إن فهم الدين الإسلامي ضرورة مهمة لمن يتصدي للفتوى أو الاشتغال في السياسة ... فالذين يعملون في أمور الدعوة والفتوى لهم شروط حفظ القرآن والحديث وعلوم أصول الفقه والحديث واللغة والشعر الجاهلي وكذا علم التاريخ ومحصلة ثقافية كبيرة ورجاحة عقل حتى يتصدي لهذا الأمر وكذا المشتغلون في السياسة يجب عليهم فهم مقاصد الشريعة ولا يشترط فيهم ما يشترط فيمن يتصدون للفتية لكن يجب أن يفهموا غايات هذا الدين ومقاصده وأن يستعينوا بأهل الذكر عند قطع أي أمر يتعلق بأمور الدين وكذلك عليه أن يستعين بالمتخصصين في أمور السياسة والحكم وغيرها ... بدأت بهذه المقدمة لأن من تولي أمر الحكم في الدولة الإسلامية خاصة في الصدر الأول من الإسلام كان رجل الدين هو نفسه رجل السياسة والحكم .. فالرسول صلي الله عليه وسلم كان هو الزعيم الديني والزعيم السياسي في الوقت ذاته وكذلك الخلفاء الراشدين .... لكن التخصص العلمي الدقيق في عصرنا أدي إلي اختلاف المعايير فأصبح هناك من يتخصص في العلوم الدينية وآخرون في السياسة وغيرهم في الاقتصاد والعلوم العسكرية وكذا جميع الفنون والعلوم .. لكن ما أريد أن أأكد عليه أن من حق رجل الدين أن يتولي الحكم والسياسة كما أن من حق العسكري والاقتصادي والمهندس والمعلم والطبيب ورجل القانون أن يتولي ذات المنصب .. وهناك دولا ديموقراطية حكمها ممثلون وفنانون مثل رونالد ريجان الذي قاد الولاياتالمتحدةالأمريكية لفترتين متتاليتين . أما ديموقراطية الإسلام فهي تغاير ديموقراطية الأمريكان لأن الأولي ( ديموقراطية الإسلام ) تقوم علي أسس هي : * أن لها مرجعية دينية ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلي الله ) ... فما يختلف فيه المسلمون يرجعون فيه إلي كتاب الله ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) .. وإلي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليهما بالنواجذ) ويقول تعالي ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) ... * أنها تقوم علي الشورى لقوله تعالي : ( وشاورهم في الأمر ) ... وكان هذا المبدأ أساسي في ما يقطعه المسلمون في أمور الحكم والسياسة والحرب وغيرها من أمور المسلمين وقد تجلي ذلك في مواقف عديدة نذكر منها : استشارة الرسول صحابته في غزوة بدر .. فوقف المقداد بن عمرو رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! صل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وأعط من شئت، وامنع من شئت، وحارب من شئت، وسالم من شئت، والله! لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:24] لكن نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون؛ فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له. فالتفت إلى الأنصار، ولا يتكلم في الأنصار إلا سعد بن معاذ الشاب، صاحب الثلاثين سنة قال: يا رسول الله كأنك تريدنا ؟ قال: نعم قال : يا رسول الله لقد صدقناك وآمنا بك، وعلمنا أن ما جئت به حق، يا رسول الله! اذهب إلى ما أمرك الله به، والذي نفسي بيده لو استعرضت بنا البحر وخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، يا رسول الله! إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، وعسى الله أن يريك منا ما تقر به عينك. فسر النبى صلى الله عليه وسلم ودعا له وحين نزل جنود المسلمين في مكان اضطر الرسول صلي الله عليه أن يغيره نزولا لرأي الصحابي ( الحباب بن المنذر ) الذي قال للرسول : يا رسول الله هل هذا المنزل ( أي المكان ) منزل أنزلكه الله أم هي الحرب والرأي والمكيدة .. فقال له الرسول صلي الله عليه وسلم : بل هي الحرب والرأي والمكيدة ... فقال الحباب : إذن ننزل عند أبيار بدر فنغورها جميعا تم نبقي منها بئرا فيشرب منه المسلمون ولا يشرب جيش المشركين واستجاب الرسول لرأي الحباب .... وكذلك في غزوة أحد حين استشار الصحابة بقوله أشيروا علي أيها الناس .. في أمر الخروج لقتال المشركين الذين أعدوا العدة للانتقام من المسلمين والقضاء عليهم أم البقاء في المدينة حتى إذا دخلوا علينا قاتلناهم .. كذلك فعل الصحابة عند اختيار أبي بكر للخلافة .. وعمر عند اختيار خليفة من بعده بعد أن طعنه أبو لؤلؤة المجوسي وشكل مجلس شوري من الستة الباقين من المبشرين بالجنة والذين انتهوا باختيار عثمان . * وفي أمور الدنيا وضع الرسول قاعدة هي قوله صلي الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم . * إن ديموقراطية الإسلام لا تعتدي علي حقوق الآخرين ولا تقاتل الآخرين لقوله تعالي ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) .... وقوله ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ) * أنها تقوم علي أساس القاعدة الشرعية التي أرساها الرسول صلي الله عليه وسلم وهي قوله عليه السلام ( لا ضرر ولا ضرار ) بمعني أنت حر ما لم تضر .. فحريتك تنتهي عند حرية الآخرين . * أن ديموقراطية الإسلام تسوي بين الناس جميعا لقوله تعالي ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) ... وقول الرسول صلي الله عليه وسلم ( أطيعوا ولو ولي عليكم عبد حبشي .. لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوى ) * أنها تقوم علي مبادئ الفطرة السليمة فهي لا تتعارض مع ما فطرة الله التي فطر الناس عليها ... لكنها شرعت لهم المنافذ الشرعية التي تشبع رغباتهم عن طريق الحلال .. فهي لا تقر الزنا واللواط ولا الرشوة ولا المحسوبية ولا الغش ولا الخيانة ولا الكذب ولا العري وفي ذلك كله نصوص وتشريعات واضحة جلية علي من يرغب الاستزادة مراجعتها كي لا أطيل عليكم في أبواب الفقه بنفس هذه المسميات . * أنها تقوم علي أساس التعاون .. قال تعالي ( وتعاونوا علي البر والتقوى ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان ) * أنها تكفل الحريات جميعها كحرية الاعتقاد والرأي والملكية والتعبير وغيرها ... ويكفي أن نضرب هنا مثالا في عهد عمر بن الخطاب حينما كان يتكلم عن مهور النساء وطالب بعدم المغالاة في مهورهن .. فأوقفته امرأة وقالت له وماذا تقول في قوله تعالي ( وءاتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) فقال أمير المؤمنين أصابت امرأة وأخطأ عمر ... أما الثانية ( ديموقراطية الأمريكان فإنها تقوم علي الآتي : • تقوم علي الأغلبية المطلقة بلا مرجعية دينية أو حتى أخلاقية فهم يتحاكمون إلي مبدأ الأغلبية فيوافقون علي استعمار الشعوب وسلب خيراتها بالديموقراطية وهم يبيحون الخمر والزنا واللواط والقمار والربا بالأغلبية • أنها تقوم علي أساس التمييز العنصري بين البيض والسود في الوظائف والتعليم والرواتب والترقية وغيرها ولهذا السبب قامت الحرب الأهلية الأمريكية بين البيض والسود في الفترة من 1861م 1865 م .. ولا تزال إلي اليوم .. بينما لا يفرق الإسلام بين أبيض وأسود وأحمر . • أنها تفرق بين الأديان فهي تمنع إقامة المساجد إلا القدر اليسير ولا تسمح بإقامة مآذن .. كما تمنع ممارسة المسلمات لشعائر دينهن من تغطية الرأس أو الحجاب وفي بعض الدول يمنعون من دخول المدارس وتوقع عليهن الغرامات .. ويتعرضن للقتل والانتهاكات في هذه الدول . بينما الإسلام يضع حدا لمثل هذه الأمور حيث يقول تعالي ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ويقول جل شأنه ( لكم دينكم ولي دين ) • أنها تقوم علي أساس الكيل بمكيالين فما يحرمونه علي المسلمين يحلونه لغيرهم وخير مثال علي ذلك إسرائيل . • أنها تقوم علي أساس استغلال الشعوب وإذلالها والسيطرة علي اقتصادها ومقدراتها وتشكيكها في قدراتها ومحاربة تقدمها وإثارة الفتن والمشاكل الداخلية وتسليح المعارضين لمنع الاستقرار والتقدم والرخاء . • أنها تشبع رغبات أتباعها علي حساب الدين والأخلاق الكريمة مما أفسد الفطرة التي فطر الله الناس عليها . • أنها تقوم علي أساس المنفعة والمصلحة الشخصية ولو أضر ذلك بالآخرين فهي لا تعرف التعاون إلا التعاون من أجل مصالحها ولو تعارض ذلك مع القوانين والأعراف والدين والقيم الإنسانية وتاريخهم معروف في استعمار الشعوب . • ديموقراطية الأمريكان لا تعرف إلا نفسها فإما أن تكون معهم في الظلم والبغي والعدوان وإلا فأنت ضدهم وهذا يستوجب قتلك واحتلال أرضك ونهب خيرك وهتك عرضك . • كما تقوم علي الكذب والغش والخيانة والاحتكار والسلب والنهب ولذلك فإنهم أعداء للإسلام لأنه يقوم ضد رغباتهم ويفشي أسرار هم ويظهر سوءاتهم .. ولذلك هم يفرضون علينا تعلم ثقافتهم وتنفيذ ديموقراطيتهم وإلا انطبق علينا القول .. من لم يأخذ بديموقراطية الغرب والأمريكان يقع فريسة لها . فهل تسطيع التيارات الإسلامية أن تحقق ديموقراطية الإسلام ليكون نموذجا نواجه به الديموقراطية الكافرة المخادعة وتحقق لأمتنا كل التقدم والازدهار وتحقق العدالة والحرية والمساواة وتعيد للحضارة الإسلامية ديدنها وريادتها للعالم كما كانت أول مرة ؟ أتمني ذلك ودأعو الله بنجاح التجربة الإسلامية والإسلاميين ........ مع أطيب المني