صدرت حديثاً عن دار أطلس للنشر والتوزيع بالقاهرة، المجموعة القصصية "خوفناك كهوست" للكاتب الشاب أسامة العمري، وتشارك في معرض الرياض الدولي للكتاب. يستفز القارئ اسم المجموعة فيحاول يمنة ويسرة في جلاء معناه، فلا يجد بداً من اقتحام القصة ليروى شغفه في سبر أغوار هذا الاسم الشائك، وللوهلة الأولى يشعر أنه يقرأ سيناريو فيلم أكشن، فقد أسبل الكاتب بسرد الأحداث بوتيرة سريعة باستخدام ألفاظ قصيرة ذات جرس مميز في وصف باذخ التفاصيل، مع تسلسل نابض بالتشويق حيث تأخذك القصة إلى عالم مختلف. والسيارة هي البطل الذى يقود النص في عالم يموج بالإثارة حيث يطفو على السطح مجون السرعة والهوس بالتميز والخروج عن النواميس ويرزخ في أسفله قبلية مقيتة مدوية. ومن أجواء العمل: " الكَلّ في حالَةِ تَرَقُّب.. الأعْيُنُ تَجْفُلُ ما بَيْنَ دَهْشةٍ وإعْجاب، وخَوْفٍ ورَهْبَة..! الجَميعُ يَحْبِسُ أنْفاسَهُ وإنْ عانَقَ الترقُّبَ داخِلَهم نَشْوَةٌ مَسْعورةٌ في الاسْتِمْتاعِ بما يحْدُث.. العُقولُ شارِدَة، والأبْصارُ شاخِصَة. الأحْداثُ تتوالَى دُونَ تَوَقُّف.. والترْكيزُ هوَ البَطلُ الأوْحدُ لا يُنافِسَهُ سوى بعض من شَهَقاتِ إعْجاب! الغُبارُ يُغْدِقُ ذرّاتِهِ على الحُضورِ كزوْبَعَةٍ تُساقِطُ عليْهم كِسَفا.. تُضْفي جوّا أُسْطورِيا.. كأنّ الغُبارَ مِرْسالُ حوافرِ خيلٍ تتسابَقُ لتُعْلِنَ من المُنْتَصِر..!" تقمص الكاتب أسامة العمري دور الطبيب، حيث وصّف القبلية بحيادية بعيدًا عن المباشرة الفجة والمعالجة السطحية وعبر عنها باحترافية بالغة في نموذج يتكرر إنتاجه في المجتمع الخليجي، حيث يتصدر سؤال: " وش تعود؟ " المجلس عندما يقصده شخص جديد، فالبعض يرى التمسك بالقبلية يدعم وجوده وتنفذه على الساحة المجتمعية والسياسية، بينما يراه الآخر تأصيلا لتاريخ الشخص ونسبه وعرقه للتأكيد على القيم الأصيلة التى تربى عليها. رسم أسامة العمري النموذج الأول بعنصريته القبيحة الصارخة التى تمارس بأشكال عدة كفصل زوج عن زوجته بدعوى عدم تكافؤ النسب.. أو اقتصار وظيفة مميزة على أبناء قبيلة المدير وعائلته بالرغم من عدم أهليتهم للوظيفة مقارنة بغيرهم، فكان البطل صاحب الاسم الغريب" خوفناك كهوست "هو العقدة وهو الحل. اخْتارَ (خوفناك) أنْ يتَلَثّمَ بلِثامٍ أحمرَ مُظْهِرًا منْ وجْهِهِ العَيْنَيْنِ فقط، فلا تَعْرِفُ إنْ قَصدَ بذلِكَ غُموضا يُضْفيهِ إلى شَخْصِه، أمْ هُروبا منْ عدُوٍّ غيرَ مَعْروف! حتّى أصبحَ لثامُهُ رَمْزًا للتمرّدِ على القوانين..! قصة "خوفناك كهوست" هي ناقوس خطر يدقه الكاتب ليصدع بدوى هادئ لافتاً الانتباه الى قضية بالغة الاهمية تلعب فيها اسم القبيلة دور محوري لتحديد الانتماء الطائفي والقبلى والعرقي ، حيث تستدعي ردود متباينة حسب التصنيف الذى يحمله صاحبها . فالعنصرية والوحدة الوطنية لا تلتقيان، وكما قال الصحفي احمد عدنان أن احترام التنوع والحرص على القواسم المشتركة وصيانة مبدأ تكافؤ الفرص وتكريس قيمة المواطنة، الوحدة الوطنية تعني أن الوطن ليس لفئة دون أخرى، وتعني أن الوطن ليس فيه طبقة أعلى بناء على مذهب أو إقليم أو قبيلة أو تيار في مقابل طبقات أدنى. فعرض الكاتب أسامة العمري للتعصب بمفهوم المبدع الذى يعرض دون أن يوصى أو يوجه ، يستعرض معك لوحة فنية مبدعه تبغضك في العنصرية لتؤكد ايمانك بمحاربة هذه العادة السلبية في مجتمع انساني وحضاري، فالقبلية انتماء وهوية فرعية محدودة ضمن مجموعة من الهويات الثقافية الفرعية في المجتمع وهذه هي حال كل المجتمعات الانسانية حيث ان كل مجتمع يحوي رصيداً كبيراً من الثقافات الفرعية مشيراً الى انه كلما تعددت الثقافات الفرعية في المجتمع كان ذلك اظهر للتمايز والقوة والقدرة على التعبير. وقد نجج في ربط ذلك بقضية اخرى لا تقل اهمية وهي قضية التفحيط وإثرها في تفكك المجتمع حيث جعل العنصرية أحد اسباب تحول تلك الظاهرة الى نمط سلوكي يلجأ اليه البعض للتعبير عن انفسهم . "خوفناك كهوست" جرعة مكثفة من الرموز والقضايا التى صهرها الكاتب في حرفية بارعة وأخرجها في اطار تشويقى مميز و أسامة العمري اسم يبشر بكاتب له رؤية وفكر يكتب من أجل رسالة يؤمن بها ، فيتحالف مع الفكرة والطرح والأسلوب متزودا بلغة بسيطة تجمع بين الفصحى البسيطة والعامية السلسلة ليصل الى قلب القارئ دون نصب أو تعب.