رغم أنه لم يستوف حقه في حياته، ولكن أجمع الكثير من النُقاد والأدباء أن عبدالحكيم قاسم كان صاحب أول تجربة حداثية رائدة في الرواية في فترة الستينيات، وكانت روايته "أيام الإنسان السبعة"- التي صادفت حظًا عاثرًا عندما تزامن صدورها مع رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال" وما رافقها من دوي شديد، غطى على روايته- قد أسست بالفعل لأدب جيل احتفى باللغة وحاول الخروج من أسر الواقعية التي كان يسودها نجيب محفوظ في الأدب العربي. وكان قاسم من أبرز الكُتّاب المصريين في المرحلة الناصرية، وككل صاحب فكر، فقد طالته أيدي الحرس الحديدي للنظام الناصري؛ فقضى في السجن عدة سنوات بسبب أفكاره ومواقفه وآرائه السياسية والفكرية، واستمر في التفكير والكتابة إلى أن داهمه الشلل وهو يعد أطروحته في الأدب. في رحلته للوصول إلى الحقيقة تنقّل قاسم بين الكيانات الماركسية -التي كانت سمة ذلك العصر- والإخوان المسلمين، والصوفية إلى أن أُحبط تمامًا، وكان قدره أن يدخل المعتقل في ديسمبر عام 1959 بتهمة الانتماء لتنظيم شيوعي، ليخرج منه بعدها بخمس سنوات في مايو 1964. ورغم رحلته الطويلة في هذه الكيانات، كان عبد الحكيم قاسم يدين في داخله بالاشتراكية التي ظهرت في كتاباته، فعاش مناضلًا في سبيل الحرية والدفاع عن الحقوق الديمقراطية، ورغم التجربة المريرة لكن كانت من أخصب أيامه تلك التي قضاها في أقبية السجون، وكتب في تلك الفترة واصفًا حياته وموّضحًا بدايته الأدبية"تعلمت وأنا داخل السجن حقيقتي كإنسان لأنني تأملتها طويلًا حتى أنه لم يتح لي فرصة أن أتأملها بهذا التوسع والعمق إلا من خلال السجن، ولولا السجن لما كنت توصلت إلى الرؤية الخاصة التي أمتلكها، فالسجن ثقافة أخرى، وربما بدونه ما كنت أصبحت عبد الحكيم قاسم الأديب، ففيه كتبت أعمالي الأولى من رواية ومجموعة قصصية". وربما كان من أهم ما كتبه قاسم سواء على مستوى أعماله أو عن فترة السجن تحديدًا كانت روايته "قدر الغرف المقبضة"، وهي الرواية الثانية له بعد روايته الأولى "أيام الإنسان السبعة"، والتي كانت كلماتها تجُسّد جانبًا كبيرًا من الحياة المأساوية التي عاشها قاسم في السجن، وظهر ذلك في اللغة التي سرد بها أحداث روايته، وكثرة استخدامه لمفردات العتمة، والتي كانت توضح قسوة الحياة داخل السجن والظلام الذي كان يسود المُعتقل، ليس فقط على المستوى المادي، ولكن لعب المجاز كذلك دورًا كبيرًا في هذه الظُلمة التي كانت تطغى على عالم السجن. في "قدر الغرف المقبضة" حكى قاسم عن ظلام السجون والآم المنفى، فكانت الرواية تتنقل مكانيًا من إحدى قرى الدلتا إلى شوارع الإسكندرية إلى أزقة القاهرة، وصولًا إلى سجون مصر المختلفة ثم إلى أحياء برلينالغربية، حيث قضى قاسم عشر سنوات بعد خروجه من السجن، والتي كانت بشكل ما منفى له، وكان امتدادها الزمني من طفولة إلى كهولة راويها الفرد تعبيرًا عن قاسم نفسه في رحلته الطويلة، ورغم كل هذا الظلام كانت كلماته في الرواية تحاول أن تُسبغ الحياة على الموجودات والأشياء وتدفع في شرايينها الدم، حيث تحاول الإمساك بحلم مراوغ، وبجمال مناور يستعصيان على الإمساك.