"اهدم بيتك بنفسك وإلا فستهدمه الجرافات الإسرائيلية نيابة عنك وسيكون عليك دفع تكاليف الهدم"، هذا هو نص أمر الهدم الذي تصدره سلطات الاحتلال الإسرائيلي لأهل القدس بدعوى البناء بدون تراخيص لتقضي بذلك على أحلامهم وتدخلهم في زمرة المشردين بلا مأوى وتدمر استثمارهم النفسي والروحي والعائلي والاجتماعي والمالي، وهو ما يأتي في إطار مخطط الاحتلال بفرض القيود على الفلسطينيين في القدس بهدف إفقار المقدسيين والتضييق عليهم في مصادر رزقهم وعيشهم، وبالتالي دفعهم إلى الرحيل عن المدينة. وحينما يتسلم المقدسي أمر الهدم من بلدية الاحتلال ويستنفذ كل السبل لاستصدار قرار بعدم الهدم، هنا يبدأ مالك المنزل في البحث عن أصدقاء له لمساعدته في تنفيذ أمر الهدم بنفسه حتى لا يتعرض لتكاليف الجرافات الإسرائيلية، ويقوم بتنفيذ الأمر باستخدام آلات يدوية ومطارق بدائية للهدم، ويصبح أمامه عدة خيارات إما أن يعود إلى بيت عائلته والعيش معهم مرة أخرى، أو القيام باستئجار وحدة سكنية بأسعار باهظة جدا، أو التنقل للعيش خارج الجدار الفاصل وهنا يخسر حقه في الإقامة بالقدس أو الدخول إليها، أوالتنقل للعيش في المستوطنات وهنا يصطدم بسياسة التمييز العنصري لصالح المستوطنين، وإما البناء على قطعة أرض أخرى بدون ترخيص ويظل يترقب قرار هدم جديد. أما إذا لم يكن لديك منزل في القدس فعليك التفكير كثيرا قبل البدء في بناء سكن يحميك أنت وأسرتك بسبب الإجراءات التعسفية التي تضعها سلطة الاحتلال للبناء، ومن بينها فرض تكلفة مبدئية لطلب الرخصة للبناء في القدس تصل إلى نحو 5 آلاف دولار، في حين أن الحصول على رخصة البناء نفسها تتكلف ما بين 100 و150 ألف دولار قبل تكاليف البناء نفسها، وهى إجراءات تعجيزية كجزء من تعقيدات سياسية أشد خطورة عنوانها العريض سياسة "تهويد القدس"، وهي سياسة تهدف إلى زيادة عدد اليهود في المدينة وخفض عدد الفلسطينيين وإبقائه في حدود 30 في المائة من عدد السكان بحلول عام 2020، وذلك حسب خطط وضعتها البلدية الإسرائيلية للمدينة المقدسة. وتلجأ إسرائيل إلى هدم المنازل لعدد من الأسباب أهمها خدمة الاستيطان، حيث تهدم المنازل المتاخمة للمستوطنات وترحل سكانها لحمايتها، أو بهدف مصادرة الأراضي لصالح بناء المستوطنات عليها أو توسيع القائم منها، أو لبناء جدار الفصل العنصري، أو لبناء شبكة طرق التفافية لاستخدامها من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال، وأحيانًا يكون الهدم كعقوبة جماعية، أو من أجل استباق أي تسوية نهائية لتحديد الوضع على الأرض. وخلال عام 2014، أعلن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" أنه تم هدم 47 منزلا في القدسالشرقية، من بينهم 16 وحدة سكنية تم هدمها بأيدي مالكيها بعدما تلقوا أوامر هدم من بلدية الاحتلال بهدف تجنب دفع تكاليف الهدم والغرامات المفروضة من البلدية، ليصل إجمالي ما تم هدمه من منازل في القدسالشرقية منذ عام 2004 وحتى عام 2014 إلى 545 منزلا وعدد من فقدوا منازلهم 2115 مقدسيا ومن بينهم 114 قاصرا. ويقول خالد الحسيني نائب رئيس هيئة "مرابطي القدس"، في حديثه لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط برام الله، إن أوامر الهدم التي تصدرها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في القدس في تزايد مستمر، ووصلت إلى مستويات قياسية لم تبلغها منذ سنوات، مشيرا إلى أن ذلك يأتي في إطار قمع ومعاقبة وتأديب أهل القدس على استمرارهم في مواجهة محاولات التهويد في المدينة المقدسة. وأضاف أن ما يساعد سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الاستمرار في إصدار أوامر الهدم وبقية الممارسات التي من شأنها إذلال المقدسيين، هو شعور الاحتلال أن أهل القدس يواجهونه وحدهم دون تضامن أو مساعدة من أحد، وهو ما شجع إسرائيل للاستمرار في هذه الممارسات دون محاسبة أو معاقبة. ويرى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بإصدار أوامر الهدم بصورة واسعة ومكثفة، حتى الحالات التي لم تكن تستدعي الهدم أو كانت في إطار المعالجة القانونية لم تفلت من أوامر الهدم التي يتم إصدارها بسرعة رهيبة دون إعطاء مالك العقار أي فرصة للمتابعة أوالمعالجة القانونية. ومن جانبه، يرى الدكتور حنا عيسى أستاذ القانون الدولي أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس أن توزيع طواقم بلدية وقوات الاحتلال أوامر هدم إدارية على عدد من المنازل بحجة البناء دون ترخيص هو إصرار إسرائيلي على الاعتداء على كل أجزاء الحياة الفلسطينية في مدينة القدسالمحتلة، ويعد استهتارا بالقيم الإنسانية ومخالفًا لقواعد القانون الدولي الإنساني الذي يمنع سلطات الاحتلال بهدم الممتلكات العامة والخاصة بحسب (نص المادة 53) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949. وأضاف أنه لا يمكن تفسير أعمال تدمير وهدم منازل المقدسيين على هذا النطاق الواسع سوى في إطار العقوبات الجماعية والأعمال الانتقامية ضد المدنيين التي تحظرها اتفاقية جنيف الرابعة في المادة 33، التي تنص على أنه لا يجوز معاقبة أي شخص محمي من مخالفة لم يقترفها هو شخصيا، وتحظر العقوبات الجماعية، وتحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم، مع العلم بأن حكومات الاحتلال المتعاقبة انتهجت في القدسالشرقية سياسة تحد من البناء لتحقيق هدفين رئيسيين هما تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة وتوفير مساحات من الأراضي لصالح البناء الاستيطاني اليهودي، وأن معظم عمليات هدم البيوت تتم دون إنذار مسبق إذ تقوم بلدية القدس الإسرائيلية بهدم المنازل بشكل فجائي. وأشار إلى أن سياسة هدم المنازل الفلسطينية بذريعة عدم الترخيص وتفريغ مدينة القدس من سكانها الفلسطينيين الأصليين وتشجيع المستوطنين اليهود على البناء والإقامة هي سياسة عقابية تخالف أحكام اتفاقيات منع التمييز العنصري والاتفاقيات ذات العلاقة لحماية حقوق السكان الأصليين. وكانت منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" قد أعلنت أن القدسالشرقية التي تشمل مساحة 70 كيلومترا مربعا من مساحة الضفة الغربية، ما زالت أرضا محتلة بموجب القانون الدولي، وعليه فإن المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 في شأن الأراضي المحتلة، تحظر على السلطات المحتلة تدمير الملكيات الخاصة ما لم يكن هدمها ضروريا ولا مفر منه. وترى "هيومن رايتس ووتش" أن قيام الحكومة الإسرائيلية بهدم المنازل في القدسالشرقية يحرم الفلسطينيين من الحق في الحياة في منازلهم، في الأحياء التي يعيشون فيها منذ أجيال، استنادا إلى قوانين غير منصفة لإجبار المقدسيين على الرحيل. وبالرغم من كل هذه الممارسات العنصرية من الاحتلال الإسرائيلي لا يترك المقدسيون أرضهم ويرابطون بها في مواجهة قوة الاحتلال الغاشمة، ويواجهون سياسة التهويد التي يتبعها بداية من حفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى إلى هدم المنازل ومصادرة الأراضي والإبعاد وبناء المزيد من المستوطنات.