أمته.
حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجى الأنصارى، المُلقب ب «أبو الوليد»، شاعر النبى (صلى الله عليه وسلم)، وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، عاش ستين سنة في الجاهلية ومثلها في الإسلام، وكان من سكان المدينة، ولقد استعان الرسول بحسان بن ثابت لهجاء قريش، فقال الرسول «اهجُ قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق بالنبل»، فأرسل إلى ابن رواحة، فقال «اهجهم، فهجاهم فلم يُرْضِ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان «قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنَبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه»، فقال «والذي بعثك بالحقَ! لأفرينَّهم بلسانى فرْيَ الأديم»، فقال رسول الله «لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لى فيهم نسبًا، حتى يلخص لك نسبي»، فأتاه حسان، ثم رجع فقال «يا رسول الله، قد لخص لى نسبك، والذي بعثك بالحق لأسلنَّك منهم كما تسل الشعرة من العجين، فقال السيدة عائشة «سمعت رسول الله يقول لحسان إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله».
من النسخة الورقية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.