غاب عن دنيانا في مثل هذا اليوم أحد كبار علماء مصر، والذي يفخر به كل أبناء وطنه في كل المحافل كواحد من أعظم علماء الرياضيات والفيزياء في العالم وأحد القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة، وكان رافضا لاستخدامها في صنع أسلحة الحروب، حيث يعتبر واحدا من أبرز علماء القرن العشرين الذين شاركوا في صنع الثورة العلمية لأبحاثه الرائدة في مجال الضوء وانشطار الذرة، أنه الدكتور على مصطفى مشرفة، والذي يصادف اليوم الذكرى ال65 على رحيله. على مصطفى مشرفة أو كما يلقب بأينشتاين العرب، ولد في 11 يوليو 1898 في مدينة دمياط، وكان والده صديقا للإمام محمد عبده، وكان ميسور الحال لكنه تعرض لأزمة مالية فتراكمت أحزانه وتوفى قبل أن يدخل على امتحان الشهادة الابتدائية.. أحزان الابن ظلت باقية في صدره لكنه بعزيمة دخل الامتحان وحصل على الترتيب الأول على القطر المصرى. وواصل مشرفة نجاحه في القاهرة عندما انتقلت إليها عائلته بنفس الإصرار والعزيمة وحب العلم حتى وصل إلى البكالوريا لكن القدر أيضا أصابه بموت والدته، وتحدى كعادته الأحزان ونجح في البكالوريا عام 1914، والتحق بمدرسة المعلمين العليا، والتي اختارها حسب رغبته رغم أن تفوقه كان يؤهله للاتحاق بكلية الطب أو الهندسة، وتخرج فيها عام 1917. وتم اختياره من جانب وزارة المعارف لبعثة علمية لأول مرة إلى إنجلترا بعد تخرجه والتحق بكلية "نوتنجهام" ثم كلية الملك بلندن حيث حصل منها دكتوراه في الفلسفة عام 1923، ثم حصل على دكتوراه في العلوم من الجامعة نفسها عام 1924 ليصبح بذلك أول عربى يحصل على الدكتوراه في العلوم. وعاد مشرفه إلى مصر عام 1925 وعين أستاذا مساعدا للرياضة التطبيقية بكلية العلوم بجامعة القاهرة، ثم منح درجة (أستاذ) في عام 1926، وعقب ذلك اعتمد عميدا للكلية في عام 1936، وانتخب للعمادة أربع مرات متتاليات، كما انتخب في ديسمبر 1945 وكيلا للجامعة، وعين أستاذا زائرا لجامعة برنستون الأمريكية عام 1947، وتم منحه رتبة الباشوية عام 1947. ودارت أبحاث مشرفة حول إيجاد مقياس للفراغ، حيث كانت هندسة الفراغ المبنية على نظرية "ألبرت أينشتاين" تتعرض فقط لحركة الجسيم المتحرك في مجال الجاذبية. كما أضاف نظريات جديدة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس، والتي تعد من أهم نظرياته وسببا في شهرته وعالميته، حيث أثبت أن المادة إشعاع في أصلها، ويمكن اعتبارهما صورتين لشىء واحد يتحول إحداهما للآخر، ولقد مهدت هذه النظرية العالم ليحول المواد الذرية إلى إشعاعات. ويعتبر الدكتور مشرفة أحد القلائل الذين عرفوا سر تفتيت الذرة ومن الرافضين لاستخدامها في الحرب، بل كان أول من أضاف فكرة أن الهيدروجين يمكن أن تصنع منه القنبلة الهيدروجينية، ولم يكتف مشرفة بمعرفته العلمية فكان بجانب ذلك أديبا وفيلسوفا ومفكرا وعالما فقد كتب ما يقرب من 30 مقالا و35 بحثا علميا ومن أهم مؤلفاته العلمية "النظرية النسبية الخاصة" و"نحن والعلم" و"الذرة والقنابل الذرية" و"العلم والحياة" و"الميكانيكا العلمية والنظرية". وإلى جانب ذلك اهتم كثيرا بالموسيقى، وكان عازفا بارعا على الكمان وقدم أبحاثا عن العلم الموسيقى، والتي أحدثت أثرا كبيرا، وألف جمعية هواة الموسيقى لترجمة الأوبرات الأجنبية إلى العربية. وفى عام 1949 سافر مشرفه إلى لندن لتلقى العلاج ومنها إلى سويسرا ثم عاد في أول يناير عام 1950، واعتكف في بيته ينشد الراحة، لكن وافته المنية في 15 من نفس الشهر عن عمر يناهز 52 عاما. جدير بالذكر أن العالم الكبير ألبرت آينشتاين قد نعى مشرفه عند موته قائلا "لا أصدق أن مشرفة قد مات، أنه مازال حيا بيننا من خلال أبحاثه".