الخشت: فتح باب تقدم أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة للحصول على مكافآت النشر العلمي    الرئيس السيسي يصدر قرارين جمهوريين جديدين اليوم    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الخميس 23-5-2024 بالصاغة    وزيرة التخطيط تبحث مع الدكتور محمود محى الدين تطورات المبادرة الخضراء الذكية    الإيكتوا تعتزم إطلاق الاستراتيجية العربية للأمن السيبرانى خلال caisec"24    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    وزير الإنتاج الحربي يجري جولة تفقدية لشركة "بنها للصناعات الإلكترونية"    منظومة مياه مصرف بحر البقر تفوز بجائزة عبداللطيف الحمد التنموية كأفضل مشروع تنموي لعام 2023    قرار جديد من السعودية بشأن "العمرة" قبل بدء موسم الحج    «القاهرة الإخبارية»: قوات الاحتلال الإسرائيلي تنسحب من مدينة جنين ومخيمها    علي باقري.. من هو خليفة حسين أمير عبد اللهيان في منصب وزير خارجية إيران؟    مصرع وإصابة 4 أشخاص فى انفجار بمبنى سكنى شمال شرقى الصين    موعد مباراة الزمالك ومودرن فيوتشر في الدوري    جهاد جريشة يعلق على خطأ محمود البنا في لقاء الحدود والترسانة    تداول ورقة مزعومة لامتحان الدراسات الاجتماعية لطلاب الشهادة الإعدادية بالقليوبية    جريمة هزت مصر.. كواليس إعدام "س.فاح الإسماعيلية"    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم بالفيوم    النشرة المرورية.. كثافات متوسطة للسيارات على طرق القاهرة والجيزة    فيلم السرب يتصدر إيرادات شباك التذاكر للأسبوع الثالث على التوالي    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    فيلم بنقدر ظروفك ل أحمد الفيشاوي يحقق 70 ألف جنيه خلال 24 ساعة    "محاط بالحمقى".. رسالة غامضة من محمد صلاح تثير الجدل    طلاب الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ يؤدون آخر أيام الامتحانات اليوم    تحركات غاضبة للاحتلال الإسرائيلي بعد اعتراف 3 دول أوروبية بفلسطين.. ماذا يحدث؟    ماذا يعني اعتراف ثلاث دول أوروبية جديدة بفلسطين كدولة؟    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    وأذن في الناس بالحج، رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادا للركن الأعظم (صور)    قلبه دليله، تفاصيل اللقاء الأخير بين أب وابنته قبل غرقها بحادث معدية أبو غالب (فيديو)    والد إحدى ضحايا «معدية أبو غالب»: «روان كانت أحن قلب وعمرها ما قالت لي لأ» (فيديو)    الأرصاد: طقس اليوم شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء.. والعظمي بالقاهرة 39    أسعار الفراخ والبيض في الشرقية اليوم الخميس 23 مايو 2024    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    رئيس الزمالك: جوميز مدرب عنيد لا يسمع لأحد    أمين الفتوى: هذا ما يجب فعله يوم عيد الأضحى    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    سي إن إن: تغيير مصر شروط وقف إطلاق النار في غزة فاجأ المفاوضين    وزير الرياضة: نتمنى بطولة السوبر الأفريقي بين قطبي الكرة المصرية    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    بالأرقام.. ننشر أسماء الفائزين بعضوية اتحاد الغرف السياحية | صور    محمد الغباري: مصر فرضت إرادتها على إسرائيل في حرب أكتوبر    مراسم تتويج أتالانتا بلقب الدوري الأوروبي لأول مرة فى تاريخه.. فيديو    بقانون يخصخص مستشفيات ويتجاهل الكادر .. مراقبون: الانقلاب يتجه لتصفية القطاع الصحي الحكومي    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    22 فنانًا من 11 دولة يلتقون على ضفاف النيل بالأقصر.. فيديو وصور    حظك اليوم وتوقعات برجك 23 مايو 2024.. تحذيرات ل «الثور والجدي»    محلل سياسي فلسطيني: إسرائيل لن تفلح في إضعاف الدور المصري بحملاتها    احذر التعرض للحرارة الشديدة ليلا.. تهدد صحة قلبك    «الصحة» تكشف عن 7 خطوات تساعدك في الوقاية من الإمساك.. اتبعها    أستاذ طب نفسي: لو عندك اضطراب في النوم لا تشرب حاجة بني    هيئة الدواء: نراعي البعد الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين عند رفع أسعار الأدوية    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    حظك اليوم| برج الميزان الخميس 23 مايو.. «تقدم وتطور مهني»    إبراهيم عيسى يعلق على صورة زوجة محمد صلاح: "عامل نفق في عقل التيار الإسلامي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود صلاح يكتب: صاحب الجلالة في الزنزانة (7)
نشر في البوابة يوم 15 - 01 - 2015


عبدالوهاب.. زارني مرتين في السجن !
كان التابعي يشكو من الوحدة في زنزانته.. لكن الحقيقة أن الدنيا كلها كانت معه في الزنزانة، فقد كان لديه الوقت الطويل.. بعيدا عن القراءة والكتابة لكي يسرح بأفكاره.. وكانت أفكاره لا تبعد كثيرا عن رحلة حياته المثيرة.
وعندما صدرت مجلة روز اليوسف عام 1925 كان التابعي يكتب النقد المسرحي فيها.. لكن روز اليوسف ظلت تلح عليه لكي يكتب في السياسة.. بعد أن اتجهت سياسة المجلة إلى نقد مظاهر الفساد في البلاد. وبحلول عام 1927 اصبح التابعي هو رئيس التحرير الفعلي لمجلة روز اليوسف.. وبدأ في كتابة سلسلة من المقالات السياسية عن الملوك والملكات الذين تحت ستار الظلام.. وفي هذه المقالات التي كان لها صدى كبير بدأ يتحدث عن الطغيان والديكتاتورية. وفي عام 1930 صدر قرار بتعطيل مجلة روز اليوسف. لكن التابعي ظل على عناده وبدأ سلسلة من الإصدارات زادت عن 50 مجلة، فأصدر مجلة الربيع التي صودرت بعد العدد الأول، فأصدر مجلة صدى الشوق التي أصدر إسماعيل صدقي باشا قرارا بتعطيلها بعد أول عدد. وعاد التابعي ليصدر مجلة الصرخة وواصل إسماعيل صدقي باشا الضغوط عليه من ناحية والوعود من ناحية أخرى.. لكن التابعي كان أميرا للصحافة بحق.. فرفض البكوية والباشوية واستمر يكتب.. ولم يجد إسماعيل صدقي باشا امامه سوى إلقاء التابعي في السجن بتهمة السب والقذف في حق وزير الحقانية، وحكم عليه بالسجن اربعة شهور وبغرامة خمسين جنيها ! لكن مجلة روز اليوسف عادت للظهور من جديد في 1931.. وعاد التابعي ليكتب فيها.. وهكذا عاد إلى السجن مرة أخرى بعد أقل من عامين. على ظهر غلاف رواية لاميل لودوينج كتب التابعي من الزنزانة لروز اليوسف رسالة يقول فيها:
"عزيزتي..أرى أن تكتبوا لي خطابات عن السجن مثل باقي المسجونين.. حتى لا يظنوا انني متصل بكم.. واننا لهذا لسنا محتاجين إلى المراسلة.. ولكن لاحظوا أن إدارة السجن تقرأ الخطابات قبل تسليمها لي، أنا الآن استحم مرتين في الأسبوع، فأرجو أن يكون لنا دائما بيجامتان وغياران نظيفان.. وأرسلوا لي مناديل بدلا من الوسخة التي اخذتموها.. وكذلك حزام صوف خفيف.. بدلا من الحزام السميك الذي معي.وانا محتاج إلى رواية واحدة فقط هذا الأسبوع.. وهي تكفيني إلى جانب الموجود.. والرواية انجليزية اسمها "المغامرات الأربع" وثمنها 40 قرشا.
قبلاتي لك.. ولا تزعلي فكلها أيام وتمر..
واجتهدي أن تحافظي دائما على صحتك وعلى أعصابك.. وحازري من البرد.. لأن حر هذه الأيام وعرقها من أسباب البرد والمرض..
اقبلك وميمي ومصمص..
وسلامي للعائلة !
وفي اليوم التالي يكتب لها:
لماذا أرسلتم كالسون طويل وفانلة بكم؟
الدنيا حر !
أرسلوا فانلات بنصف كم !
أليس في وسعكم من وقت إلى آخر.. أن ترسلوا قطعة حلاوة طحينية.. أو قطعة من الجبن السويسري التي في العلب.. أو شوية بتي فور.. أو حمامة محمرة.. أو كتف فرخة أو شوية بسقاية ليمون ؟ اظن أنه ليست هناك صعوبة تذكر في ايصال أي حاجة من هذه.. إذا كان هناك شيء من العزم.. من جهة الواسطة.. اما انا.. فمازلت رجيم العدس !
والعياذ بالله
تحياتي لكم جميعا..
وهل نجحت ميمي (ابنة روز اليوسف) في الامتحان؟ أم شاركت مصمص في النتيجة؟ وبالنسبة للمجلة..
خذوا حذركم.. وإنني أوصيكم بمراجعة الصور جيدا.. وتدقيق النظر في كل جزء منها.. خوفا من أن يقع لنا ما وقع "للمشهور" هذا إن صح ظني. وكذلك راجعوا كل ملزمة قبل البدء في طبعها.. لئلا يكون عامل قد دس عبارة أو لفظا في مقال ما.. من يدري ؟ ربما كانت هذه طريقة جهنمية من اصحاب الأمر.. للخلاص من الصحف الأسبوعية.
وليس في الاخبار التي جاءتني ما يوحي إلى بفكرة صورة من كاريكاتير غلاف المجلة –اللهم أن يكون ذلك في موقف شيخ الأزهر.. حيال حكاية التبشير الأخيرة.
ولكن رأسي مظلمة اليوم..
وقرفان ومتضايق.. فلا مؤاخذة إذن.
مساء يوم الأحد..
كتب التابعي رسالة أخرى لروز اليوسف يقول فيها:
عزيزتي..
عندي اليوم.. بل إن صح عندي من الامس.. صداع. ولا اعرف فيم اكتب لكم.. ولكن يسرني دائما أن تكتبوا لي خطابات طويلة.. بكل صغيرة وكبيرة.. حتى بتفاصيل سهراتكم.. ارسلوا لي الصفحة المنشور فيها مقال فكري أباظة..
وهل عادت "الصريح" إلى الظهور بعد انتهاء فترة ال15 يوما تعطيل ؟ ارجو أن تجيبوني لأني كثيرا ما اسألكم عن اشياء.. ولا يصلني جواب عنها. بعد حبس رخا اخشى أن يحاول اصحاب "الصريح" حمل "صاروخان" على الرسم لهم، نبهوا على صاروخان منذ الآن.. بألا يشتغل مع اية مجلة سوانا و"الشبيبة" فقط.
.. ماذا فعل وزير الداخلية في أمر السماح لي بالسرير ؟ هل تستطيعون أن ترسلوا لي حجر نشادر مثل الموضوع امامي على المكتب.. لكي ادعك به جبيني إذا اصابني صداع ؟
قبلاتي واشواقي اليك..
وقبلي مصمص بالنيابة عني..
وعلى ظهر نفس الرسالة كتب التابعي يقول لها:
أنهىت امس نحو نصف السيناريو تقريبا.. ولكن اليوم لم اكتب ولم اقرأ شيئا بسبب الصداع والحر والقريفة..
عرفت اليوم من مصدر غيركم.. أن الافوكاتو العمومي أمر مساء امس بالقبض على عبد الحليم محمود.. وهذا خبر لم ترسلوه إلى.. وانا متأكد أن هناك اخبار كثيرة تنسون إرسالها لي.
ثم عاد في اليوم التالي ليكتب قائلا لها:
عزيزتي.. لم ينسى مجمد التابعي ابدا..
نسيت أن اسألك امس عن اجرة البيت.. هل دفعتها ام لا ؟
وبهذه المناسبة لا تدفعي لهم حساب الغاز والكهرباء، لأن المبلغ الذي يتقاضونه كفاية وهو 28جنيه، منها ثلاثة جنيهات للخادم والبواب. ونسيت أن اقول لك انني سأدفع لك عمولة عشرة في المائة.. عن المبلغ الذي توفرينه لي.. فإذا كان مثلا مائتي جنيه.. اعطيتك منها عشرين جنيها.. وان كان المبلغ ثلاثمائة اعطيتك ثلاثين جنيها.. فما رأيك ؟
يا الله شدي حيلك بقى..
وارجوكم..
إذا قطعتم الامل في وزير الحقانية.. يجب أن تنشروا في كل الصحف اليومية خبرا.. تقولون فيه أنه بالرغم من المساعي العديدة التي بذلت عند وزير الحقانية.. فقد رفض معاليه أن يسمح لفلان – التابعي – بامتيازات الحبس البسيط.. وهي كذا كيت.
انشروا هذا الخبر ضروري..
لأن الصحف كلها كانت قد نشرت تقول أنه من المنتظر أن يسمح وزير الحقانية للتابعي بسرير والاكل من البيت. والآن يجب أن يعلم الجمهور الحقيقة.. وكفاية نشر الخبر بدون تعليق.. واصلي السعي عند وزير الداخلية.. لكي يسمح لي.. بما هو من حقه وهو السرير.. لأن السماح رسميا بالسرير.. يجر معه السماح بكرسي وتشت وابريق وقلة ماء.. وهذا مهم!
لم ينس محمد التابعي ابدا.. الاصدقاء الذين زاروه في السجن.. وكان أولهم محمد صبري أبو علم.. الذي ترافع عنه في المحكمة..
وزارة الموسيقار محمد عبد الوهاب..
ثم زاره مرة ثانية..
كما زارته روز اليوسف في السجن أكثر من مرة. وغير هؤلاء كثيرون زاروه من الاصدقاء.
ورغم أنه كان مسموحا فقط للتابعي بأن يقرأ الروايات والقصص الادبية.. وكان محظورا عليه قراءة أو كتابة أي شيء في السياسة. ورغم ذلك.. فقد كان التابعي يقرأ الصحف كل يوم في السجن.. وكان ذلك عن طريق موظف كبير في السجن. وغالبا كان مأمور السجن نفسه.. فقد كان الرجل يستدعيه صباح كل يوم إلى مكتبه.. ويعد له بنفسه فنجان القهوة. وبعد أن يغلق مأمور السجن باب مكتبه.. يناوله بسرعة جرائد الصباح.. فيتصفحها التابعي بسرعة.. وبعد ذلك يعود إلى زنزانته..
وذات يوم..
تمكنت روز اليوسف من أن ترسل له في السجن برطمان مليء بالكافيرا الأسود الشهير.. واحتار التابعي كيف يفتح البرطمان. وأخيرا ذهب إلى عيادة الطبيب.. واستخدم إحدى ادوات العمليات الجراحية الحادة في نزع غطاء برطمان الكافيار.. ثم ذهب إلى الحمام.. وداخل الحمام اكل امير الصحافة الكافيار "حاف" لأنه لم يكن لديه خبزا.. وكان التابعي قد اتفق مع روز اليوسف على استخدام اسم شفرة للسجائر وهو "روايات كامل".. وفي كل سجون العالم كانت وما تزال السجائر هي العملة السحرية النادرة داخل السجن. ولهذا فإنه لم تكن تخلو رسالة من رسائل التابعي من طلبه إرسال "روايات كامل".
كتب صباح السبت يقول لها:
عزيزتي..
انا أعلم أن نفقاتي هنا كثيرة.. ولكن ماذا تريدين؟ أن أسباب الراحة ولو نسبيا –تكلف كثيرا.. والشيء الذي يشترى بقرش.. يكلف هنا خمسة قروش.. ولا أحد يخدم مجانا.. فمثلا انا استعمل كل يوم "رواية كامل".. لكني لا اخذ منها سوى النصف والنصف الآخر اوزعه على "الزملاء".. الذين يخدمونني وخدماتهم عديدة ومتنوعة. ومن هذا ترين أن رواية كامل التي تكلف 33 عن طريق "ف" كما اخبرني.. لا انال منها سوى النصف. ولا اعرف بالضبط طريقة معاملتك للواسطة الثانية.. اظن أن في الامكان الاتفاق معه شهريا على جنيهين أو جنيهين ونصف.. في مقابل أن يصدر لي منه 3 "روايات كامل".. الروايات تشترونها انتم وتعطونها له. ولقد طلبت من "ف" أن يصلن عن طريقة ثلاث أخرى.. فيكون المجموع 6 كل أسبوع وهي تكفي.. وفي هذه الحالة لا احتاج إلى طلب فلوس للشراء من هنا.. وتكون جملة تكاليف "كامل" ستة جنيهات شهريا.. منها اثنين للواسطة و4 بواسطة "ف".. لأنه اخبرني أنه يتقاضى ثلث جنيه عن كل رواية.. فيكون جنيه كل أسبوع عن ثلاث روايات.
الحبس الانفرادي صعب..
انهم يعتبرونه هنا عقوبة إضافية.. يوقعونها على المسجون الذي يأتي ذنبا.. ولقد مضى على شهر تقريبا في هذا الحبس الانفرادي.. والزنزانة تغلق على نهائيا من الساعة الخامسة بعد الظهر.. ولا تفتح إلا في السابعة من صباح اليوم التالي.
بالمناسبة..
اخبرني الواسطة الثانية أن لي معه حلاوة.. ولكن حتى الآن لم يستطع توصيلها لي..
زمانها خسرت !
صباح يوم الجمعه..
على ورقة اصفر لونها كتب التابعي بالقلم الرصاص يقول لروز اليوسف:
عزيزتي..
بلغني انك غضبت من رسالة أمس.. وكنت اظن أن صراحتي لا تغضبك.. وهناك مثل فرنسي يقول "الحساب الطيب يخلق صداقة طيبة".. وهذا ما قصدت اليه من رسالتي الصريحة.
ومع ذلك.. فلا تنسي انك تعاملين مسجونا لا يتمتع الآن بسعة الصدر،ولكن مقدر كل ما صنعته من أجلي.. شاكر لك مجهودك.. واظن انني أكدت هذا مرارا.. وسوف ابرهن عليه في المستقبل. اشكرك على كل ما صنعته من أجلي.. واريد منك أن تهتمي بصحتك وبالمجلة.. وان لا تكون حكايتي سببا في اهمالك لنفسك أو لمورد رزقنا.. انا الآن في حالة طيبة.. واذا كنت قد لاحظتم على شيئا من الملل والبؤس.. فأمر طبيعي عقب صدمة الحبس الانفرادي.. لأنني كما تعلمون في زنزانة مقفلة وحدي طوال الليل والنهار.. ما عدا ساعة أو ساعتين. ولكني اتحكم الآن في اعصابي.. وقد اخذت على كده خلاص.. واصبحت انظر إلى الشهور الباقية بدون اكتراث.. خصوصا وانه عندي سلوى المطالعة !
لا تزوريني.. في السجن !
يكتب التابعي رسالة جديدة لروز اليوسف.. لن الساعات تمضي دون أن يمر عليه "الواسطة" الذي يعمل في السجن.. والذي كان يقوم بتهريب رسائلة إلى الخارج.
ويخشى التابعي أن يحدث تفتيش مفاجئ عليه في الزنزانة.. ويعثرون على الرسالة.
فيسارع بتمزيقها حزينا.. قبل أن يأوى للنوم.. لكنه ما أن يستيقظ في الصباح حتى يشرع في كتابة الرسالة مرة أخرى. ويقول لروز اليوسف فيها:
عزيزتي..
الجميع هنا في غاية الذوق والادب معي.
والموظفون الصغار يعاملونني بمنتهى الاحترام، فإطمئنوا من هذه الناحية.. حتى انني من كثرة الاحترامات اكاد انسى انني مجرم محبوس..
تحياتي وشكري لكم جميعا..
ولك انت بالذات.. ولا اريد أن اذكر اسماء في هذا الخطاب.. وكذلك انتم لا تذكروا اسمي في اية رسالة لي خوفا من وقوع الورقة في يد أحد ما.
كيف حال مصمص في الامتحان ؟
ولا ينسى التابعي أن يسجل في نفس الرسالة بعض الأفكار لرسومات غلاف مجلة روز اليوسف.
فيقول لها:
بمناسبة ما جاء في التلغراف عن تقدم صحة صدقي باشا.. المصري افندي يقول للممرضة: يا ستي ربنا يشفيه.. بس انا مش فاهم ليه كل ما صحته وإلا صحة وزارته تتحسن.. صحتي انا تتأخر وتبقى زي الزفت. ثم يكتب فكرة غلاف آخر ويقترح رسم صورة محمد محمود وهيكل مثلا أو الباسل. محمد محمود منفوخ الكبرياء: يبقى صدقي باشا احسن مني في ايه.. غير الدستور.. وأنا سبت عطلت الدستور. واحد هجم عليه بمسدس.. وانا واحد حط لي قنبلة.. يبقى احسن مني ليه ؟
الباسل: معلوم.. ما فيش حد احسن من حد..
ثم يقترح التابعي في نفس الرسالة غلافا ثالثا يصدر حمد الباسل باشا وسليم زكي حكمدار العاصمة..
ويقول سليم زكي: كل الدلائل تدل على أن القنبلة دي كان مقصود بها محمد باشا محمود. فيرد محمد الباسل قائلا: ياسليم بك خليك لطيف.. دنا ومحمد محمود اصحاب وحلفاء وشركاء دلوقتي بحق النص بالنص.. ما تكونش القنبلة محطوطة عشانه وعشاني كمان ؟ انا مش طماع.. انا باطالب بس بحقوقي ! لكن التابعي لا ينسى أن يقول في نهاية رسالته لروز اليوسف:
وعنده الأفكار كلها تحتاج إلى رتوش..
صباح يوم الخميس..
يكتب التابعي رسالة جديدة لروز اليوسف يقول فيها:
عزيزتي..
اليوم تكمل اربعون يوما.. فقط !
أي الثلث وباقي الثلثان..
ومرارتي تكاد تنتظر في عد الساعات والايام والاسابيع.. ويخيل إلى انني لن اخرج في هذا السجن ! لقد كنت مرتاحا نسبيا في المستشفى.. بالرغم من كل القب الذي كان يحيط بي.. والاصوات التي لا تنقطع بالليل ولا بالنهار.. وصرخات الوجع والالم من "الزملاء المرضى" وكنت ارى الدنيا أو جزء منها في مأخذتي.. ولأن النافذة كانت بحرية كان الحر اخف في الزنزانة.. باقي في السيناريو منظر أو منظران..ولكن ليس لي ميل للكتابة ولا القراءة. واحس أن حرارتي قد خمدت ولا يبقى في صحة.. ولا عجب بعد أن قضيت 40 يوما مستلقيا على ظهري.. بل اجد صعوبة الآن في الجلوس والمشي.. شأن المريض أو القائم من فراش المرض الطويل.. واذا كان هذا هو الحال الآن.. فكيف يكون بعد انتهاء مدة الحبس ؟!
ألا يستطيع "ف" أن يرسل لي قطعتين من الجبن منذ أسبوع.. ولا ترسلوا كثيرا.. بل شيئا يمكن إخفاءه..
قبلي ميمي قبلة طويلة !
وتزور روز اليوسف محمد التابعي في السجن مرة أخرى..
فيكتب لها:
عزيزتي..
اظن كثرة ترددك على السجن.. أمر منتقد من جهة النظام.. وربما سبب اذى للضابط. والأونت أن تقللي من حضورك بقدر الإمكان. ارسلوا لي الهدوم والكتب.. أو أي شيء مع سائق الاوتومبيل. وبحلوا شهر سبتمبر تتغير أحوال التابعي في السجن فجأة.. ولا يلقى نفس المعاملة وتضيق عليه إدارة السجن. فيبعث برسالة قصيرة إلى روز اليوسف يقول لها فيها: معاملتي الآن سيئة جدا للغاية.. يعاملونني تماما معاملة المحكوم عليهم بالإعدام !
اثيروا ضجة في الصحف..
السبب أن الحكومة ابلغت مصلحة السجون.. انني ابعث لكم بمقالات.. وبناء على هذه التهمة السخيفة تغيرت معاملتي !
لازلت مريضا..
وقلبي يتعبني جدا..
حملة شديدة في الصحف حول هذه المعاملة.
لكن شهر سبتمبر انقضى سريعا.. وغادر محمد التابعي سجن قرة ميدان صباح يوم 22سبتمبر 1933..
وعاد لاستئناف عمله كرئيس تحرير لمجلة روز اليوسف.
والمرة الأولى بدأت الخلافات بينه وبين السيدة روز اليوسف.. وكان التابعي قد بدأ يعتقد انها تتدخل على غير العادة في شئون التحرير، وتحاول أن تحول سياسة المجلة الوفدية إلى سياسة اقل ما يقال فيها انها سياسة الحياد ! لكن الاحداث السياسية في مصر كانت ساخنة.. وكان التابعي قد بدأ حملة صحفية عنيفة ضد تدخل زكي باشا الابراشي ناظر الخاصة الملكية في أعمال الحكومة.. وكانت كل الظروف تمهد لعودة امير الصحافة إلى السجن.. مرة ثالثة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.