صناعة السفن تعد أحد أقدم الصناعات التي عرفت منذ مهد التاريخ، واختارها القدر ليكون مستقرها بمحافظة الإسكندرية التي أختارها محمد على باشا، لينشأ ترسانة بحرية لتكون أقوي اسطول بحري يواجه به تحديات ومخاطر الحروب منذ عام 1827 م. ومنذ ذلك التاريخ توارثت صناعة المهنة من الأجداد إلى الأحفاد، ابدعوا وابتكروا ارقي واضخم السفن واليخوت ومراكب الصيد، ليصدروها للخارج بعد أن توالت عليهم العروض نظرا لإتقانهم للصنعة دون غيرهم. "187" عام هي عمر تاريخ صناعة السفن في الإسكندرية إلا أن حل عام 2004 أي منذ احدي عشر عاما، وصدور قرار حكومي بوقف إصدار تراخيص لأي سفن ملاحية جديدة. ذلك القرار الذي عصف بأحلام أصحاب المهنة وحرمهم من استكمال تعليم اتقان فنونها لأبنائهم وأحفادهم، بعد ضياع أحلامهم على شواطئ البحر. "المهنة أوشكت على الإنقراض" بهذه العبارة بدء الحاج أحمد محروس، كبير الإسطاوات لصناعة السفن، يقول:" بعد عشرات السنين من صناعة السفن واليخوت حرمنا القرار الحكومي من استكمال مشوارنا بسبب بوقف تراخيص السفن الجديدة دون أسباب واضحة". وأضاف ل" البوابة نيوز": "طرقنا كل الأبواب الحكومية واعتصمنا امام مكاتب المسئولين دون جدوي، لكي يتم إلغاء القرار حفاظا على المهنة ومراعاة لحياتنا الأسرية وحياة أفضل لأبنائنا". ويلتقط أطراف الحديث أبو محمود صاحب ورشة لصناعة اليخوت بمنطقة الأنفوشي، قائلا:" عندما حققنا مكاسب من هذه المهنة منذ سنوات انتشرت الورش في المنطقة، بحثا عن الرزق ولقمة العيش، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن التي نصنعها، واصبحنا نملك قوت يومنا بالكاد". وأشار محمد فتوح،عامل باحدي الورش،:" كنت أتمني أن اعلم ابنائي المهنة بالرغم من كل ما نتعرض له من ضغوط وقلة الزرق، حبا فيها وحتى لا تندثر وتنهي، إلا أنهم عزفوا عن هذه المهنة بعد أن أصبحت بلا أمل وزرقها ضعيف جدا". أما محمد السيد،عامل، يقول:" في الماضي كان وضع مختلف كنا فخورين ومازالنا بمهنتنا، وكانت محط أنظار للسياح من زائري الإسكندرية، أما الآن فاصبحنا نصنع سفينة واحدة في العام كله". وأكد الحاج أحمد البربوني،صاحب احدي الورش، ظلمنا من كل العصور منذ عهد مبارك البائد، وصولا إلى عهد مرسي، فلم ينظر إلينا أحد ولم تهتم الدولة بنا، مثل غيرنا، لافتا إلى أن صناعة السفن من أهم الصناعات التي تجلب للدولة أموالا طائلة، ومن الممكن أن تستفيد من هذه الصناعة، وتشغل المئات من الشباب العاطل الجالس على المقاهي باحثا عن فرصة عمل وزرق. ومن جانبه أكد حسين أبو شنب، رئيس مجلس إدارة جمعية صناع السفن، أن صناعة السفن من أهم الصناعات المصرية، لأنها تدر دخلا كبيرا للدولة، وبالرغم من ذلك مصر لا تهتم بالصناعة أو بأصحابها. وأشار"شنب" إلى أن الدول الأجنبية في الماضي كانت ترسل وفودا إلى منطقة الأنفوشي، لتعلم صناعة السفن ونقلها للجامعات عن طريق العامل البسيط الذي تعلم الصنعة من أجداده، أما في الوقت الحالي لايوجد أحد بسبب القرارات الحكومية الروتينية. وقال:" نريد تكوين جيل جديد يتعلم صنعة أبائه وأجداده قبل أن تنقرض، ولكن ما يحدث اليوم أدي إلى عزوف الشباب عن تعلم الصنعة، مما يهددها بالإنقراض والإندثار مع رحيل الجيل القديم". وناشد أصحاب الورش وصانعي السفن، بضرورة تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لمنع اندثار الصناعة، وجدولة المديونيات التي تراكمت عليهم نظرا لإن أغلبهم من مستأجري الورش من محافظة الإسكندرية وحي الجمرك، وكذلك إنشاء مدينة لصناعةالسفن لجذب السياح وضخ أموال للمحافظة وتشغيل الشباب.