حياته كانت مدهشة مثل موهبته، مخيفة مثل أعماقه، دافئة مثل مشاعره، مجنونة مثل تصرفاته، وجريئة مثل أفكاره، عاش عمره فى دنيا من التمرد، والوحدة، تمرد حتى على أحمد زكى شخصيا، أما الوحدة فسافر من خلالها – بخياله – لحياة يريدها وامرأة يتمناها وعلاقة تطمئنة وتقدير يرضيه. بساطتة تسكن ملامحه.. خجله جزء من شخصيته.. توتره هواء يتنفسه .. دموعه لا تكف عن السقوط داخل قلبه.. عقله لا يحصل على إجازة، ابتسامته سلاح يدافع به عن وجوده أكثر مما هى تعبير عن إحساسه. أحمد عاش دائما داخل منطقة ألغام.. والمشكلة أنه لا توجد لافتة تحذر من يقترب منه، فالانفجار قطعا سيكون من نصيب اى محاولة للاقتراب من (دنيا) أحمد زكى، دنيا حرمته من الحب وأهدته الموهبة .. قدمت له النجاح وسرقت منة الاستقرار.. خصمت منه السعادة ومنحته النجومية.. أعطته المتعة وسلبته الإحساس بها، وأدرك بذكائه وفطرته أن إنسانيته لا بد أن تكون المادة الخام لكل شخصية يجسدها وكل علاقة يعيشها وكل موقف يواجهة وكل ازمة تحاصرة وكل حب يعذبه. (1) فلاش باك هي لحظة حفرت بدايات الألم فى نفسة وحياته فقبل أن يبلغ فطامة مات أبوه ولأن أمه كانت امراة صغيرة وجميلة.. تزوجت وقتها كان عمرة 4 سنوات، وعاش مع جدته وجده فى الشرقية ووقتها ولد لديه شعور بالحياد بدأ يكتم ما بداخله، يضع عليه خجله ويلونه بعذابه.. ويصمت، لقد رفض نظرات الشفقة والعطف ورفض ان يكون ضعيف ومهزوزا ومرتعشا من برد الوحدة ووجد فى التمثيل فرصة عبقرية يصرخ من خلالها ويبوح بأوجاعه وهمومه. (2) فى يوم ما ذهب أحمد يتغدى فى مطعم على النيل وأثناء جلوسه اقترب منة شاب ومعه خطيبته، عرفه بنفس وأنه معجب به وبفنه وقال له بصوت عال: ياريت يا استاذ احمد تمثل لنا حتة على ذوقك علشان المدام. ساعتها كاد أحمد أن يضربه، لأنه كان غيورا على فنه.. هذا الفن الذى لا يخضع لمنطق يفسرة أو فلسفة تحدده، فعقل احمد ظل طوال الوقت فى خدمة موهبته.. تراه زعيما فتصدقه .. وسائقا فتحبه.. وملاكما فتشجعه.. وصعلوكا فتعشقه.. وزوجا متورطا فى نزوة فتتعاطف معه.. ومظلوما فتتمنى أن تاخذة فى أحضانك .. ومهزوما فى مشاعرة فتبكى من أجله تراه دجالا فتستسلم له.. ومطربا فتصفق له.. ومحاميا فيبهرك بمرافعاته .. وزعيم عصابة فيقنعك بإجرامه، هو الممثل العربى الوحيد الذى قيل انة يمثل "بقفاة"، وكل شخصية عاشها بأعصابه ودمه وروحه اثرت فى تركيبته النفسية.. كل شخصية كادت ان تجرجره وراءها للعيادة النفسية. هذه المعاناة جعلته شديد العصبية وكثير الملل وقليل الصبر ودائم الانفعال، جعلته– كما اتهمه البعض– حاد المزاج، قاسى العبارة، شارد طول الوقت، لقد تحول التمثيل عند أحمد الى فيروس .. مرض .. حالة، لا يعيش بدونه .. يختنق إذا ابتعد عن البلاتوه .. يتعذب اذا لم يقرأ سيناريو .. يتألم إذا لم يجد قناعا جديدا يؤدى من خلفة دورا يفجر به طاقة وإبداعا وشحنة أعصاب، أما الشيء المستحيل فى حياة أحمد فهو امتزاج الممثل بالإنسان.. صعب جدا أن تفصل بينهما. الاشتباك بين الاثنين تحول إلى حياة يعيشها احمد بطريقتة وعلى مزاجة وعلى كل من يقترب منة ادراك هذة الحقيقة المخيفة (3) أحمد زكى من مواليد برج العقرب.. 18 نوفمبر عام 49 صراحتة تصل لمرحلة الصدمة .. مناضل حتى الاستشهاد فى سبيل فكرة.. يحب الكلام ويحوله كل لحظة إلى مشاهد تمثيلية يؤديها ببراعة ليؤثر فى محدثه ويقنعه، البعض كان يراه انسانا نكديا والبعض الاخر وصفة بالجدية شخصان فقط كانا يران احمد على حقيقته، ابنه هيثم والشاعر الراحل صلاح جاهين (انا باحب هيثم جدا وهو العلاقة الصادقة والجميلة فى حياتى، عندما انفصلت عن زوجتى هالة فؤاد كان مفروض اخذ ابنى لكتى رفضت . حاعمل بيه إيه؟ لازم الولد يشرب الحنان والحب والاهتمام وكل هذه الاشياء لن يحصل عليها الا من امة ولكن يشاء القدر ان يفقدها فعاش مع جدته .. إنه يكرر شريط حياتى مع الفرق أنى فقدت أمى بالزواج وهو فقدها بالموت.. هو يتيم وانا يتيم.. هو وحيد وأنا وحيد..) (صلاح جاهين إنسان مصرى جميل كان يمارس (الطبطبة) على وعلى كل الناس ومات لأنه مالقاش حد يطبطب عليه. كان بيسال عن كل البشر، اقتربت منه واحببته واصبح ابويا الذى حرمتنى منه الدنيا وصرت ابنه الذى لايبخل علية بحب أو نصيحة) (4) هكذا كان من المستحيل قراءة أفكاره .. كممثل بطاريات عقلة تعمل 24 ساعة فى اليوم .لمبات ذهنة لاتنطفئ لان مسرح احلامه لا يعرف كلمة (إسدال الستار) انه دائما جاهز فى اى وقت لكل شخصية تسرق انتباهة وكل دور يستحوذ على حبة وكل موقف يؤثر فى ادائة ونجح احمد فى ان يصنع لنفسة صورة خاصة جدا صورة رسمتها : صعلكة عاشها وفقر عانى منة وموهبة اكدها وهزائم دمرتة واصرار تمسك به. وكان احمد حين يصف نفسة يقول الرباعية الشهيرة لجاهين "مهبوش بخربوش الالم والضياع قلبى ومنزوع م الضلوع انتزاع يا مرايتى ياللى بترسمى ضحكتى يا هلترى دة وش والا قناع" (5) فلاش باك -انت واحمد زكى .. اصحاب؟ *:هو فين .. انا مش لاقية .. نفسي اقعد معاة .. اكلمة .. اسالة عن اخبارة وافتش فى قلبة ..ويظهر انى من كثرة الشخصيات اللى مثلتها تهت عن نفسي المصيبة انى بعد كل فيلم باعملة احتاج لمجهود خرافى لاتخلص من الشخصية واسترد انسانيتى ومشكلتى انى باحكى نفسي طول الوقت وباتخانق معايا طول الوقت وبازعل منى ومش باشوفنى انت لما تزعل منى .. مسالة سهلة ولها حل لكن لما ازعل منى .. اروح فين؟ انا عصبى ..عارف لية ؟ عشان لسة عندى ضمير .. عاوز اشتغل صح .. ما بحبش اللف والدوران والاقنعة ساعات الاقى نفسي مجرد شخبطة ممكن يطلع منها واحد جنتلمان او بواب او صايع او ضابط انا ما يهمنيش احمد زكى يهمنى اكتر الادوار اللى باعملها عشان الشاشة فيها صدق اكتر من الحياة السيناريو دايما مضبوط وممكن ترصد الخير والشر فية وانت عارف الواقع اللى بتتحرك فية لكن فى الحياة عمرك ما حتلاقى شر بالاتفاق او خير بالاتفاق والتشخيص اثر على مخى ويا ريتنى باكون مبسوط .. لكن دايما عندى احساس ان اللى باعملة وحش وفى مرة رحت للدكتور احمد عكاشة قلت لة : خللى الراجل اللى جوايا يرحمنى . قال لى: خلية ينقدك لانة هو اللى ورا كل الفن اللى بتقدمة (6) حين زارة المرض دخل بة منطقة... الالام ولانة عاش طوال حياتة متمردا وعنيدا .. حين هزمة الوجع رفض الاستسلام ولم يقل اة وحين اشتدت الالتهابات فى صدرة وتحولت الى سكاكين تمزق راحتة وتسرق تنفسة وتكتم هواؤة وتخطف حيويتة وتحرق اعصابة لم يجرؤ ان يبوح لاحد بما يشعربة انة قانون احمد زكى الخاص فى الفن .. والحياة القانون الذى عاش بة واصبح بسببة : عبقرى التمثيل وامبراطور الاداء واستاذ التقمص وفنان الادوار الصعبة وحين دخل احمد البلاتوة ليجسد حلم عمرة .. فيلم حليم لم يصدق احدا نفسة كان يقف امام الكاميرا ينفعل . يؤدى . يتسلل تحت جلد الشخصية ويذوب فى ملامحها ويحولها الى كتلة مشاعر كيف تحامل على نفسة ومرضة وضعف جهاز مناعتة ؟ كيف ذاكر دورة ونسى الموت المختبئ فى كل جزء من جسدة ؟ لكنة فعلها امام الدهشة والاعجاب والانبهار ووقف ومثل وصال وجال كانت كل اهة تخرج منة امام الكاميرا تجعل عشرات الايادى تمتد .. وعشرات القلوب ترتعش كان احمد يمثل حتى النفس الاخير . بكل نقطة فى دمة واعصابة . بكل حبة وعذابة . بكل ايمانة بموهبتة . بكل دموعة المسكونة فى قلبة والتى كانت تدعو اللة ان يجعلة يواصل مشوار احلامة لكن ارادة اللة ان يصبح (حليم) اخر حلم . اخر فيلم. اخر محطة. اخر نقطة فى كتاب ايامة بعد أن اعلن السرطان قرارة بالانتشار فى جسدة فجاة فقد وزنة وشهيتة وزاد نهجان صدرة وتوغل الوحش فى الكبد والامعاء وفقد الاطباء السيطرة علية انة التهور الذى كان يعلمة الجميع لكنهم اخفوا اسرارة عنة حتى ينجح فى مقاومتة وفجاة دخل فى غيبوبة واعلن جسدة الهزيمة انهارت المقاومة واختفت المواجهة وتوقف النبض وضاع الامل وانتصر الموت الذى لا راد لقضائة (7) وفى 27 مارس 2005 مات احمد زكى ومثلما امتعنا.. ابكانا ومثلما سكن قلوبنا.. سكنت اعمالة ذكرياتنا وبقيت صورته متمردا . مدهشا.رائعا . مقاتلا. حالما . طفلا . و... إنسانا جميلا