"المسرح هو حوار حيّ، ينبغي أن تُقدّم فوق خشبته كُل القضايا الواقعية".. جاءت العبارة السابقة على لسان نعمان عاشور.. الكاتب والمُفكر الذي عُرِف بأنه أبو المسرح المصري، وفارس الدراما الواقعية، والذي تركزت أعماله داخل الكباريه السياسي، والكوميديا الساخرة، وكان مؤمنًا بأن الكوميديا أفضل الطرق لعكس الواقع، خاصة إذا كان مؤلمًا. ولد نعمان عاشور في 17 يناير عام 1918 في مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وكان طفلًا نبيهًا، واكتسب عشقه للمسرح من والده الذي كان دائم التردد على مسارح شارع عماد الدين بالقاهرة، وخاصةً مسرح الريحاني، وكان يصطحبه كثيرًا، ما جعله يتأثر بأعمال الريحانى الكوميدية التي تنضخ بالنقد الاجتماعى الساخر، وهو ما ظهر في أعماله فيما بعد، وكان "نعمان" في طفولته شغوفًا بالاطلاع والقراءة، وأُتيحت له فرصة ذهبية عن طريق جده، الذي كان يمتلك مكتبة ضخمة ومتنوعة. التحق نعمان بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، وتخصص في اللغة الإنجليزية، وحصل على الليسانس فيها عام 1942، وكان طوال فترة دراسته مُتصلًا بالحركة الأدبية الصاعدة في مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي اهتمت بمشكلات المجتمع وهمومه، ما أظهره في مُقدمة المُثقفين الشباب في طليعة النهضة الأدبية بين فترتي الخمسينيات والستينيات، وأكمل كتاباته المسرحية، ليتوغل طويلًا في الدراما الواقعية على مدى ربع قرن، وكانت مُشاركته في الحركة السياسية النشطة قبيل ثورة يوليو، جعلته واحدًا من العناصر التي أثرت الحركة المسرحية بعد قيامها. جاءت تجربة عاشور المسرحية مُلازمة للتغييرات العميقة التي شهدها المجتمع والواقع في مصر بعد ثورة يوليو، فتغلغلت كتاباته في بنية المجتمع، وكانت بمثابة تأريخ للشخصية المصرية، عبر لغة حية مفعمة بالتفاصيل، ما جعله رائد الواقعية المسرحية المصرية، فكان ملئ بالفكر الثوري وحتمية تغيير المجتمع، من سيطرة رأس المال إلى الاشتراكية، وقد اعتمد مسرحه على فكرة الاشتراكية، فكان ممثل اليسار في المسرح المصري، فقدّم "المغماطيس"، و"الناس اللي تحت"، و"الناس اللي فوق"، وهي مسرحيات أثارت عند تقديمها صدى كبير، فجاءت شخصياته من قاع الطبقة الدُنيا، وكان أغلب جمهوره من الطبقة الوسطى. كذلك كان "عاشور" بارعًا في الكوميديا السوداء التي اكتسب فنونها من الريحاني، والتي تجعل المُشاهد في النهاية يرى سخرية الحقيقة، واهتم بنوعين من الموضوعات، الموضوعات السياسية، والتي أفرز منها "وابور الطحين"، "عائلة الدوغري"، "بلاد برة"، والموضوعات الاجتماعية التي تتناول الحالة الاقتصادية وصراع الطبقات، وكان احتكاكه بزملائه في المسرح، خاصة عروض بعض مسرحيات شكسبير، واطلاعه على الأدب العالمي لكُتاب كِبار أمثال هنريك إبسن، وأنطون تشيكوف، ما جعله يتميز بأسلوب فريد، وضع به يده على واقع ندركه ونلمسه، غير أننا لا نملك تفسيره، فمسرح نعمان اتسم بالمحاكاة والمعايشة الكاملة، وقد حمل نعمان ريادة الدراما الواقعية على مدى ربع قرن، فأصبحت الدراما على يديه قطعة حقيقية من الحياة يصوغ فيها أنماطًا وشخصيات ليلقي بها داخل عالمه الدرامي الواقعية. حصل عاشور على جائزة التأليف المسرحي عام 1962، كما تم انتخابه عضوًا بلجنتي القصة والمسرح بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عن مسرحيته "بلاد برة" عام 1968، وسافر إلى إيطاليا في بعثة قصيرة لدراسة فن دمج المسرح بالسينما، ومنُح جائزة الاحتفال باليوبيل الذهبي للمسرح القومي، كواحد من رواد الكتابة المسرحية. صدرت أعمال عاشور في مجلدين عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الأول سنة 1974 ويحتوي على مسرحيات"المغناطيس"، و"الناس اللي تحت"، و"الناس اللي فوق"، و"سيما أونطة"، و"جنس الحريم"، والثاني سنة 1976 ويحتوى مسرحيات"وابور الطحين"، و"عائلة الدوغري"، و"ثلاث ليال"، و"بلاد برة"، و"سرالكون"،إضافة إلى مسرحيات أخرى. وفي الخامس من أبريل عام 1987رحل نعمان عاشور عن عالمنا، إلا أن أعماله لا تزال حتى اليوم نموذجًا فريدًا في المسرح المصري.